أشرف جمعة (أبوظبي)
كل شيء قابل للاستبدال بحكم الزمن وتغير العصور، وفي عالم تتسارع فيه وتيرة التكنولوجيا، ويزدحم بالثورات الصناعية، يبرز سؤال عن وظائف المستقبل ومهنه، ومن سيكون له الصمود عندما تهب عاصفة جديدة تهز ما ظنه الإنسان لا يتغير أبداً؟ فكيف ستعبر الأسرة بأبنائها إلى عالم جديد بعيون مفتوحة على المستقبل، يحمل المفاجآت والتحديات، في ظل تغيرات عالمية متسارعة في المجالات التنموية والمعرفية؟ وكيف سيتشكل عقل المعلم والأستاذ الجامعي وفق منظومة التعليم الذكي، لمواكبة احتياجات سوق العمل في غدٍ قريب لا يفصلنا عنه سوى عشرون عاماً في أقصى تقدير، ستحل فيها وظائف وستتلاشى أخرى وثيقة الصلة بالذكاء الاصطناعي والذكاء المعزز، والمهارات التقنية وعلوم التكنولوجيا! وكيف يمكن تجاوز اللحظة الراهنة لتهيئة جيل قادر على مواكبة تغيرات سوق العمل المحلية والعالمية، عبر خطوات استباقية لاستشراف المستقبل، رغم اليقين بأن وظائف ومهن الغد غائمة نسبياً في الشكل والمضمون ودرجة تخليها، لكن الإيمان بقدومها من المسلمات التي لا يماري فيها أحد.
مستقبل مجهول
يقول الدكتور عمر بن عمر، أستاذ الإعلام الجديد في جامعة الإمارات: ستتغير منظومة التعليم جذرياً في المستقبل، وبالنسبة للمعلم سيصبح دوره، سواء في المدرسة أو الجامعة، منهجياً، موضحاً أن المعلم سيرافق الطالب ويوجهه، ويحاول أن يعينه على التعلم بشكل مبتكر، بعيداً عن الأسلوب التلقيني. ويضيف أن أسلوب التعليم الحالي ستطوى صفحته خلال سنوات معدودة، وهو ما يتطلب أن يراجع المعلم، والأستاذ الجامعي نفسه مع التطورات. ويرى أن نحو 65 في المئة من الوظائف الحالية ستتلاشى في القريب العاجل، وهو ما يعكس التطور الذي سيلمسه الذين يدرسون اليوم في السنوات الابتدائية، إذ أنهم عندما يكبرون، سيجدون أن الوظائف اختلفت عما عاينوه في مراحلهم العمرية السابقة، وهذا يقودنا إلى مستقبل مجهول نوعاً ما، ولكن يجب أن نطمئن إلى أن الجانب الإيجابي سيكون كبيراً في ما يخص وظائف المستقبل، وهو ما يتطلب أن نعد أنفسنا لاستقبالها.
ويذكر أن وظائف المستقبل، في ظل الذكاء الاصطناعي والمعزز، من الممكن أن تؤثر في العنصر البشري ومكانته الوظيفية، فالتكنولوجيات قد تعوض هذا العنصر، إلى حد ما، في كثير من القطاعات. ويرى أن المسؤولين عن سوق العمل يجب أن يتوجهوا إلى قطاع التعليم من أجل تحديد رؤية المستقبل، والتفكير في وضع برامج جديدة يمكن أن تواكب التقدم التكنولوجي، ومن ثم إعداد برامج تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى أن للأسرة دوراً أساسياً في إعداد الطفل للمستقبل، وتهيئته للتعامل مع التكنولوجيا القادمة، من أجل مواكبة وظائف المستقبل.
وسائل التقنية
ويذكر عيسى الملا، رئيس تطوير الكوادر الوطنية -هيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي، أن طالب اليوم يحتاج إلى الإرشاد المهني لإعداده للمستقبل، وخاصة أن كل الدراسات أوجدت مخرجات تعليمية جيدة، تتعلق باستخدام الوسائل التقنية الحديثة بشكل أفضل، وهو ما سيجعل نسبة البطالة منخفضة في عالم الغد، في ظل التكنولوجيا وبواعثها الجديد، وتأهيل العنصر البشري في مرحلة مبكرة، للتعاطي مع الواقع الجديد بشكل أفضل. ويبين أن العديد من الدول تبحث عن مسوحات جودة حياة، في ظل الاهتمام بوظائف المستقبل.
ويوضح أن إعداد الطالب لا بد أن يكون ضمن الطموح العالمي، ويجب تعزيز دور المعلم، حتى يكون جاهزاً أيضاً للتفاعل مع الواقع الجديد في العملية التعليمية، من خلال تنمية المهارات والتأهيل بصورة أوسع، من خلال برامج مختلفة. ويرى أنه من المهم النظر إلى الممارسات العالمية في تطوير المعلم، خصوصاً في ظل المؤشرات الإيجابية. ويشير إلى أنه من الطبيعي أن تتصاعد مهن وتختفي أخرى، وأن يكون التركيز على الوظائف التي تحتاج إلى تدخل اجتماعي وتقني أكثر، حتى يكون هناك قفزة نوعية في المخرجات.
فرص جوهرية
تورد الدكتورة نجلاء النقبي، خبير تقنيات التعليم والمعرفة، أن الأسرة يجب أن تساعد أبناءها على استشراف وظائف المستقبل، وأن تطلق العنان للطفل لكي يحلق في فضاء التكنولوجيا، حتى ينشأ على وهجها، ويتمكن منها في مرحلة عمرية مبكرة، خاصة أن الأطفال لديهم فضول، وأنه من الضروري استثمار هذا الفضول في تنشئتهم على قيم تتعلق بالمستقبل ووظائفه الجديدة. وتشير إلى أنه من الأخطاء التي تحدث في محيط بعض الأسر، أنها فور أن يكبر الأطفال قليلاً، تتوقف عن تغذية هذا الفضول، ومن ثم تطلب منهم عدم طرح الأسئلة.
وتبين أن الأسرة لديها فرص جوهرية في إعداد طفل اليوم، من خلال المنظومات الذكية التي يشهدها العالم، وخاصة التطبيقات الإلكترونية التي لها أثر كبير في اختصار الوقت والجهد، ومن ثم ترسخ مبادئ التكنولوجيا الحديثة، وأنه يجب أن ينغمر الطفل في عالمها ولكن في حدود معينة، حتى يتقبل هذه المنظومة بكل سياقاتها الجديدة، ومن ثم يكون نظرة قريبة لطبيعة الغد وما يكتنزه من تجارب ملهمة. وترى أن منظومة التعليم هي الوجهة التي من خلالها يتطور الطالب في كل مراحلة التعليمية، وأنه لكي تنعم هذه المنظومة بالحداثة، فإنه من الضروري تخفيف حدة الضغوط على المعلم والأستاذ الجامعي، بحيث يحافظ كل منهما على أدائه الوظيفي، من دون الانخراط في متطلبات من الممكن أن يقوم بها الذكاء الاصطناعي، حتى يتوفر على الارتقاء بمستواه المهني والمطلوب في المستقبل. وتؤكد أنه من الضروري إعداد الكوادر، ومن ثم تبني المواهب، وأن يتم توفير فرص عمل لها من خلال سوق العمل والقائمين عليه، خاصة أن المهن والوظائف ستتغير في المستقبل القريب، لتتخطى حاجز التقليدي إلى آفاق الذكاء الاصطناعي والذكاء المعزز، لافتة إلى أن الذي سيعاني من العنصر البشري هو الذي لم يتمكن من تطوير مهاراته.
مهارات حياتية
ويقول الدكتور محمد المعلا، وكيل وزارة التربية والتعليم للشؤون الأكاديمية للتعليم العالي، إن التغيير يأتي من المراحل الأولى للدراسة، في الإمارات يتم استحداث مواد جديدة دائماً، مثل علوم الكمبيوتر، والبرمجة، والتصميم، والابتكار، والتكنولوجيا، والمهارات الحياتية، ما يعد الأجيال الحالية للمستقبل، موضحاً أن الآليات الموجودة حالياً في وسائل التكنولوجيا سيرافقها تطور المعلم، ليستطيع أن يتأقلم مع الوضع الجديد لوظائف المستقبل، من خلال إعادة صياغة المناهج ضمن نموذج المدرسة الإماراتية، ويصاحب ذلك تدريب المعلمين على هذه المناهج الجديدة، وأيضاً تم استخدام أدوات التكنولوجيا، وتم تدريب المعلمين على هذه الأدوات التكنولوجية. ويذكر أن العالم مهيأ حالياً لاستقبال وظائف المستقبل لأنه جزء من التغير الطبيعي للحياة، وأن العالم مر بثلاث ثورات صناعية، وفي كل مرة كان يتغير ويتطور ويتكيف معها، وأعتقد أن العنصر البشري خلقه الله لكي يتغير، وهذا الكائن قادر على التكيف مع تكنولوجيا صنعها بنفسه، ويرى أن الوظائف المستقبلية في ظل الثورة الصناعية الرابعة، ستأتي بأثر إيجابي لأنها ستعمل على تسهيل بعض الأعمال وتطويرها، وجعلها أكثر كفاءة، وجعل الأشخاص الذين يعملون في كل القطاعات على زيادة الإنتاج، وهذا تطور إيجابي، ولا أعتقد أنه سيكون هناك تأثير على العنصر البشري من وظائف المستقبل، ما دام أنه يتطور ويتلاءم مع المهارات المطلوبة.
أمل كبير
يقول عبدالله علي بن زايد الفلاسي، مدير عام دائرة الموارد البشرية لحكومة دبي: الشباب لهم اتصال بالتكنولوجيا، واتصالهم بالإنترنت وعالم السوشيال ميديا أصبح واقعاً، وهذا يعطي أملاً كبيراً بأنهم يسعون إلى الالتحام بعالم التقنيات، مشيراً إلى أنه في ظل النظرة إلى مستقبل الوظائف، فإن التحدي سيكون على صعد مختلفة، خاصة أن البداية مهمة، وذلك من خلال الأسرة، ومدى قدرتها على رفع مستوى المهارات في مرحلة مبكرة، للتماهي مع الواقع الجديد، في ظل البنى التحتية القوية، التي ستساهم في عملية التطوير، والتي يجب الاستفادة منها، على صعيد الأسرة والمؤسسات التعليمية، ويوضح أن الأسرة لها دور في توجيه واكتشاف مواهب الأبناء، ومن الضروري أن العمر المبكر للتعرف على التخصص الذي يلائم الأبناء في مرحلة مبكرة، لذا فإنه يجب على الآباء والأمهات أن يطلعوا على التخصصات، التي تتماشى مع وظائف المستقبل، ويرى أن الجيل الذي نعده من الطلبة، يستطيع أن يدمج كل الوسائل، من أجل التوافق مع وظائف المستقبل بطابعها الجديد، خصوصاً أن الدولة تعمل بشكل متسارع لاستشراف المستقبل، ومن ثم الاهتمام بالطلاب، حتى يسايروا التقنيات الجديدة، التي ستكون موجودة في المدارس والجامعات، بحسب كل مرحلة.