محمد نجيم (الرباط)
في الكتاب الجديد «إدوارد سعيد الأنسني الراديكالي: في أصول الفكر ما بعد الكولونيالي» لمؤلفه فريد بوشي وترجمة الدكتور محمد الجرطي (دار صفحات 2018)، نتعرف إلى جوانب جديدة، ربما لم تكن معروفة ومطروقة من قبل وتلامس أعمال إدوارد سعيد (1935 ـ 2003) المفكر الفلسطيني المعروف، والذي يمثل حالة نقدية وفكرية متميزة في النقد العالمي والثقافة الحديثة.
ولأنه من النقاد القلائل الذين أدركوا أن موقع الناقد المدافع عن نزعة إنسانية كونية لا يكون إلا بالصدور عن تصور خاص للنقد يضمن له أن يستمر في النهوض بدوره التنويري في العالم، فقد أهله ذلك لأن يمتلك منظوراً جذرياً مختلفاً، وفكراً إنسانياً حياً وثقافة استثنائية تعبّر عن وجود ثر مغاير للسّائد والمألوف، مما كرّسه باعتباره أحد أقوى المشاركين في بناء صرح النظرية الأدبية المعاصرةّ، وأحد ألمع صانعي تحولاتها ومنعطفاتها الكبرى منذ ستينيات القرن الماضي.
فلهذا الباحث، كما يقول إدريس الخضري، في مقدمة الكتاب، الفلسطيني الأميركي الذي تلقى تكويناً أكاديمياً في النظرية الأدبية في مؤسّسات جامعية غربية، واشتغل أستاذاً للأدب المقارن بجامعة كولومبيا، يعود له الفضل ليس فقط في تشييد أسس دراسات ما بعد الكولونيالية، ذلك التيار البحثي الذي شهد مع بداية الثمانينيات انتشاراً واسعاً في فرنسا ومجموعة كبيرة من الدول، مع صدور كتابه «الاستشراق» (1978) الذي بلور فيه منظوراً ينهل من النقد الأدبي والتاريخ والعلوم الإنسانية والفلسفة لتفكيك التمثيلات الغربية حول الشرق، ونقد استراتيجيات الهيمنة والسيطرة، وإنما كذلك في تعرية ذلك الاستثمار الذي يظهر على أنه «طبيعي» و«علمي» في القوى التي تهيمن على العالم، وخلخلة تمفصلات السّياسة والثقافة، ونقد أنساق الخطاب في المعرفة الغربية، كما تتجلى في مجالات مختلفة مثل الأدب والأنثربولوجيا، والتاريخ، ودراسة المناطق.
لا شك في أن قارئ أعمال إدوارد سعيد، خاصة الكتب التي نثر فيها عيّنات من سيرته الذاتية مثل«العالم والناقد والنص»(1983) و«تأملات حول المنفى»(2000)، و«خارج المكان»(1999)، يدرك إلى أي مدى أن مسار هذا الناقد والمفكر المختلف قد طبعه المنفى والمرورُ عبر عوالم مختلفة. من القدس التي ولد فيها سنة 1935 إلى القاهرة ثم لبنان، لينتقل بعد ذلك إلى إنجلترا ثم الولايات المتحدة الأميركية التي حقق فيها مجده الأكاديمي والثقافي.