د. شريف عرفة
كثيراً ما تقترن كلمة الإبداع في مخيلتنا بصورة شخص واحد.. عالم فيزياء مثل آينشتاين أو فنان تشكيلي مثل بيكاسو.. لكن، ماذا عن الإبداع الجماعي الذي يعتمد على مجموعة من الناس في فريق عمل متكامل؟
نظرا لغزارة المعرفة الإنسانية في عصرنا الحالي، والعولمة التي خلقت تنافسية عالية بين مؤسسات عالمية عملاقة، ظهرت أهمية الإبداع الجماعي لضمان السرعة والكفاءة والاستمرارية.. حتى في المهام التي كانت في الماضي حكرا على الفرد، ككتابة السيناريو أو إعداد البرامج، أصبحت اليوم تعتمد على ورش كتابة السيناريو وجلسات العصف الذهني لفريق الإعداد.. لأن الإبداع الجماعي تراكمي يكبر ككرة الثلج ليخرج بمنتج فكري ينافس الإبداع الفردي.
معضلة الإبداع الجماعي
إذا افترضنا أن فريق العمل يحتوي كل الكفاءات الذهنية والمهنية المطلوبة، تظل فكرة العمل الجماعي الإبداعي تواجه عقبات عدة تجعلها غير مضمونة النتائج.. منها ميل الإنسان الطبيعي للخضوع للجماعة.. فمن الذي يريد معارضة المدير في الاجتماع؟ هل الأولوية أن تقول فكرة مجنونة مثيرة للجدل -قد تصيب أو تخيب- أم تؤثر السلامة وتحافظ على حضورك المقبول في الاجتماع؟
هناك مشكلة أخرى تتمثل في آلية اختيار من يحضر الاجتماع.. هل المفترض أن يتكون الفريق على أناس متشابهين يفكرون بطريقة واحدة كي يستطيعوا الانسجام معا؟ أم فريق متنوع ثقافيا مختلف فكريا يقف على أرضية ضعيفة من الأفكار المشتركة؟ الدراسات متناقضة في هذا الموضوع!، فأحيانا يصيب هذا ويخيب ذاك، أو العكس!
إلا أن دراسة حديثة كشفت جانبا مهما يحل هذه المعضلة..
الامتنان
في دراسة حديثة نشرت في دورية (أورجانيزيشنال بيهافيور آند هيومان ديسيجن بروسيسز) وجدوا أن أهم ما يجعل فريق العمل قادرا على الابتكار الجماعي، هو شعور أفراده «بالامتنان» لأنهم يعملون مع بعضهم. ما معنى هذا الكلام؟ ما علاقة الامتنان بالإبداع؟
سألنا الباحثة في الدراسة جويهيون بارك Guihyun Park من الجامعة الأسترالية الوطنية، عن تفسير هذا الأمر فقالت:
لكي يكون فريق العمل قادرا على الإبداع، يحتاج أعضاؤه أولا إلى تجميع الآراء، وثانيا إلى التفكير بعمق في هذه الأفكار المختلفة التي اقترحها زملاؤهم. المشاعر الإيجابية تزيد من الأفكار المطروحة لأنها تزيد حماس الإنسان لإبداء رأيه، كما يتحسن استقبال الزملاء -الذين يشعرون بمشاعر طيبة تجاه صاحب الفكرة- فتتردد في الاجتماع عبارات مثل «هذه فكرة جيدة.. تبدو رائعة» بدلا من معارضة الأفكار التي تقال بدوافع شخصية كالرغبة في الظهور أو كراهية الآخر.. بالإضافة إلى ذلك، فإن الشعور بالامتنان تجاه الزملاء، أي تقدير قيمة العمل مع هؤلاء الأشخاص بالتحديد، يساعد في هذه العملية بطريقة فريدة من نوعها، لأنه بالإضافة للاستقبال الجيد للفكرة، فإنه يعطي دافعا ذاتيا لبذل مجهود ذهني أكبر والتفكير بعمق من أجل تحسين مشاركة هذا الزميل والإضافة عليها بطريقة تجعلها أكثر فائدة وقابلية للتطبيق. أي أن المشاعر الإيجابية مفيدة لتحسين تقبل الأفكار الجديدة وتشجيعها، والامتنان يجعل الإنسان يقدر قيمة الآراء التي يسمعها ويعطيها جزءا من وقته وجهده الذهني لتقييمها والإضافة عليها بشكل جيد. فقد كشفت الدراسة كون الامتنان مرتبطًا بجودة الحلول الإبداعية التي تم التوصل إليها، لأنهم يتناغمون مع جهود زملائهم ويفكرون جيدا قبل الرد على أفكار زملائهم في الفريق.
تعطي هذه الدراسة مؤشرا مهما لأهمية العلاقة الشخصية التي تربط أفراد الفريق معا على المستوى الشعوري.. مجرد شعور الأفراد بالارتياح لأنهم يعملون مع أشخاص بعينهم، له تأثير مادي ملموس على نتيجة العمل الإبداعي الذي يقومون به.