13 أغسطس 2011 23:37
بدأت أزمة الديون الأميركية ونقص التصنيف الائتماني للولايات المتحدة تلقي بظلالها السلبية على الاقتصاد المصري خلال الأيام الأخيرة، وساهمت علاقات متشابكة ونقاط تماس عديدة بين الاقتصادين المصري والأميركي على صعيد الصادرات والسياحة والمساعدات المالية المباشرة في توسيع الأثر السلبي للازمة الأميركية على مجمل النشاط الاقتصادي في مصر وهو ما ظهر في مجالات عدة مؤخرا، وتوقع محللون وخبراء اقتصاديون أن تترك الأزمة الراهنة آثاراً بعيدة الأمد في بنية الاقتصاد المصري، مع تعاظم فاتورة الخسائر المصرية والتي بدأت تتوالى تباعاً منذ مطلع الأسبوع المنصرم.
وجاءت سوق الأوراق المالية المصرية في مقدمة القطاعات التي دفعت جزءاً كبيراً من هذه الفاتورة بعدما تكبدت خسائر فادحة تجاوزت عشرة بالمئة من القيمة السوقية للأسهم المتداولة، حيث بلغ اجمالي خسائر السوق 32,8 مليار جنيه وهي خسارة لم تحققها البورصة المصرية في ذروة أحداث ثورة 25 يناير أو حتى بعد عودتها للتداول في 23 مارس الماضي، مما يعني التأثير الخارجي الكبير على حركة وأداء السوق لاسيما في ظل الذعر الذي انتاب المستثمرين الأجانب في البورصة المصرية، حيث اندفعوا في عمليات بيع عشوائية طيلة أيام الأسبوع الأخير تسببت في تراجع أسعار أسهم 156 شركة متداولة وقلد المستثمرون المحليون - خاصة الأفراد - سلوك الأجانب في البيع العشوائي الذي أضر بالسوق.
وحسب حركة مؤشرات البورصة المصرية بدأت حركة التداول مطلع الأسبوع الأخير متماسكة نسبياً قبل أن تصاب بحالة من الذعر إثر صدور قرار خفض التصنيف الائتماني للاقتصاد الأميركي، فقد اغلق مؤشر السوق يوم الأحد الماضي عند 4798 نقطة لمؤشر “ايجي إكس 30” الذي يغطي أوضاع القاعدة العريضة من الأسهم المتداولة وفي جلسة اليوم التالي اغلق المؤشر على 4701 ليواصل تراجعه في اليوم الثالث، ليغلق عند 4478 نقطة لتخسر السوق في هذا اليوم 4,7% من قيمتها ويفقد المؤشر 223 نقطة بعد ان اطلق المستثمرون على هذا اليوم “الثلاثاء الاسود” نظرا لارتفاع حجم الخسائر. أما في يوم الأربعاء فقد استرد المؤشر بعض خسائره ليغلق عند 4661 نقطة ثم يعود للتراجع من جديد في جلسة الخميس عند 4592 نقطة.
ولم يسلم مؤشر “ايجي إكس 70” الخاص بالشركات المتوسطة والصغيرة من حالة التراجع الحادة، حيث اغلق الأحد الماضي على 609 نقاط ليواصل تراجعه في اليوم التالي إلى 591 نقطة ثم إلى 560 نقطة في اليوم الثالث قبل ان يسترد أنفاسه في اليوم الرابع، ليعوض بعض الخسائر ويغلق عند 587 ثم سرعان ما عاد للخسارة في إغلاق الخميس الماضي ليقفل عند 578 نقطة.
ويرشح الخبراء قطاعي السياحة والتصدير للتعرض للآثار السلبية لأزمة الديون الأميركية باعتبارهما القطاعين الأكثر تماساً مع السوق الأميركية، نظرًا لتوقيع اتفاقية “الكويز” بين مصر والولايات المتحدة قبل عدة سنوات وهي الاتفاقية التي تقضي بنوع من المعاملة التفضيلية للصادرات المصرية في السوق الاميركية، وكذلك نظرا لوجود تدفق سياحي نسبي من الجانب الأميركي على مصر.
والمتوقع ان تتراجع الصادرات المصرية لأميركا، وكذلك السياحة الوافدة في الفترة القادمة لتأثر أوضاع المستهلك الأميركي بصفة عامة بأزمة الديون بعدما تضمنت خطة معالجة الازمة خفض الانفاق الحكومي، بما يشير إلى إمكانية حدوث نوع من الانكماش الاقتصادي يؤثر على اتجاهات الاستهلاك ويقلل الطلب الأميركي على السلع والخدمات الواردة من بلدان الشرق الأوسط وفي مقدمتها مصر.
وهذا الانكماش يمكن أن يترتب عليه انخفاض الطلب على النفط وبالتالي تراجع أسعاره، الأمر الذي يؤثر سلبا على التدفقات الاستثمارية الأجنبية الواردة إلى مصر لاسيما ان نسبة كبيرة من هذه الاستثمارات تأتي من بلدان خليجية وفوائض نفطية. ويشير الخبراء أيضاً إلى أن الاستثمارات الأميركية في مصر سوف تتأثر سلباً وهي ثاني أكبر استثمارات أجنبية بالبلاد بعد استثمارات الاتحاد الأوروبي، مما يلحق أضراراً بقطاع النفط والغاز المصري لتركز الاستثمارات الأميركية في هذا المجال.
وعلى صعيد قطاع التصدير يرى محمد المرشدي، رئيس غرفة النسيج في اتحاد الصناعات المصرية، أن هناك إمكانية كبيرة لتأثر الصادرات المصرية خاصة من الملابس والمفروشات للسوق الأميركية، بسبب أزمة الديون لأن هناك تقارير تشير إلى تراجع القدرة الاستهلاكية للمواطن الأميركي بسبب خفض الانفاق الحكومي وزيادة الضرائب، مما يعني أن قدرة السوق هناك على استيعاب البضائع المصرية ستكون محدودة مقارنة بالفترة الماضية ولن تجدي كثيرا أي معاملة تفضيلية في ظل تراجع الطلب وبالتالي يجب على المصدرين المصريين البحث عن أسواق بديلة تعوض النقص الذي سيحدث في السوق الأميركية، مشيراً إلى أن الأسواق العربية يجب أن تأتي في مقدمة هذه الأسواق البديلة التي يمكن ان تراهن عليها المنتجات المصرية.
أما الملف الاقتصادي الذي سوف يأتي في مقدمة الملفات المتأثرة بالأزمة الأميركية، فهو ملف المساعدات الاقتصادية المباشرة التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر سنويا، حيث يرى خبراء اقتصاديون ان أزمة الديون هناك سوف تهيئ فرصة للجناح المعادي لمصر داخل الكونجرس لتمرير قرارات تتعلق بإلغاء أو خفض المعونة الأميركية، لاسيما بعد ان صدرت إشارات بهذا المعنى في الفترة الماضية.
وعلى صعيد قطاع الخدمات المالية وحسب معلومات حصلت عليها “الاتحاد”، فإن البنك المركزي المصري بدأ وضع سيناريوهات بديلة للتعامل مع آثار وتداعيات أزمة الديون الأميركية، خاصة على سندات الخزانة التي تكون نسبة كبيرة من الاحتياطي النقدي لمصر حيث كانت السياسة الاستثمارية التي تتم إدارة هذا الاحتياطي بها تعتمد على شراء سندات خزانة أميركية، حتى أن مصادر مصرفية تقدر استثمار 40 و50% من هذا الاحتياطي في سندات أميركية مما يعني أن هناك على الأقل 12 مليار دولار من الاحتياطي النقدي المصري الآن داخل دائرة الأزمة الأميركية، خاصة ان هناك احتمالات لتأثر قيمة هذه السندات بعد خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة.
وبحسب هذه المعلومات فإن هناك اتجاها للتخلص التدريجي من سندات الخزانة الأميركية في محفظة الاستثمارات المصرية، حتى لا يتعرض الاحتياطي النقدي لمزيد من التأكل بعد ان فقد عشرة مليارات دولار في الشهور الستة الماضية، كما أن هذا الاتجاه الذي يدرسه البنك المركزي يتضمن أيضاً توسيع سياسة تنويع سلة العملات في الاحتياطي النقدي بحيث تتم زيادة الوزن النسبي لعملة اليورو في مواجهة الدولار على ضوء تقارير دولية تشير إلى إمكانية حدوث انخفاض في قيمة العملة الأميركية مستقبلا، على ضوء تطورات الأزمة الحالية وفي حالة حدوث ذلك سوف تتكبد مصر خسارة كبيرة في قيمة الاحتياطي النقدي مما يفرض على البنك المركزي المصري وضع سياسة بديلة لإدارة هذا الاحتياطي في ضوء هذه المخاطر.
ويطالب الخبراء الاقتصاديون ومصدرون متعاملون مع السوق الأميركية بضرورة التعامل السريع مع هذه الأزمة ودفع الحكومة المصرية لاتخاذ تدابير احتياطية لمواجهة الآثار المترتبة عليها، لاسيما في ضوء الأوضاع الهشة للاقتصاد المصري في هذه المرحلة والتي يعتمد فيها كثيراً على الخارج لاستعادة حالة النمو.
وترى الدكتورة أمنية حلمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن آثار الأزمة المالية الأميركية على الاقتصاد المصري سوف تظهر بطرق غير مباشرة، ويجب وضعها في الاعتبار وفي مقدمة هذه الآثار غير المباشرة تراجع الموارد المصرية من النقد الأجنبي سواء عبر رسوم المرور في قناة السويس أو تحويلات المصريين العاملين بالخارج.
وتشير إلى أن هناك إمكانية لأن يتسع نطاق الأزمة الأميركية لتتحول إلى أزمة مالية عالمية عاصفة خاصة ان هناك كثيراً من الدول بدأت تعلن عن تضررها من هذه الأزمة، وفي مقدمتها الصين - اكبر دائن للولايات المتحدة- وبعض بلدان شرق آسيا وفي حالة حدوث ذلك فإن تباطؤاً مؤكداً سوف يلحق بحركة التجارة العالمية، الأمر الذي يمكن أن يؤثر على أعداد السفن العابرة لقناة السويس وحجم حمولاتها وبالتالي حجم الرسوم التي تدفعها وتراجع حصيلة المرور في القناة. وأوضحت أن هذا التباطؤ الاقتصادي العالمي سوف يلحق الأذى باقتصاديات دول الخليج، حيث سيتراجع الطلب على النفط وتتأثر أجور المصريين العاملين في دول الخليج العربية مما يؤثر سلبا على حجم تحويلاتهم السنوية من النقد الأجنبي، وهي التحويلات التي سجلت في احدث الإحصاءات نمواً كبيراً حيث بلغت 8,9 مليار دولار، وهو مبلغ تعتمد عليه مصر بنسبة كبيرة في علاج العجز في ميزان المدفوعات، حيث تسد هذه التحويلات الفجوة بين قيمة صادرات مصر السلعية ووارداتها.
المصدر: القاهرة