من أخطر أجزاء الجسم البشري اللسان، فهو الآلة التي يعبر بها الإنسان عن أحاسيسه وبه يتصل بربه وبالآخرين، ولما كان كل عضو من الأعضاء يدرك نوعاً خاصاً من الوجود، فإن اللسان يعبر عن تلكم الأحاسيس كلها ويتجاوزها إلى جميع الموجودات، فهو يشرح ويبين ويثبت وينفي حتى أضحى النطق خصيصة الإنسان البارزة فقيل «الإنسان حيوان ناطق» ولما كان سلطانه كبيراً كان نفعه كبيراً، وكذا ضرره كبيراً أيضاً، وكان العلماء يخشون عاقبة اللسان ويفزعون من الموارد المهلكة التي يوردهم فيها ألسنتهم. فاللسان يسعد الإنسان إذا ما تأدب بالأدب الإلهي، فالمؤمن مطالب بأن يزن أقواله وآثارها قبل أن تتجاوز شفتيه، فالإسلام لا يقبل من المؤمن إلا أن يقول أفضل الكلام وأزكاه وأحسن الأقوال وخيرها، والميزان الذي يوزن به القول أولاً هو ميزان الله، فكل ما حرم أو نهى عنه أو كرهه للمؤمنين يجب تجنبه. وثانياً هو أثر القول في الآخرين، فكل منا مطالب أن يقدر مقدماً الآثار التي تترتب على الكلام من زيادة لحمة بين الأفراد عملا بقوله تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) «الإسراء، 53»، فالأدب الإلهي بلغ ذروته وسما إلى غايته بمطالبة كل فرد بأن يتخير في كل مجال أحسن ما يقال، لأن الشيطان يدفع إلى الكلمة التي تثير العداوة وتفرق الشمل وتقطع الحبل الجامع، والكلمة الموزونة تزيل سخائم النفوس وتنمي العلاقات وتضمد الجراح وتبعث في الوشائج حياة وقوة. فكل ما ينطق به الإنسان مسجل عليه. قال تعالى: «مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ «، فهو مسؤول عن كل ما ينطق به وما يجري على لسانه، وإذا كانت مسؤولية الإنسان على كلامه في الدنيا كاملة فكذلك في الآخرة. وإذا كانت النميمة والغيبة والقذف من الضروريات التي يدركها كل الناس، ويعلمون علم اليقين سيىء الآثار، فإن كثيراً من الأنواع الأخرى قد يغفل عنها الإنسان، فمن ذلك أن ينقل الإنسان كل حديث سمعه وينشره في الناس، قال صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» (أبو داود) فبعض الناس لا يستطيع مسك خبر سمعه يسبقه لسانه متحدثاً بكل ما سمع، فالإنسان محاسب على أقواله أيما كان مصدرها، فنقل الكذب حرام، وإشاعة التهم حرام، فعلى المؤمن إذا جاءه خبر أن يزينه بميزانه الداخلي والخارجي، وأثره في الناس، فإذا كان أثره في السامعين الأثر السيىء وجب عليه أن يكتمه وأن لا يشيعه، لأن في إشاعته تأكيداً له وتلبيساً، والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) «الحجرات، 6»