13 أغسطس 2011 22:55
طلب الخير مبدأ إسلامي إنساني تشعر النفس المطمئنة بنبله وعظمته وأثره الصالح في حياة الفرد والمجتمع ونفس طالب الخير عظيمة تجرد صاحبها عن شهوات الدنيا وتجعله يرجو ثواب ربه والفوز بالجنة.
ويقول الدكتور محمود إمبابي - وكيل الأزهر السابق - قال الله تعالى: (ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب) “سورة البقرة، الآيتان 201 - 202”. يخبر الله تعالى عن بعض أحوال الناس الذين يسألون الله مطالبهم، ولكن مقاصدهم تختلف، فمنهم من يسأل الله مطالب الدنيا من شهوات، وليس له في الآخرة من نصيب لرغبته عنها، ويقصر همته على الدنيا ومن الناس من يدعو الله لمصلحة الدنيا والآخرة، وكل من هؤلاء لهم نصيب من كسبهم وعملهم وسيجزيهم الله تعالى على حسب أعمالهم وهممهم ونياتهم، وفي هذه الآية دليل على أن الله تعالى يجيب دعوة كل داع، ولكن ليست إجابة دعاء من يدعوه دليلاً على محبته له وقربه منه إلا من طلب الآخرة والدين.
المطالب الحسنة
والمطالب الحسنة في الدنيا يدخل فيها كل عمل صالح عمله الإنسان في الدنيا من رزق هنيء حلال وزوجة صالحة وولد تقر به العين وراحة وعلم نافع وغير ذلك من المطالب المحبوبة والمباحة. وحسنة الآخرة هي السلامة من عذاب القبر ويوم الحساب والنار وحصول رضا الله والفوز بالنعيم المقيم والقرب من رب العالمين.
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر من الدعاء بهذه المطالب، ويحث عليها ويختار في دعائه جوامع الدعاء فيقول: “ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار”، ويقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. وقال - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه: “قل اللهم اهدني وسددني”، وعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عائشة - رضي الله عنها - أن تقول في ليلة القدر: “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني وغيرها من الأدعية التي تعبر عن مطالب تتعلق بالآخرة”.
ونفس طالب الخير تسعى إلى رضا الله تعالى طلباً لأجر وثواب الآخرة قال تعالى: (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب) “سورة الشورى، الآية 20”، يخبر الله تعالى عن الذي يطلب أجر الآخرة وثوابها وآمن بها وصدق وسعى لها، فإن الله تعالى يضاعف عمله وسعيه وجزاءه أضعافاً كثيرة، ومع ذلك فإن الله يعطيه نصيبه من الدنيا. ومن كان يريد حرث الدنيا وكانت هي مقصوده وغايته ولم يقدم لآخرته ولا يرجو ثوابها فقد حرم الجنة ونعيمها واستحق النار وجحيمها، وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون).
أهل الرياء
والمراد بهذه الآية أن من أراد بعمله ثواب الدنيا عجل له الله تعالى الثواب ولم ينقص شيئاً في الدنيا، وله في الآخرة العذاب لأنه جرد قصده إلى الدنيا، وهذا ما قاله - صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات”، فالعبد إنما يعطى على وجه قصده وبحكم ضميره. وقيل: المراد بهذه الآية أهل الرياء. وفي الخبر يقال لأهل الرياء: “صمتم وصليتم وتصدقتم وجاهدتم وقرأتم ليقال ذلك، فقد قيل وهؤلاء أول من تسعر بهم النار. وقال تعالى: (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا) “سورة الإسراء، الآية 19”، من طلب الآخرة ورضيها وآثرها على الدنيا وسعى إليها سعيها الذي دعت إليه الكتب السماوية والآثار النبوية وعمل بذلك على قدر إمكانياته وهو مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فأولئك كان سعيهم ومطالبهم مقبولة وأجرهم وثوابهم عند ربهم ومع هذا لا يفوتهم نصيبهم من الدنيا.
وأكدت السنة النبوية أهمية طلب الخير وأن من يسعى في الخير يذهب الله همه ويفرج عنه كربه ويبشره بالجنة وعن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: “بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين في الأرض فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب”، وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال لي أبو بكر - رضي الله عنه - علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاء قلت: ماهو قال: كان عيسى ابن مريم يعلم أصحابه قال: لو كان على أحدكم جبل ذهب دينا فدعا الله بذلك لقضاه الله عنه “اللهم فارج الهم وكاشف الغم ومجيب دعوة المضطرين رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما أنت ترحمني فارحمني برحمة تغنني بها عن رحمة من سواك”، قال أبو بكر رضي الله عنه: فكنت أدعو الله بذلك فأتاني الله بفائدة فقضى عني ديني.
طلب العلم
ومن النفوس طالبة الخير تلك التي تطلب العلم الشرعي فإن من أفضل العبادات وأجل الطاعات التي حث عليها الشرع طلب العلم الشرعي والمقصود بالعلم الشرعي علم الكتاب والسنة قال الله تعالى: (قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب) “سورة الزمر، الآية 9”، وقال تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير) “سورة المجادلة، الآية 11” .
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
طلب الخير في الإسلام كل عمل صالح يأتيه المسلم يبتغي به وجه الله خالصاً من الرياء ولا يقتصر فعل الخير على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل يشمل كل المباحات ما دام المسلم يفعلها بنية التعبد. ويشمل ذلك أيضاً إماطة الأذى عن الطريق وبر الوالدين والإحسان إلى الجار، بل إن إتيان الرجل أهله صدقة، كما ورد في الحديث، كما أن إخلاص النية لله تعالى وطلب المثوبة مبدأ أساسي في الإسلام وقال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون).
المصدر: القاهرة