9 نوفمبر 2010 20:41
في الطائرة المتجهة إلى باريس وجدتني أجلس بجانب عملاق يبدو أنه من بقايا محاربي الفايكنج، لكنه يعيش في زمان غير زمانه، فلم يعد هناك محاربون ولا أبطال، كرسيه لا يتسع له وقد مد رجليه فلا يمكنه ثنيهما في مكان ضيق، خصوصاً أن طوله ربما يزيد على المترين، فهو يضطر إلى أن ينحني عندما يقف لأن رأسه يصل إلى سقف الطائرة..
أشفقت عليه فالطائرات ليست مصممة لمثل هؤلاء، وتذكرت صديقاً كان يضطر إلى حجز كرسيين متلاصقين في الدرجة السياحية إذا لم يجد مكانا في غيرها، ويضمهما على بعض ليكفيانه، ومرة حجزوا له كرسيين متباعدين..
عندما وصلت إلى مطار شارل ديجول ?حملت حقيبتي المهترئة وغادرت سيرا على الأقدام، كانت الدنيا لا تزال تغرق في الظلام رغم أنها تقترب من السابعة صباحاً، كما إنها لا تزال تمطر منذ الليلة الماضية، الطقس بارد لدرجة التجمد..
أوقفت سيارة أجرة لتقلني إلى الشارع الذي لطالما أحببت، شارع الشانزلزيه، وتوقفت أمام مقهى حيث سأتناول إفطاري وقهوتي الصباحية، قبل أن أذهب إلى فندق على ناصية الشارع يتخذ من ساحة الكونكورد اسما له..
الفندق صغير ومدخله في زاوية حادة في زقاق خلفي لشارع الشانزلزيه، كان لطيفا ودافئا وهذا هو المهم، الدفء، فالبرد شديد ويخترق العظم عندما تهب رياح الشمال على هذا الشارع الشهير الذي لم أفهم سر شهرته، لكنه يضج بالبشر حتى في مثل هذا الطقس البارد، الناس يأتون إليه من أقصى الأرض، ربما التماساً لشاعرية المكان ورومانسية باريس، التي ربما لا يستشعرها واحد مثلي يهيم وحيداً في شوارع باريس التي امتلأت بأوراق الخريف مخلفة الأشجار عارية تماماً مما يشي بشتاء طويل قاسي البرودة، لن يحتملها واحد مثلي يجوب المدن بحثاً عن شيء ما، ربما عن ذات ضائعة أو عن قصة غريبة ويتفرس في وجوه الناس ويدقق في التفاصيل الصغيرة التي تكمن بها الشياطين..
في تلك الليلة جافاني النوم رغم شعوري بالإرهاق، وقمت قبيل منتصف الليل، ارتديت أسمالي ونزلت إلى الشارع أهيم على وجهي برغم البرد القارس، مشيت بين قوس النصر وساحة الكونكورد وعندما أنهكت قدماي من السير بلا هدف ارتميت على كرسي خشبي وضع للعامة منكفئاً على نفسي أضع سيناريوهات وهمية لأشباح أراهم من بعيد يشبهون عشاقاً يتعانقون، حينها فقط استشعرت رومانسية باريس، فحتى في البرد هناك دفء ينبعث من القلوب التي تنبض بالحب..
rahaluae@gmail.com