أحمد شعبان (القاهرة)
أشاد رجال الدين بالأزهر الشريف والكنيسة المصرية، بما حققته «وثيقة الأخوة الإنسانية» من نتائج ونجاحات محلية وعالمية، خلال عام على توقيعها بين فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، والبابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، في أبوظبي، برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وأكدوا أن «وثيقة الأخوة الإنسانية» حققت خلال العام الأول لها انتشاراً عالمياً، لما تحمل بنودها من قيم إنسانية تحث على السلام والمحبة والتعايش المشترك وقبول الآخر ونبذ التطرف والكراهية والإرهاب، وأشاروا إلى أن من النجاحات التي حققتها الوثيقة إقامة «البيت الإبراهيمي» في الإمارات، كأولى المبادرات لتطبيق الأخوة الإنسانية، وتأسيس لجنة عليا لتحقيق أهداف الوثيقة، وتعميم الوثيقة على 194 دولة بمنظمة الأمم المتحدة، وتدريس بنودها وأهدافها في المناهج التعليمية.
وأكد القس رفعت فكري رئيس مجلس الحوار بالكنيسة الإنجيلية في مصر، لـ«الاتحاد»، أن «وثيقة الأخوة الإنسانية» حققت نجاحات كبيرة على مستوى العالم خلال عامها الأول، ومنها القرار الذي أصدره الأمين العام للأمم المتحدة بتعميم ونشر مبادئ «وثيقة الأخوة الإنسانية» على 194 دولة، والتي تمثل الدول الأعضاء بمنظمة الأمم المتحدة، للاستفادة منها، بالإضافة إلى إنشاء «البيت الإبراهيمي» في دولة الإمارات، كمبادرة لتطبيق أهداف الوثيقة، مثمناً الدور الكبير لدولة الإمارات في رعاية هذه الوثيقة، مؤكداً أن دولة الإمارات تقوم بدور تنويري كبير، ويعيش على أرضها العديد من الجنسيات ويعتنقون أدياناً مختلفة في تعايش مشترك، ونموذج يُحتذى به في الدول العربية في التعايش السلمي وقبولها وتنوعها للتعددية الدينية.
وأشار «فكري» إلى أهمية هذه الوثيقة، خاصة أنها وقعت بين رمزين دينيين كبيرين، مؤكداً أن أهمية الوثيقة تكمن في مبادئها التي تدعو إلى قبول الآخر والتنوع والتعددية، ونبذ العنف والإرهاب، والعيش المشترك بين جميع الديانات المختلفة كأخوة في الإنسانية، بغض النظر عن الدين واللون والجنسية، مضيفاً: هذه الوثيقة متميزة ويجب تطبيقها لدى منظمات المجتمع المدني، وجميع المؤسسات الدينية، وأن يشار إلى مضمونها في الخطب الدينية، لما تحمله من قيم مشتركة جميلة بين أتباع الأديان.
وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة أعلنت التزامها بمبادئ وثيقة الأخوة الإنسانية في استراتيجيتها الداخلية وتم إدراجها ضمن مناهج التعليم لطلبة المدارس، وتأسيس لجنة عليا للأخوة الإنسانية مقرها أبوظبي، وحفزت دولة الإمارات المؤسسات على تطبيق تلك الوثيقة وإطلاق مبادرات لتنفيذ بنودها، بالإضافة إلى إنشاء «البيت الإبراهيمي» في دولة الإمارات العربية المتحدة، كمبادرة لتطبيق أهداف الوثيقة.
النتائج الإيجابية
ومن جانبه، ثمن الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، النتائج الإيجابية التي حققتها وثيقة الأخوة الإنسانية، خاصة في نشر السلام العالمي، مؤكداً لـ«الاتحاد» أن الإخاء الإنساني ملمح ومقصد إسلامي، حيث قال الله تعالى «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رجالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً»، وأن الإخاء الديني دلت عليه نصوص كثيرة منها «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ».
وأكد الدكتور كريمة أن المبرة والعدل مع أهل الكتاب أصل إسلامي، يضاف إلى ذلك زمالة الشرائع السماوية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء احتفالاً مع بني إسرائيل بنجاتهم ونبي الله موسى في هذا اليوم من عدوهم، مؤكداً أن وثيقة الأخوة الإنسانية التي أبرمت بين الأزهر الشريف والكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان خطوة مباركة على طريق الإخاء الديني، وأصبح يؤخذ بها كدليل من باب التدابير المؤسسة لمزيد من التعايش وقبول الآخر والتعاون لما فيه خير البلاد والعباد، ومن باب تصحيح المفاهيم المغلوطة وتصويب الأفكار الخاطئة من الآراء الشاذة التي تخرج عن الرواية المقبولة والدراية المعقولة من بعض المتطرفين، سواء من المنتسبين للإسلام أو للمسيحية.
ومن النتائج المهمة التي حققتها وثيقة الأخوة الإنسانية على مستوى العالم، القرار الذي اتخذه أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، بتعميم وثيقة الأخوة الإنسانية على 194 دولة والتي تمثل الدول الأعضاء بالمنظمة، للاستفادة منها وتعميم ونشر مبادئها، وكذلك التعاون بين اللجنة العليا للأخوة الإنسانية ومنظمة الأمم المتحدة من أجل تحقيق أهداف الوثيقة، كما أعلنت الولايات المتحدة الأميركية تأييدها ودعمها للوثيقة وأهميتها في جلب الخير والسلام للعالم والحوار بين الأديان. وتعهدت رئيسة وزراء نيوزيلندا بالعمل على نشر مبادئ وثيقة الأخوة الإنسانية، لما لها من أهمية كبرى في نشر التسامح والمحبة والسلام بين أتباع الأديان.
أرضية مهمة
وبدوره، أكد القس بولس حليم المتحدث الرسمي للكنيسة القبطية في مصر، لـ«الاتحاد» أن وثيقة الأخوة الإنسانية خلقت أرضية مهمة جداً خلال عام من توقيعها في أبوظبي، وفتحت قنوات تواصل عديدة بين المؤسسات الدينية على اختلاف عقائدها، ومهدت الطريق لتبادل الحوار والرؤى والانفتاح الكبير بين الجانبين الإسلامي والمسيحي في العالم، ومدت جسور الثقة في التواصل بين الجانبين ودعمت الحوار المشترك والمستمر بينهما، وخصوصاً بين قطبين كبيرين في العالم المسيحي والمسلم.
وأكد «حليم» أن لقاء القطبين والرمزين الدينيين بعث برسائل لشعوب العالم من خلال هذه الوثيقة وبرؤية عالمية مفادها المحبة والسلام والأخوة والعيش المشترك، ومزيد من التعاون والتعايش بين شعوب العالم، مؤكداً أن نتائج هذه الوثيقة الهامة أصبحت ملموسة على أرض الواقع من خلال الاهتمام العالمي بها وتدريس بنودها وقيمها في المناهج التعليمية، كتطبيق عملي على أرض الواقع لأهداف الوثيقة، مشيراً إلى أن هناك قيماً إنسانية مشتركة بين المسيحية والإسلام حثت عليها الوثيقة وتسعى لتطبيقها وخاصة في قبول الآخر والانفتاح عليه، والتعايش المشترك ووحدانية الفكر.
التسامح والإخاء بعيداً عن الحروب
أشاد الدكتور شعبان محمد إسماعيل أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر، بما حققته «وثيقة الأخوة الإنسانية» من إنجازات خلال عام. مؤكداً لـ«الاتحاد» أن الوثيقة أصبحت الأهم في العلاقة بين الإسلام والمسيحية، بعد أن رسمت للعالم خريطة طريق نحو عالم مليء بالتسامح والمحبة والإخاء، بعيداً عن الحروب والنزعات والكراهية البغيضة وأعمال العنف والإرهاب المروعة. مشيراً إلى أن الأزهر خصص الحصة الأولى في معاهده لتعريف الطلاب بمضمون الوثيقة.
وأكد «إسماعيل» أن «وثيقة الأخوة الإنسانية» وجهت هذا العام رسائل قوية للعالم كله، للتأكيد على أهمية التعايش المشترك وقبول الآخر وتحقيق الأخوة الإنسانية بين جميع أصحاب الأديان، وتعزيز التكافل والتضامن بين البشر لمواجهة العنف والتطرف، مثمناً الدور الكبير لدولة الإمارات في احتضان هذه الوثيقة المهمة، التي انطلقت من دولة ترعى العديد من الجنسيات وتمثل بوتقة تنصهر فيها كل الديانات والجنسيات والثقافات، مما جعلها دولة التسامح.
وأكد أن «وثيقة الأخوة الإنسانية» أصبحت رسالة سلام لشعوب العالم وحماية لهم من الحروب والإرهاب، وتساعد على الحد من ظاهرة التعصب والتطرف بكل أشكاله، وتبني خطاب ديني معتدل ينبذ كل أشكال التطرف والتشدد والعنصرية في الممارسات الدينية والثقافية والاجتماعية بين جميع البشر على اختلاف أجناسهم ومعتقداتهم، امتثالاً لقول الله عز وجل في كتابه العزيز: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ».