أشرف جمعة (أبوظبي)
تَنْقُلنا ألوان الهاتف المحمول والأجهزة اللوحية - التي أصبحت بين أيدينا وسيلة وغاية - إلى أيقونات مفتوحة على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي ضجيج عالمها ينشر مشاهير التواصل الاجتماعي حكاياتهم اليومية مع من يرغبون في بثه للمتابعين، وهؤلاء المشاهير هم نجوم نراهم على مواقع إعلامية مختلفة وقد أصبح مشهد أحدهم وهو يدلف من باب متجر إلى باب متجر آخر ليعلن بشكل مقنع أو صريح عن علامة تجارية أو عن مطعم يعرض أصناف المأكولات الشهية أمراً مألوفاً، وتتعدد المشاهد «والفانز» يغمرون المشاهير بالضغط على زر الإعجاب ومن ثم التوجه لشراء المنتج وتناول الوجبات في تلك المطاعم، فقد تحولت الـ «سوشيال ميديا» في ليلة وضحاها لإعلانات تجارية «ملابس، أحذية، عيادات وغير ذلك» يقود حركتها بعض نجوم التواصل، وفي الوقت ذاته يوجه البعض الآخر أدوات التواصل لخدمة المجتمع، فهل البعض استغل شهرته للكسب للمادي أم أنها الحرية الشخصية هي التي تدعو إلى ذلك؟
تقليد المشاهير
لأنها من المهووسين بنجوم الـ «سوشيال ميديا» من الفنانين والمذيعين، فهي تقتفي أثرهم على حسابات التواصل الاجتماعي وتطلب من والدتها أن تمدها بالمال لكي تشتري ما تحب وترغب به من المحال نفسها وأنها تتناول الأطعمة التي يروجون لها، ولأنها ميسورة مادياً فقد حققت الكثير من أحلامها في ضوء إعلانات مشاهير التوصيل، ولم تكن هنا عليلي هي الوحيدة التي تتأثر بمثل هذه الإعلانات التجارية كما تروي أمها عبير خالد التي توضح أنها لاحظت أن معظم زميلات ابنتها في الجامعة مندفعات نحو تقليد هؤلاء المشاهير دون وعي أو اكتراث للأسلوب التجاري المحض، وترى أن بعض رواد التواصل الاجتماعي ذهبوا نحو شهرة زائفة واستغلوا تأثر المراهقين والشباب بهم في الكسب المادي، دون النظر للاعتبارات المجتمعية والإنسانية والأخلاقية التي تترتب على إيجاد مناخ من الهوس بتقليدهم.
فوائد ومضار
ويبين عبدالرحمن يوسف أن موقعه كأب ورمانة الميزان في أسرته، فإنه وجه عائلته الصغيرة للبعد عما ينشره مشاهير التواصل الاجتماعي من إعلانات تروج لمنتجات مفيدة وغير مفيدة، كونها تجر فئات معينة من المجتمع إلى التقليد والانجرار نحو شراء عطور، كريمات، وزيوت، ومنتجات غير معروف فوائدها من مضارها، موضحاً أنه من النشطاء على الـ «سوشيال ميديا» أيضاً لكنه لا ينشر إلا كل ما يفيد الناس، ويقدم لهم معلومة في سياقها الاجتماعي والإنساني، كما أنه يسلط الضوء على بعض منجزات المواهب في المجتمع، فضلاً عن أنه ليس مع الشهرة الزائفة لبعض رواد التواصل.
عادات وتقاليد
وتقول الدكتورة أمل ملحم محاضرة في كلية التكنولوجيا قسم الإعلام: تتغير أساليب العالم الرقمي كل يوم وتتنوع أيضاً، واللافت أن الـ «شوشيال ميديا» بكل سطوتها وآلاتها الإعلامية الجبارة أضحت في كل بيت، وأن مشاهيرها هم النجوم الذين يسبح في بحارهم الأبناء وفئات المجتمع، وهو ما يعني أنه من الضروري أن يتخير القدوات الإعلامية منشوراتهم لأنها بالفعل تؤثر في جيل كامل حتى لا تكون شهرتهم زائفة، خاصة أن الشرائح المستهدفة هي من المراهقين والشباب، لافتة إلى أن عالم التواصل الاجتماعي مفتوح على كل الاتجاهات، وأن عدداً من المشاهير ركزوا على الإعلانات التجارية بشكل واضح دون التوازن في عرض المحتوى، وأن هناك أشياء أيضاً تستحق تسليط الضوء عليها باعتبار هؤلاء المشاهير قدوة ومثلاً، ولديهم أعداد كبيرة من المتابعين، وتشير ملحم إلى أنه ليس من الممكن أن يتم إلغاء الحريات الشخصية كون الحرية أيضاً في معناها تتضمن مفهوم المسؤولية وهو ما يفرض تحديات جديدة في العالم الرقمي، تتطلب أن يكون هناك توعية بالمخاطر التي تحدق بالأطفال والمراهقين والشباب، مع الالتزام بعادات وتقاليد المجتمع.
وفاء للوطن
ولفت أحمد الرميثي من نشطاء التواصل الاجتماعي إلى أنه يرفض الأسلوب الدعائي المحض الذي ينتهجه مشاهير الـ«سوشيال ميديا»، حيث أصبحوا ذراعاً للتجار وأصحاب الشركات وهو ما يبعدهم عن رسالتهم الحقيقية ومسؤولياتهم المجتمعية، ويجعل بعضهم أصحاب شهرة زائفة كونهم أصحاب حسابات لها رواج ويتابعهم جمهور كبير من مختلف الفئات، ويذكر أنه عن نفسه لا يسير في هذا المنعطف، وأنه فضل أن يخدم وطنه من خلال تكثيف عرض نماذج التراث والأماكن السياحية على حساباته ترويجاً لبلده ووفاء لوطنه.
نشر البسمة
ويؤمن الفنان حمد الكبيسي من مشاهير التواصل الاجتماعي أن الحرية مكفولة للجميع على بساط العالم الرقمي، وأن مشاهيره أصحاب تنوع، لكنه يتفق مع ما يجب أن يتوافق مع الذوق العام، وأنه من الضروري أن يكون لدى أصحاب الحسابات الشهيرة نوعاً من التوازن رغم إيمانه بحرية كل فرد في أن يكرس حساباته لما يشاء لكن في حدود الذوق العام، بحيث لا يتوافر القسط الأكبر لجمع الأموال، ومن ثم التحول من شخص قدوة إلى شريك للتجار، ولفت إلى أنه وظف حساباته لنشر البسمة على الوجوه من خلال محاولة مسح حالة الحزن والكآبة عبر الفيديوهات الضاحكة التي يبثها، ومن ثم يتفاعل بتلقائية مع الأحداث الوطنية.
حرية التواصل
ويرى الدكتور أحمد عبدالعزيز النجار، أستاذ علم النفس بجامعة الإمارات، أن وسائل التواصل الاجتماعي تلمس جوانب الحياة بكل أشكالها، وأنه من الطبيعي أن يكون فيها الشخصي كونها عالماً مفتوحاً، وأن كل فرد يتعامل معها من منظوره الخاص طالما أنه لا يمس القيم والأخلاق، كما أن الجمهور نفسه له ذوقه واختياراته، ويذكر أنه على مشاهير الـ «سوشيال ميديا» أن يدركوا مسؤوليتهم تجاه المجتمع حتى تتوافق الحرية الشخصية مع الذوق العام ومنظومة القيم والتقاليد في الدولة، وأنه لا يرى أن هناك ضيراً من أن يتعامل كل فرد، سواء كان مشهوراً أم إنساناً عادياً، مع القضايا التي يحبها ويبلورها على حساباته في هذا العالم المفتوح.
حماية المستهلك
أوضح الدكتور هاشم النعيمي، مدير إدارة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، أن هناك تحذيراً لمستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي والتجار أيضاً من الترويج للسع والمنتجات من دون أخذ موافقة الجهات المختصة، وأنه إذا تم نشر إعلانات من دون الحصول على موافقة فإن ذلك يعد مخالفة، وأن من يصنف نوع المخالفة هي الجهات المختصة بالدولة، خصوصاً أنه يجب التأكد من المنتج ومدى صلاحياته للجمهور، كون وسائل التواصل الاجتماعي تتميز بسرعة الوصول إلى أكبر الشرائح.
واجب أخلاقي
يقول الداعية وسيم يوسف، إمام وخطيب جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي: إن كل فرد من حقه استخدام وسائل التواصل الاجتماعي طالما أنه لا يخالف عرفاً ولا ديناً، وأنه من ميزة القوانين أنها تعد ضوابط تمنع الضرر وتلجم الذين يستغلون هذه الوسائل فيما لا يفيد، ولفت إلى أنه من الغريب أن أصحاب المصالح التجارية استغلوا المشاهير، وأغروهم بالمال من أجل الترويج لمنتجاتهم.
ويرى أن هذا الأسلوب يؤثر في الشباب، لذا فمن الضروري أن ننظر إلى أن التواصل الاجتماعي موجود في كل بيت وأن المسؤولية تحتم أن يقوم الجميع بواجبه المجتمعي والإنساني والديني.
مصدر للدخل
تبين الإعلامية مهيرة عبدالعزيز مقدمة برامج بقناة العربية أن الـ «سوشيال ميديا» أضحت مصدراً للدخل لا يجب إنكاره، وأنها تؤمن بأن هذا الجانب فيها يجب أن يكون بعيداً عن الاستغلال والمبالغة، موضحة أنها قبل أن تضع إعلاناً على حساباتها تجرب المنتج لتحري الدقة، وهذا دليل على حرصها على أن تكون خياراتها سليمة، وأن لديها رخصة من الجهات المختصة في الدولة تتيح لها الترويج لبعض المنتجات، مشيرة إلى أنها كأم لا تروج لمطعم إلا إذا تأكدت من جودة مأكولاته، كما أنها تتعجب ممن ينكرون على مشاهير التواصل اهتمامهم بالإعلانات في حين لا ينكرون على لاعبي الكرة الذين حصدوا الملايين من دون أن يعملوا في مجال الإعلانات، وأنها تقدر مسؤوليتها كأحد رواد التواصل الاجتماعي ولديها نحو 3 ملايين متابع منذ نشاطها على جميع منصات الـ «سوشيال ميديا» وحساباتها على مواقع التواصل بشكل عام، بحسب ما ذكرت فضلاً عن أنها توجه حساباتها أيضاً للتفاعل مع الأحداث الوطنية كون أكثر متابعيها من عمر 18 إلى 25 عاماً، مؤكدة لمنتقدي مشاهير التواصل الذين اتجهوا للإعلانات أنها ترفض الكثير من العروض التجارية نظراً لأنها تشك في منفعتها وجدواها للناس.