أسماء الحسيني (القاهرة - الخرطوم)
أعلنت محكمة سودانية في الخرطوم، أمس، حكماً بالتحفظ على الرئيس السوداني المعزول عمر البشير في الإصلاح الاجتماعي، ومصادرة أمواله في قضية الفساد المالي التي يواجهها. وجاء الحكم عقب إصدار حكم بالسجن 10 سنوات ضد البشير، غير أن المحكمة أسقطت حكم السجن عن البشير لبلوغه سن السبعين، وأعلنت حكماً بإخضاعه للإقامة في دور الرعاية الاجتماعية لمدة عامين.
وفي حين شككت هيئة الدفاع عن البشير في الظروف السياسية المحيطة بالمحاكمة، قام القاضي بإعلان الحكم وسط احتجاجات من أنصار البشير الذين تعالت هتافاتهم المناهضة للحكم.
وجاء الحكم في وقت شهدت فيه الخرطوم انتشاراً عسكرياً مكثفاً في الطرق المؤدية لمباني القيادة العامة للجيش السوداني، لمواجهة مظاهرات محدودة لأنصار النظام المعزول، تجمعت أمام القصر الرئاسي.
وقد توالت ردود فعل واسعة على الحكم، وقالت مصادر سودانية مطلعة لـ«الاتحاد»، إن اللجان القانونية بالخرطوم تعمل على تحريك ملف الجرائم المتهم بها البشير دولياً، والمتعلقة بجرائم الإبادة وجرائم الحرب وضد الإنسانية في دارفور.
وفي أول رد فعل، وصف تجمع المهنيين التهم التي حوكم بها البشير بأنها «لا تعدو أن تكون غيضاً من فيض فساده، وبداية لا أكثر لجرد الحساب». وقال التجمع الذي قاد الاحتجاجات التي أدت لإسقاط البشير في 11 أبريل الماضي، إن «هذا الحكم يمثل إدانة سياسية وأخلاقية للمخلوع ونظامه، وتكشف حيثيات المحكمة عن جانب من سوء إدارة الدولة والمال العام، لكنه قطعاً ليس نهاية المطاف».
وجاء في بيان التجمع أن «صحائف اتهام البشير على جرائمه الأكبر تعمل عليها عدد من اللجان والنيابة العامة في مراحل مختلفة، وهي تشمل انقلابه على الديمقراطية، وتقويض الشرعية في عام 1989، وكل جرائم نظامه منذ ذلك الحين».
ومن جانبه، قال ياسر عرمان نائب رئيس الحركة الشعبية لـ«الاتحاد»: هذه فقط البداية، وإن البشير سيذهب حتماً إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وإن القضايا التي يحاكم بها الآن هي أقل الجرائم، أما الجرائم الكبرى التي ارتكبها فهي متمثلة في جرائم الإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي امتدت شمالاً وجنوباً؛ ويجب أن يكون عبرة للجميع في السودان وأفريقيا والعالم كله، ويجب ألا يفلت من العقاب عما ارتكبه من جرائم؛ لأننا نريد أن نطوي صفحة حكم البشير المريرة، وأن نبني سوداناً جديداً قائماً على المحاسبة والشفافية، والانتقال الحقيقي إلى دولة المواطنة بلا تمييز.
وأضاف عرمان: نحن لا نريد التشفي ولا ننطلق من أحقاد، بل رغبة في بناء المجتمع الجديد الذي ننشده، حتى لا تتكرر هذه الجرائم في المستقبل؛ ولذا نرحب بالحكم الصادر ضده، ولا نعتبره كافياً. وقال الناشط السوداني الفاضل عباس لـ«الاتحاد»، إن الحكم يدل على عدالة وتحضر النظام الثوري الجديد، وجاء الحكم على قدر التهم الموجهة.
ومن جانبه، قال محمد زكريا فرج الله القيادي بالجبهة الثورية لـ«الاتحاد»، إن الحكم ضد البشير خطوة في الاتجاه الصحيح، وإيذان بمحاربة رموز الفساد الذين أفسدوا الحياة السياسية والاقتصادية، وتاجروا باسم الدين على مدى 30 عاماً، ونهبوا ثروات البلاد، ومارسوا القتل ضد السودانيين، الذين طالبوا بالعدالة والمساواة وبالحياة الكريمة. وأضاف فرج الله: إن الحكم يتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لانطلاقة الثورة السودانية، وفي ذلك دلالة على نجاح الثورة ومضيها قدماً في تحقيق أهدافها، وهو كذلك بشارة فرح لأهلنا في معسكرات النزوح ضحايا الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
ويرى صلاح جلال القيادي بحزب الأمة في تصريحات لـ«الاتحاد»، أن الحكم بإدانة البشير في قضايا الثراء الحرام مهم وتاريخي، حيث يعتبر أول حكم على رئيس دولة في السودان بخيانة الأمانة والتصرف في المال العام؛ ولذا يعد هذا الحكم إدانة للحقبة الإنقاذية، ويلغي ادعاءات نظام البشير الإسلامية، وبأنه مشروع أخلاقي قائم على العفة والطهارة في التعامل مع المال العام.
وقال معتز الفحل القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي لـ«الاتحاد»، إن الحكم خطوة جيدة من أجل تثبيت العدالة وسيادة القانون، مشيراً إلى البشير ونظامه متهمون بالانقلاب على النظام الديمقراطي وقتل المتظاهرين، وقتل المواطنين والتصفية العرقية في دارفور وجبال النوبة وغيرها.
وقال الخبير السوداني الدكتور حامد التيجاني أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة لـ«الاتحاد»: «إن البشير تنتظره جرائم وقضايا كبرى، وهذه القضية تبدو خفيفة جداً، بالنظر لجرائم الإبادة التي ارتكبها، ولابد أن تواصل العدالة عملها، وأن يأخذ القانون مجراه». وقال الناشط السوداني عبد الكريم الأمين: إن العنوان الأكبر لمحاكمة البشير هو إدانة رأس النظام المعزول، مع الانضباط والالتزام الصارم بروح ونصوص القانون. وفي هذه الأثناء كشفت مصادر سودانية عن أن أنصار البشير رصدوا ميزانية قدرها 31 مليار جنيه سوداني للإنفاق على ما أسموه موكب الزحف الأخضر، للإعراب عن تضامنهم مع رئيسهم المعزول، لجلب المتظاهرين من بعض الولايات والإنفاق على مشاركتهم في المظاهرات.