د. شريف عرفة
ينادي كثير من الناس بزيادة تأنيب الضمير وجلد الذات، ويبالغون في تحقير النفس وذمها، كوسيلة لتحفيز أنفسهم.. فهل هذا أمر صحي؟ مبدئياً.. يبدو تأنيب الضمير أمراً جيداً في حد ذاته لأنه -على الأقل- يعني وجود ضمير أصلاً! لكن هل من المفروض أن يكون حالة دائمة؟ أن نكره ونقسو على أنفسنا طوال الوقت، وتكون نظرتنا الذاتية مفعمة بالبغض وانعدام الجدارة؟ الإجابة هي قطعاً لا.
يؤكد باحثون أهمية النظر لأنفسنا بإيجابية.. مثل التحلي بالتعاطف الذاتي، أو الشفقة الذاتية self compassion.. وهو مصطلح علمي حديث نسبياً، يعني أن يكون الإنسان رفيقاً مع نفسه.. أن يحبها ويتعاطف معها.. ألا يكون قاسياً في الحكم على نفسه أكثر من اللازم.. أن يحاول الإنسان إصلاح عيوبه، لكن برفق ولين.. فيقبل ما لا يمكن تغييره، ويتعاطف مع نقائصه وعثراته..
لكن.. ما أهمية هذا الأمر؟
مواجهة الصعاب التعاطف الذاتي يحسن من الأداء في الحياة، وتحمل مصاعبها.. فقد قام باحثون من جامعة تكساس بدراسة على طلبة الجامعة الذين تعثروا في أحد الامتحانات وكانت درجاتهم سيئة، وسألوهم عن رد فعلهم تجاه ما حدث. فكانت نتيجة الدراسة التي نشرت في دورية سِلف أند آيدنتتي، أن الطلبة الذين كانوا قساة في الحكم على أنفسهم، مارسوا جلد الذات، واعتبروا الأمر فشلاً حقيقياً مؤلماً.. على عكس الذين كان تعاطفهم الذاتي عالياً.. حيث اعتبروا أن الامتحان مجرد عثرة مؤقتة عليهم التعلم منها ليصبحوا أفضل في المستقبل!
هذه نقطة مهمة.. نحن لا نتحدث هنا عن اللامبالاة، بل عن الرفق بالنفس لخلق المثابرة ورفع التقدير الذاتي. لو اعتبر الإنسان أنه سيئ لا رجاء فيه، قد يكره نفسه ويفقد الأمل، ولن يعاود المحاولة!
قوة التحمل
يزيد التعاطف الذاتي أيضاً من قوة تحملنا لظروف الحياة الشاقة.. في دراسة حديثة، نشرت في جورنال أوف كلينيكال سايكولوجي، أجريت على المرضى الذين يعانون ألماً مزمناً.. وجد العلماء أن الذين يتمتعون منهم بتعاطف ذاتي مرتفع، كانت قوة تحملهم لهذا الألم أكبر، وكانوا أقل عرضة للاكتئاب.. لماذا؟ لأنهم كانوا يقنعون أنفسهم دائماً بأن ما يواجهونه جزء من طبيعة الحياة ولا يد لهم فيه.. وكأنهم يربّتون على أنفسهم ويحفزونها لمواصلة الحياة والسعي للشفاء..التعاطف الذاتي مهم لأنه يجعلنا أكثر رفقاً بأنفسنا، فنخفف آلامها بدلاً من أن نكون نحن سبباً فيها!
رفيق الرحلة
حب الذات صفة إيجابية في العموم، ما لم يزد عن حده ليصبح أنانية أو نرجسية أو لامبالاة.. التعاطف مع النفس يعني ببساطة التهوين على أنفسنا وتقبلها لتشجعها على مواصلة المسير. ظروف الحياة قاسية بما فيه الكفاية.. فهل نهون على أنفسنا، أم نقسو عليها أكثر؟ هل نشجع أنفسنا أم نكسرها؟
تخيل نفسك في رحلة طويلة، تسافر فيها برفقة شخص يكرهك ويؤنبك ويلومك على كل شيء تفعله.. هل ستكون مستمتعاً بالرحلة؟ هل ستطيق صحبة هذا الشخص؟
أنت رفيق دربك في رحلة الحياة. فاجعلها صحبة صالحة، تعينك على مشقة الطريق.
أنت صديقك
تخيل أن أعز أصدقائك واجه صدمة حياتية قاسية، وأتاك منكسراً يبث حزنه وألمه. كيف ستتصرف معه؟ هل ستقول له: تستحق هذا لأنك أحمق عديم الكفاءة؟ لا بالطبع، ستربّت على كتفه وتعدد مزاياه وترفع معنوياته، وتخبره بأن الإخفاق يحدث للجميع لكن المهم أن ننهض ونواصل السعي.. فلماذا لا تتحدث بنفس الطريقة مع نفسك؟ حين تواجه موقفاً صعباً، تخيل أن أعز إنسان لديك يواجهه.. وخاطب نفسك بهذه الطريقة.
كيف تحاسب نفسك؟
لا تحاسب نفسك على أي إخفاق يحدث، لو كنت قد فعلت كل ما ينبغي عليك فعله.
قد تحدث العثرات بسبب ظروف خارجية لا يد لنا فيها، وليس من المفيد على الإطلاق أن تلوم نفسك على أمر خارج نطاق سيطرتك أو لا يمكن تغييره. لا يمكننا تغيير الماضي مثلاً. اللوم وتأنيب الضمير أدوات لتحفيز سلوك معين، وإن غاب هذا السلوك، فليس من المنطقي إيلام النفس دون أي معنى أو هدف.
لست خارقاً!
كلنا بشر محدودو القدرات، ولا يمكننا أن نكون أبطالاً خارقين كالذين نراهم في قصص الأطفال، لذلك لا تكن شديد القسوة في حكمك على نفسك بوضع أهداف مستحيلة غير قابلة للتحقق.. كأن تلوم نفسك لأنك لست شخصاً آخر. نحن بشر، فينا صفات جيدة علينا إدراكها لرفع تقديرنا لأنفسنا، وفينا أيضاً أوجه قصور علينا تقبلها والتعايش معها.. مع السعي المستمر للتعلم وتطوير أنفسنا اعترافاً باحتياجنا لذلك.. وبهذا يحدث التوازن النفسي وتقبل الذات.