دينا محمود (لندن)
تصاعدت مطالبات الأوساط الشعبية والرسمية في بنجلاديش لإنقاذ عمال هذا البلد من الويلات الناجمة عن العمل في قطر، وذلك بعد يومين من كشف النقاب عن محنةٍ جديدةٍ يكابدها مئات من مواطني هذه الدولة الآسيوية الفقيرة في «إمارة السخرة» منذ نحو ستة أشهر، ما يعرض بعضهم لخطر الموت.
وشددت مصادر إعلاميةٌ وعماليةٌ في العاصمة داكا على ضرورة التحرك لإنهاء المعاناة التي تقاسيها العمالة الوافدة من بنجلاديش في الأراضي القطرية، والتي تطال الجانب الأكبر من هذه الفئة، التي يُقدر عددها بما يربو على 400 ألف شخص، يتم تشغيلهم في الغالب في أعمالٍ يدويةٍ مرتبطةٍ بقطاع الإنشاءات في كثيرٍ من الأحيان.
وفي تقريرٍ شديد اللهجة نشرته صحيفة «ذا نيو نيشن»، أكدت الصحيفة أنه على الحكومة في بنجلاديش القيام بـ «ترتيباتٍ عاجلةٍ لإنقاذ العمال المهاجرين في قطر»، الذين تفيد المنظمات الحقوقية الدولية بأنهم يشكلون - مع نظرائهم النيباليين - غالبية ضحايا ممارسات العمل القسري، والعمل بالسخرة السائدة في الدويلة المعزولة، وهي الممارسات التي أودت بحياة 1200 عامل على الأقل على مدار السنوات القليلة الماضية، وشنت الصحيفة في تقريرها هجوماً عنيفاً على النظام الحاكم في الدوحة لتجاهله الانتهاكات الصارخة التي تتعرض لها العمالة المُهاجرة، رغم أن عددها يزيد على مليوني شخص، بما يشكل أكثر من 90% من تعداد السكان في قطر.
وأكد التقرير أن الحكومة القطرية لم تحرك ساكناً أو تمد يد العون للعمال الثلاثمئة العالقين في مخيمٍ محرومٍ من الخدمات الأساسية على بعد لا يزيد على 25 كيلومتراً من العاصمة الدوحة منذ شهور عدة، ودون رواتب.
وألمح إلى أن هذا الموقف غير المبالي الذي يتخذه «نظام الحمدين» لم يتغير على الرغم من أن حرمان هؤلاء العمال من المياه النقية والكهرباء والمواد الغذائية، أدى إلى حدوث حالتيْ وفاةٍ على الأقل بينهما، أحدهما لعاملٍ بنجلاديشي والآخر لقرينٍ له نيبالي. ويمثل هؤلاء العمال المنكوبون جزءاً من 900 عامل قَدِموا من دولٍ عدة في منطقة جنوب آسيا للعمل في قطر لحساب شركة «هامبتونز إنترناشيونال» العاملة في مجال العقارات، والتي كانت تنفذ مشروعاً قرب منطقة الشحانية، قبل أن تتخذ قراراً بوقف العمل فيه في سبتمبر الماضي.
ولكن منظماتٍ حقوقيةً معنيةً بأوضاع العمالة الوافدة في الخليج، أكدت أن مأساة أولئك العمال بدأت في الأساس منذ أواخر مايو الماضي، عندما توقفت الشركة - التي تمتلك 85 فرعاً في شتى أنحاء العالم - عن صرف رواتبهم.
وطالبت «ذا نيو نيشن» بالتحرك على الصعيد القانوني لإلزام الجهات المعنية في الدوحة، بتعويض أولئك العمال عما تكبدوه من خسائر على الصعيدين المادي والإنساني على مدار الشهور الماضية، مُشيرةً بلهجةٍ مُفعمةٍ بالمرارة إلى التضحيات التي يتكبدها مواطنو بنجلاديش للعمل في دولةٍ مثل قطر سعياً وراء سراب كسب أموالٍ تُمَكِنُهُم من توفير معيشة كريمة لأسرهم داخل الوطن، وهو ما لا يحدث في الغالبية الساحقة من الحالات.
وقالت الصحيفة في هذا الشأن، إن غالبية المواطنين الفقراء لهذا البلد الواقع في جنوب شرق آسيا «يبيعون عادةً ممتلكاتهم من أجل الهجرة» إلى بلدٍ كقطر. ولكن هؤلاء العمال لا يضعون في اعتبارهم ما سيجره عليهم هذا القرار من ويلاتٍ تصل إلى الوفاة في بعض الأحيان، أو الإصابة بأمراضٍ فتاكة كتلك التي تفشت بين المقيمين في «مخيم الموت» القريب من الشحانية، بسبب انعدام خدمات التنظيف، وعدم تمكن قاطنيه من الاستحمام، وهو ما أدى إلى أن يصبح المكان مرتعاً للحشرات.
ودعت الصحيفة البنجالية سفارة البلاد في قطر إلى اتخاذ كل «الترتيبات الضرورية (لمد يد العون) لهؤلاء العمال في أسرع وقتٍ ممكن».
وفي سياق تناولها لمأساة أولئك العمال، أشارت وسائل الإعلام في بنجلاديش إلى ما قالته المنظمات الحقوقية المهتمة بوضع العمال المهاجرين في قطر، من أن سكان «مخيم الموت» قدموا على مدار الشهور الماضية شكاوى إلى الشرطة القطرية ووزارة العمل ولجنة حقوق الإنسان ومكتب منظمة العمل الدولية في الدويلة المعزولة، إلى جانب الهلال الأحمر القطري ومؤسسة قطر الخيرية، دون أن يسفر ذلك عن حدوث أي تغيرٍ في أوضاعهم المزرية.
وتزامن ذلك مع تعهداتٍ جوفاء قطعتها السلطات القطرية على نفسها لحل مشكلة الرواتب المتوقفة منذ أواخر مايو الماضي. ولم يتجسد ذلك على أرض الواقع بدوره.
وشملت هذه التعهدات زعم وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية القطرية أن «هامبتونز إنترناشيونال» ستُعاقب إذا لم تقدم تعويضاتٍ للعمال الذين سرّحتهم، وما لم تفِ بمستحقاتهم المالية لديها.