محمد عبدالسميع (الشارقة)
نظم اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في قاعة أحمد راشد ثاني في القصباء بالشارقة، أمس الأول، أمسية أدبية بعنوان (مريم جمعة فرج.. سدرة السرد الإماراتي) شارك فيها الدكتور حمد بن صراي أستاذ التاريخ بجامعة الإمارات، والأديب عبدالفتاح صبري، وأدارها القاص محسن سليمان، قائلاً: تعد الأديبة الراحلة من الرواد الذين أبدعوا في القصة القصيرة ومن الذين ساهموا في أنشطة نوعية في اتحاد الكتاب والمؤسسات الثقافية في الدولة، عدا عن إنجازها في العمل الصحفي والنشاطات الكثيرة الأخرى.
واستعرض صبري ثلاث مراحل مهمة رسمت خطوط المنهج النسوي القصصي في معالجة هموم الحياة والمجتمع، وهي محطات افتراضية أولاها: مثلتها شيخة الناخي، والثانية: مثلتها ظبية خميس، والثالثة والتي مثلتها مريم جمعة فرج مع سلمى مطر سيف، وهي تعتبر بحق مرحلة الريادة الفنية الخالصة.
وتطرق صبري إلى السيرة الفنية لمريم جمعة مشيراً إلى أنها من الأسماء المهمة في القصة الإماراتية ليس بوصفها مؤسسة فحسب، ولكن لريادتها الفنية والتي مكنتها من الإمساك بأطر القصة وعناصرها. واستعرض صبري الثيمات الفنية في مجموعتيها القصصية «فيروز» و«الماء»، والتي اهتمت فيهما بالكشف عما يجب أن يكون في الإنسان خاصة إنسان ما قبل التحولات والتغيرات الحادة التي عصفت بإنسانيته، وقسوة الحياة التي تخلق قيمها وعاداتها وتؤثر في بناء الشخصية الإنسانية، وتمكنت مريم جمعة باقتدار من تقديم نماذج شكلها زمان قاس على مستوى الجسد والذات والسلوك.
وتحدث بن صراي عن علاقته بالراحلة من خلال مقابلة أجراها معها والتي أكدت فيها على أنها كانت محظوظة لأنها ولدت (عام 1956م) في مرحلة شهدت إشراقة النفط والاهتمام بالقومية العربية وزعامة جمال عبدالناصر. وأثنت الراحلة على الفترة التي قضتها بالكويت مع والديها، وموقف ودور أمير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح، في احتواء أبناء الخليج. وفي هذه المقابلة أوضحت الراحلة أن الاتحاد تشكل في الكويت، وأن أهل الإمارات العاملين بالكويت في تلك الفترة شكلوا نواة اتحاد الإمارات قبل أن يتم على أرض الواقع فعلاً عام 1971م. كما شهدت تلك الفترة بوادر كتاباتها الأدبية. وأشار بن صراي إلى أن الراحلة تحدثت في المقابلة عن إشكالية المثقفين في الإمارات، مشيرة إلى أنهم يعيشون في جزر منفصلة. وتحدثت عن المرأة الإماراتية ووصفتها بالقوية، وأشارت إلى أن التراث الإماراتي غني وثري ويمتلك مساحات لم يرتادها الناس، وأن الخطر على لغتنا العربية يأتي من تقاعسنا.
وفي مداخلته أشار الكاتب والقاص علي العبدان إلى أن تجربة الراحلة مريم جمعة فرج في كتابة القصص القصيرة تؤكد رغبتها ـ كما هي رغبة جيلها ـ في تأسيس سياقٍ يتسمُ بالمعاصرة للأدب القصصي في الإمارات، ولا ينفي ذلك اعتماد قصصها على شخصياتٍ وأماكنَ وعباراتٍ محليّة؛ فهذا أمرٌ محتملٌ وواردٌ في الأدب المعاصر، وإنما تتجلّى المعاصرة في شيءٍ من الشعريّة التي تميّزت بها لغة القص، وهو شيءٌ منتشرٌ بين كُتّاب القصة في الإمارات، لكن الجيد أن هذا الأسلوب لم يطغ على نصوص الراحلة مريم جمعة فرج، ومن المعاصرة أيضاً تطعيم السياق القصصي بالصور المدهشة التي ليست بالضرورة من باب الواقعية السحرية، ومن ذلك أيضاً اهتمام الكاتبة الراحلة بجمالية التكرار حيث يتكرر بعض العبارات في القصة الواحدة كما هو معتاد؛ أو في قصةٍ أخرى ما يُبقي القارئَ في ذاكرةٍ رمزيةٍ للمعاني العامة كما في قصّتي (ضوء) و(ثقوب) من مجموعتها القصصية (فيروزـ 1988) حيث يتكرر السؤال: «متى الشؤون؟» الدال على الاستفهام عن موعد استحقاق المساعدات الاجتماعية، ويمكن للقارئ أن يلاحظ تأثر الكاتبة ببعض أساليب القص الإنجليزية، من ذلك على سبيل المثال تأخير فعل القول عن المَقول، ولكن هذا ليس مستغرباً إذا علمنا أن التخصص الأكاديمي العالي للراحلة مريم جمعة فرج كان في اللغة الإنجليزية وآدابها، لكنّ ذلك قد يكون أدى من بعض الجوانب إلى سبك بعض الصياغات أو التراكيب اللغوية بشكلٍ غريبٍ عن أسلوب البيان العربي، في رأيي، ولعل السبب في ذلك طغيان الرمزية وطلب التكثيف على أسلوب الكاتبة الراحلة، كما تختلط الأفعال الماضية بالمضارعة كثيراً في سياق سردها الأحداث، وهذا أيضاً أمرٌ يمتاز به عامة الروائيين الإماراتيين؛ بل قد يغلب على أساليبهم الكتابة بصيغة المضارع، وأنا وإن كنت لا أحبذ هذا الأسلوب فإنه ينبغي لي أن أقول بأن استخدام الفعل المضارع لدى مريم جمعة فرج كان حسب اقتضاء السياق فقط، ولهذا كان استعماله في كتاباتها جيداً، ومع رحيل الكاتبة الرائدة مريم جمعة فرج يتجدد التقدير لنصوصها الأدبية، وتظل قامةً أدبيةً أسّست مع زملائها فن القصة في الإمارات، ويظل قلمُها مذكوراً في تاريخ الأدب في الإمارات.