الجمعة 2 مايو 2025 أبوظبي الإمارات 28 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ربيع الدبس متحدثاً عن المعاني والأهداف: الوئام بين الأديان يجب أن يكون ممارسة يومية

ربيع الدبس متحدثاً عن المعاني والأهداف: الوئام بين الأديان يجب أن يكون ممارسة يومية
6 فبراير 2020 00:03

إنه لأمر جلل أن تكرّس الأمم المتحدة أسبوعاً عالمياً للوئام بين الأديان وتحتفي به (مع جهات رسمية ودينية وأهلية طبعاً) في الأيام السبعة الأولى من شهر فبراير من كل عام، ذلك أن الأديان على اختلافها، وبخاصة منها السماوية، تجمع على تظهير وحدة الأصل الإنساني القائمة في جوهرها على ثقافة المحبة والتسامح والدعوة إلى السلام وتصفية القلوب بين بني البشر، الذين يرجعون بكليتهم إلى آدم عليه السلام.
والملفت هنا أن فكرة استحداث أسبوع عالمي للوئام بين الأديان منشؤها عربي، كان تقدّم بها ملك الأردن عبد الله الثاني في شهر أكتوبر عام 2010 وبدأت الجمعية العامة ترجمتها عام 2011، وهدف الملك كان نزع كل ما علق بالأديان السماوية، وخصوصاً الإسلام بينها، من صفات إرهاب وعنف وممارسات تدمير وقتل وسفك دماء وهتك أعراض.
والوئام بين الأديان يُشكل في حقيقته دعوة إلى التضامن والمشاركة في القيم والأهداف والقواعد التي ينبغي أن تحكم أسس الاجتماع البشري بكليته، ولاسيما لجهة الاعتراف الذاتي بالآخر، واحترام معتقداته، وفهم مشاعره، والسعي معه إلى وضع حد نهائي للحروب والمنازعات وبث ثقافة الكراهية والتعصب والتوكيد على المساواة بين البشر والسعي إلى تحقيق التنمية المستدامة للجميع، لأن في ذلك احترام للحياة نفسها والإنسان نفسه، وحفظ لسلامة الكوكب أيضاً، وكل من يعيش عليه، ووقف العبث به، بخاصة لجهة إحداث الاختلال بتوازن الطبيعة ومواردها الأصليّة وكل ما ينتج عن ذلك من كوارث وجائحات متحققة.
باختصار، وكما يقول الباحث اللبناني د. ربيع الدبس في حوار «الاتحاد الثقافي» معه، إن «أسبوع الوئام العالمي بين الأديان»، هو محاولة جادة لتكريس ثقافة تسامح جديدة بين أتباع الديانات العالمية. وعلى هذا الأسبوع، في رأيه، أن يعمم مفهومه ليصبح ممارسة يومية مفتوحة وعلى مدى الأعوام كلها.
لكن من يحمي هذا الوئام ويحول دون العبث بمفاهيمه؟
عن هذا السؤال يجيب د. ربيع الدبس بالقول إنه في الإمكان اعتماد معايير محددة وصارمة تحمي نهج الوئام بين الأديان وتضع حداً للعابثين به. من خلال، مثلاً، أن تعتمد جميع الدول ذات العضوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة معايير تلتزمها تلك الدول وتحاسب على انتهاكها، على الأقل من الناحية الأدبية والمعنوية. كما يمكن أن تُسنّ قوانين محليّة تُستوحى فلسفتها من المبدأ العام لاحترام الأديان ومعاقبة كل من تسوّل له نفسه الاستخفاف بها أو احتقارها، وكذلك ضرورة تعميم المفهوم الإيجابي لحرية الرأي والمعتقد والتعبير، وهي حرية مسؤولة لا مطلقة.
في ما يلي نص الحوار مع د. ربيع الدبس:
* ما الذي يعنيه لك «أسبوع الوئام العالمي بين الأديان» والذي تحتفي به الأمم المتحدة دورياً على مدار الأسبوع الأول من شهر فبراير من كل عام؟
- «أسبوع الوئام العالمي بين الأديان» في رأيي، هو محاولة جادة لتكريس ثقافة جديدة سَمُوح بين أتباع الديانات العالمية. فثقافة الوئام تعني تقبُّل الآخر وتفهُّم الفوارق معه. غير أن الأهم، ربما، يكون في النجاح بتعميم هذا المفهوم الذي تحتفي به الأمم المتحدة على المسكونة كلها، بحيث يصبح ممارسة يومية لا تكتفي البشرية باستذكارها خلال الأسبوع الأول من شهر فبراير فحسب، بل على مدار العام وعلى مدى الأيام كلها.
* يقال إن الوئام بين الأديان هو نتيجة لحوار حضاري حتمي بينها (المسيحية، الإسلام، اليهودية، الهندوسية، البوذية وربما أديان أخرى)، ويجب أن تظل آليات هذا الحوار قائمة وتعمل باستمرار، خصوصاً في عالم يعيش الحروب الساخنة والباردة وتمزقات البناء الأخلاقي للمجتمعات والشعوب على نحو غير مسبوق.. ما تعليقك؟
- يعاني العالم كله حروباً وأزمات متلاحقة تتلَبّس شعاراتٍ فضفاضة وعناوينَ عديدة، دينية وسياسية واقتصادية وحدودية.. صحيح أن الحوار الحضاري بين الأديان لن يلغي الحروب والأزمات، لكنه يحدّ من اندلاعها ومن سخونتها. إن الأديان تؤسس لقيم أخلاقية رفيعة ومتسامية، ولو لم تكن تلك القيم مقصورة على التعاليم الدينية.
من هنا نرى أن حركة الحوار المتمدن مسألة محورية في مسار الابتعاد عن التطرف، ومحاربة العنعنات والجاهليات التي ما زالت مهيمنة على بعض الجماعات التي يصحّ فيها توصيف عالم السياسة الفرنسي أوليفييه روا بأنها جماعات «الجهل المقدّس».

حماية فلسفة الوئام
* هل يمكن خلق معايير محددة وقوانين صارمة تحمي فلسفة الوئام بين الأديان وتضرب العابثين بها؟
- لا شك أن في الإمكان اعتماد معايير محددة وقوانين صارمة تحمي نهج الوئام بين الأديان وتضع حداً للعابثين به. يمكن مثلاً أن تعتمد جميع الدول ذات العضوية في الجمعية العمومية للأمم المتحدة معايير تلتزمها تلك الدول وتحاسَب على انتهاكها، على الأقل من الناحية الأدبية والمعنوية.
كما يمكن أن تُسَنّ قوانين محلية تُستوحَى فلسفتها من المبدأ العام لاحترام الأديان ومعاقبة من تسوّل له نفسه الاستخفاف بها أو احتقارها، وكذلك من ضرورة تعميم المفهوم الإيجابي لحرية الرأي والمعتقد والتعبير، وهي حرية مسؤولة لا مُطْلقة، إضافة إلى تعميق الوعي لدى مواطني الدول كافة في اتجاه الفهم المحِب والمعاملة الوَدود، وفي الحؤول دون تسفيه المذاهب الدينية الأخرى، لأنها متجذرة في وعي المؤمنين وفي لا وعيهم عبر اقتناعات وجدانية عميقة الغور.
* ثمة من يدعو إلى تعليم ديني منتج لعقول منفتحة تقبَل الآخر، وتعيش نسق حياة جديدة، وطرائق عمل مغايرة للسائد اليوم، خصوصاً وأن الدين هو بالضرورة قوة دافعة للوحدة بين بني البشر.. لا العكس. ما تعليقك؟
- ما من ريب في أن السلبية والشر ينطلقان من البنْيَة الذهنية قبل أي شيء آخر. لذلك لا مناص من تعليم ديني جديد ينتج عقولاً منفتحة ويضع حداً لتناسُل العقول الانطوائية المغلقة التي لا تؤدي سوى إلى المآسي.
وهذا يقتضي رسْم خريطة تنشئة جديدة للأجيال ولرجال الدين على حد سواء. فالضمير لدى الإنسان هو الوازع الإلهي الواجب الوجود. ولما كان الدِّين دعوة للانسجام والتضامن والوحدة بين بني البشر.. لا العكس، فَخَليقٌ بالشرائح الحية في المجتمعات الحديثة أن تدعو إلى أنساق جديدة من التعليم الديني البنّاء، الرامي إلى تكوين إنسانٍ جديد يرنو إلى المستقبل المضيء ولا يعنيه من الممارسات الماضوية سوى الأمثولات والعِبَر.

مسلّمات مشتركة
* هل بإمكاننا القول إن الوئام بين الأديان ينطلق من مسلّمات مشتركة، من أهمها المساواة بين البشر والعيش بسلام مع الكون والطبيعة، وتحرير العقول من الخرافة والأساطير، وتدعيم تماسك الهويات القومية أمام محاولات التذويب والانصهار؟
- لا وئام بين البشر من دون مسلّمات مشتركة، فكيف بالوئام بين الأديان؟ إن القواسم المشتركة في العلاقات الإنسانية تستلزم الإقرار الحاسم بالمساواة ما بين البشر، كما تستلزم تحصين الحياة الإنسانية بمبادئ حماية البيئة وصيانة الطبيعة من الأذية والتخريب. يستتبع ذلك، قَطْعاً، العمل على اختراق العصبيات الجامدة بديناميات الحياة الخلاقة.
كما يستتبع تحرير العقول من الخرافات العالقة في ذاكرة الإنسان منذ أيام الطفولة وما تراكم عليها من أساطير خالية من المغزى والواقعية والعقلانية. على أن هذا المسار الجديد لا يعني المسَّ بالهويات القومية ولا الاستخفاف بخصائص الشعوب أو بمزاياها ومنظوماتها الِقيَمية.
* هل على القوى الكبرى المتحكّمة بمصائر العالم المادية والإعلامية أن تدرك مبدأ استحالة القضاء على الأديان وتفريغها من محتواها العقدي والفكروي، ولاسيما لدى الأمم الأقل قوة مادية وإعلامية، تمهيداً لاحتوائها والسيطرة على ثرواتها ومقدّراتها الاقتصادية؟
- إن القوى العظمى المتنفّذة، والمالكة للمقدّرات المادية والإعلامية الكبرى مدعوة إلى إدراك المعادلة التالية:
أن القضاء على الأديان وإفراغها من مضمونها الفكري هما أمران مستحيلان. أولاً لأن الأمم الأقل قدرةً مادية وإعلامية غير قابلة للاحتواء والاستيعاب نظراً للقوة الروحية، ما يؤهلها لمنع السيطرة على ثرواتها المادية والنفسية. هذه معادلة أدركها فيلسوف التاريخ والحضارات البريطاني أرنولد توينبي، لذلك لا بد من تعميم هذه العِبرة التاريخية على القوى الغاشمة التي يمتلكها الجشع، فلا تشبع من الاستيلاء على مقدّرات الآخرين.
* أخيراً، هل يحقق الوئام بين الأديان ضرب الأهداف السلبية للعولمة، وخصوصاً تجاه تعميم التنميط الحضاري من جانب واحد يؤدي في النتيجة، ليس إلى الهيمنة على الاقتصاد فقط، وإنما على الهوية والثقافة أيضاً؟
- قد يحقق الوئامُ العالمي بين الأديان ضربَ بعض الأهداف السلبية للعولمة لا كلها. أولاً، لأن الدين مكوِّن واحد للحضارة لا مكوّن شامل. وثانياً، لأن التنميط الحضاري، حتى من جانب واحد، لا يستطيع أن يستلّ من الإنسان هويته الثقافية، فكيف بهويته الدينية ومنظومته الِقيَمية؟
وإذا لم يكن إنكار الأهداف السلبية للعولمة أمراً موضوعياً، فإن تعميم النمط الحضاري شأنٌ يجب أن يكون مرفوضاً ومُنكَراً. عِلماً أن للعولمة أهدافاً أخرى منها أن الدول الكبرى تكاد تتقيأ سِلَعها على الدول الصغرى بالفرض، لا بالاختيار. لكنْ إذا كان من معركة حضارية نقوم بها في وجه استبداد الأقوى بالأضعف، فهي معركة العِلْم في مواجهة الجهل، ومعركة البحبوحة في مواجهة الفقر، ومعركة الإرادة في مواجهة التبعية والإملاءات والأمر المفعول.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض