5 نوفمبر 2010 21:27
توافد عشاق الفن وأصحاب المقتنيات لليوم الثاني على قصر الإمارات ليتجولوا بين الأعمال الإبداعية للعشرات من الفنانين العالميين، الذين شاركوا في أكثر من خمسين صالة عرض فنية، أظهرت تجارب جديدة ومختلفة عما سبق.
في هذه الصالات اجتمعت روائع فنية من الألوان والأضواء والظلال، لتتلاقى أفكار مبدعيها ويكون التواصل وتبادل التجارب بين تشكيلات الفنون الأورربية والأميركية والآسيوية. ويبشر المعرض لهذا العام بإنتاج الشباب الصاعد، أمل المستقبل، وهم يبتكرون ويجارون العصر، ويتقدمون بجرأة نحو الأفضل، هكذا توحي للزائر لوحة العروس بفستانها الأبيض التي تعرض في صحن إحدى الصالات المطلة على الطابق الأول، حيث تشعر بالفرح والسعادة من هذا الرمز الفني الجميل، الذي يمثل العروس وهي تزف إلى عريسها في يوم فرحة العمر، بحيث يكون من الممتع والجميل أن يأتي عرض هذه اللوحة بين هذه اللوحات الفنية التي ضمها “فن أبوظبي”.
وقد جاءت لوحة العروس بالقرب من جاليري دي جلاس، هذه الصالة التي ضمت عدداً من أعمال الفنان الفرنسي الكبير جان فرانسوا روزييه، حيث يقف الزائر متسائلا عن سر الجمال في هذا التشكيل المبتكر، وعن معنى لوحة مبنى الأوبرا في فرساي، ولم يكتف الفنان روزييه بتصوير جمال قاعة الأوبرا، لكنه اقترب بفنه من اليابان وثقافته ليقدم لوحة الجميلات النائمات التي اقتبس فكرتها من رواية كاواباتا، أول كاتب ياباني يحصل على جائزة نوبل، وهناك لوحة بابل 14، إضافة إلى عدد من أعمال متعددة تحمل رؤية وعبقرية هذا الفنان المتميز بأسلوبه المبتكر.
الاتجاه غرباً
من فرنسا إلى صالة عرضت على أرضية من الجص بلون ترابي، وقد نصبت عليها نبتة صبار ناضرة الخضرة وبجانبها يقف رجل يشبه الكاوبوي، وإلى جانبه الآخر صخرة بينما تظهر في الخلفية مجموعة من الدمى ولعب الأطفال تضم أنواعاً من الحيوانات الملونة.
وعلى هامش الفن وجماله، تبدو الفرصة مؤاتية لمتابعة تجارب بعض الرعاة والمشاركين في المعرض، حيث يقول المدير التنفيذي ورئيس إدارة أعمال بنك HSBC ديكلان هيغرتي في أبوظبي متحدثاً عن مشاركة مؤسسته في “فن أبوظبي”: منذ بدأ عملنا هنا ونحن مهتمون بفهم الثقافة المحلية، نحن مشاركون في هذا المهرجان الفني، ونسعى إلى دعمه لأنه يقدم تسهيلات هامة في التبادل الثقافي بين البلدان، ونحن نستضيف فنانين من مختلف بلدان العالم. من هنا، يهمنا كثيراً أن تكون لنا علاقات متبادلة مع بلد مثل أبوظبي التي تتمتع بأهمية خاصة ومكانة كبيرة في العالم.
فرصة نادرة
بدوره يقول خالد شعفار، أحد الفنانين المشاركين في المعرض: جاءتنا الفرصة ضمن التبادل الثقافي من بنك HSBC في أبوظبي، وتمحورت حول إرسال مصممين إماراتيين للمشاركة في ورشة عمل عالمية في مدينة سان باولو بالبرازيل لمدة شهر، بالتعاون مع فن أبوظبي، وكان علينا أن نقدم فكرة لإنجاز عمل فني، وعندما طرح هذا المشروع علينا، قدمنا عليه أنا والزميلة نورة المهيري وتم اختيارنا للسفر من بين مجموعة من الفنانين. هذه فرصة يتنماها أي مصمم، نظراً للشهرة العالمية التي تتمتع بها استديوهات كامبانا في سان باولو، حيث أمضينا أسبوعاً هناك، ولهذه التجربة أهمية كبيرة لأن كامبانا إخوان معروفون على مستوى العالم بتصاميمهم الفريدة، عندهم شهرة 27 سنة في هذا المجال، تعلمنا في رسالة هذا البرنامج الثقافي وهي من إنجاز الثقافات بين الدول المختلفة. كانت رسالتنا أن نعمل على تعريفهم بثقافة الإمارات عندنا، ونعرف نحن عن ثقافة البرازيل، وخلال وجودنا هناك كنا نحس بهذه الثقافة من ناحية العمارة والفن والشوارع هناك ونعلمهم نحن على تقاليدنا أيضا، كان هناك حوار بيننا للتصميم أو الفكرة المستوحاة التي أردنا من خلالها توجيه رسالة، لأن أي فنان يوجه رسالة من خلال عمله.
لقد تعلمنا في البرازيل أن نعمل منها أشكالا هندسية من الكرتون ولصقه بحيث يشكل قطعا بأشكال متنوعة نستفيد منها، مثل الحواجز (بارتشن) التي نستخدمها، وهو فن معروف في الدول العربية. وقدمنا هذا التصميم من أشكال العمارة الإسلامية، وهو عبارة عن قطعة من الكرتون قياس خمسين x خمسين، كما عملنا تجربة أن تكون هذه القطع أرضيات وهذه التجربة نجحت معنا، كما ترينها. نحن نفرش الأرضية كلها بهذه البلوكات، بنفس الوقت استخدمنا العمل في أشكال تصلح طاولات معينة، وتشكيلات معينة من مادة الكرتون. كانت هذه فرصة مثل الحلم، نحمد الله أنه تحقق، كنا نشتغل حوالي 24 ساعة لننجز هذا العمل في وقت قصير”.
قيادية الإبداع
كان لنا لقاء أيضاً مع الفنانة نورة المهيري التي شاركت في هذا التصميم الجميل والجديد، وفي الرحلة إلى البرازيل أيضاً، تقول: “إذا جاءت الفرصة يجب على الإنسان أن يستغلها. نحن مع أي شيء يعكس خيراً لبلادنا. “فن أبوظبي” وبرنامج HSBC في التبادل الثقافي اختارنا لهذا العمل، هم وجدوا عندنا مؤهلات تجعلنا نبرز نفسنا ونبرز بلادنا بالشكل المطلوب. تضيف نورة أن الفن لا يميز بين رجل وامرأة، الفن عبارة عن ذوق ومهارة يدوية، أنا والفنان خالد كنا متعاونين جدا، بحيث نعمل كل قطعة ونتفرد بشغلنا حتى نوازي عملنا معا، هو يساعدني في شيء، وأنا بالمقابل أساعده في أشياء، كنا فريق عمل واحداً. الإنسان عندما يستطيع أن يقدم أفكاره ويشارك فيها الآخرين يكون إنساناً قيادياً له قدرة على استيعاب أفكار وآراء الآخرين، بحيث يسهم في التطوير ولا يكتفي بأن يكون مبدعاً فقط بل فوق الإبداع”.
إعادة الخلق
تشير نورة إلى التصاميم المنجزة وتشرح عنها قائلة: إن هذه التصاميم عملت لمدة معينة، وكلفتها قليلة، ومن الممكن أن تستحمل وقتا أطول، لكن إذا كانت قطع أرضيات بعد فترة يمكن أن تؤخذ إلى مراكز تدوير الكرتون، وتصبح “بلوك” يعاد تشكيله، وهنا تكون المتعة بأن تفكرين بإعادة تصنيع الشيء بفكرة جديدة، ويمكن أن ندخل الألوان على الكرتون لكن حبينا بهذه التجربة أن تكون هذه القطع بنفس اللون في هذا العرض، وتأتي الأضواء من تحتها لتبين جماليتها بحيث يوجد تنوع وتناسق، ويمكن اختيار الألوان المناسبة”.
بوح الصحاري
من فناني الإمارات ننتقل إلى صالة الفن التركي الذي يضم وجه امرأة جميلة (بورتريه)، وبالمقابل لوحة دائرية كبيرة تشبه طبق القش الذي تتفنن نساء القرى بصنعه من أعواد القمح، ولوحة ثالثة برع الفنان في تشكيلها من الأوان وتثنيات الورق. كما التقينا بالفنان الفلسطيني طارق الغصين وقد اشترك بثلاث لوحات تعبر عن الصحراء والنخيل، ويقول الفنان: إن الصحراء تعني عندي أشياء من غير ملامح أو هوية، وقد استعملتها كخلفية للعمل توحي لطرح العديد من الأسئلة حول القضية الفلسطينية، كما أن النخيل في الصحراء يمثل مظهراً جمالياً كما يرمز للتشبث بالأرض وإعطاء ثمار الخير رغم الظروف القاسية المحيطة بها. ولم يكن بيكاسو غائبا عن المعرض بل زينه بلوحة أكد فيها حضوره الفني الدائم من إحدى لوحاته المختارة.
المصدر: أبوظبي