بعد مرور ما يقارب الـ 70 عاماً على عرض أول مسرحية مدرسية في المملكة العربية السعودية، ونيل مئات الجوائز على أعمال خلال الخمسين سنة الماضية عربياً وعالمياً، دشن وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله آل سعود، المسرح الوطني، وقال أثناء تدشينه يوم الثلاثاء 28 يناير الماضي بأن «القطاع الثقافي السعودي يعيش أزهى عصوره بدعم غير مسبوق من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين، حفظهما الله»، مشيراً إلى أن «المسرح الوطني السعودي ينطلق من أرضية صلبة، فبالإضافة إلى ثراء وعمق تراثنا وثقافتنا وعطاء المسرحيين السعوديين المستمر، فإن رؤية المملكة 2030 تنظر إلى الثقافة بوصفها «من مقوّمات جودة الحياة»، ولذا فإن وزارة الثقافة ملتزمة بدعم الحركة المسرحية وتمكين المسرحيين من أداء رسالتهم وفتح مساحات أرحب لإبداع السعوديين».
وقد أوضح رئيس المسرح الوطني والمسرحي السعودي، عبدالعزيز السماعيل، في كلمته أثناء التدشين بأن نشاط المسرح الوطني سيدعم جميع التجارب المسرحية والمسرحيين في السعودية، مستعرضاً أهداف المبادرة، مؤكداً على الشراكة بين المسرح الوطني والمسرحيين، قائلاً: «إن المسرح الوطني معكم وبكم ومن أجلكم».
«الاتحاد الثقافي» التقى المسرحي عبدالعزيز السماعيل، رئيس المسرح الوطني السعودي، حيث تحدث عن أهداف ورؤية المسرح الوطني وخطط التوسع ليكون حضوره في كافة مناطق المملكة.
* بداية.. من وجهة نظرك لماذا تأخر وجود المسرح الوطني؟
- لقد جاء الوقت المناسب ليس في المسرح فقط بل في كافة مجالات الثقافة والفنون تحت مظلة رؤية المملكة 2030، حيث أصبحت الثقافة من أولوياتها واهتمامها، وهذا إدراك عميق من سمو الأمير ولي العهد محمد بن سلمان، حفظه الله، الذي قدم للثقافة دعماً ومساندة غير مسبوقة ضمن خطط رؤية المملكة، ليس فقط باعتبارها لازمة حضارية في التطور الاجتماعي بل كقوة اقتصادية ناعمة أيضاً، وهذا سوف يغير المشهد الثقافي وبالتالي الاجتماعي ليس في المملكة فقط بل في المنطقة ككل، ولذلك بدأت وزارة الثقافة الجديدة عملها بوضع الخطط والدراسات الاستراتيجية العميقة والمحكمة لبناء المشروع الثقافي في المملكة على أحدث الأساليب والمعايير الدولية، ومن ضمنه مبادرة المسرح الوطني ليكون حجر الزاوية في النهضة المسرحية التي تقودها وزارة الثقافة اليوم بقيادة سمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود.
* حدثنا عن مشاريع المسرح الوطني المستقبلية؟
- حسب تصورنا للخطة الاستراتيجية للمسرح الوطني، وبعد اعتمادها بالكامل سوف يتحمل المسرح الوطني مسؤوليته في إنتاج وتقديم كافة عروض المسرح وفنون الأداء في المملكة بما في ذلك فن الأوبرا والمسرح الغنائي ومسرح الطفل وتنظيم المهرجانات، واستضافة العروض المتميزة من الخارج، وتمثيل المملكة في المحافل والمناسبات الخارجية، وإقامة الورش والدورات لصالح الإنتاج المسرحي بمختلف أنواعه، إضافة إلى دعم الثقافة المسرحية بالتأليف والترجمة وإقامة الندوات والمحاضرات... إلخ.
وسوف يتم ذلك بإذن الله وفق خطط مدروسة بعناية خلال الخمس سنوات القادمة معتمدين على قاعدة صلبة من الخبراء والفنيين والإداريين وعلى القاعدة العريضة من المسرحيين السعوديين المتمرسين، إضافة إلى الفرق والمؤسسات والجمعيات المعنية بنشاط المسرح محلياً لتقديم عروض مسرحية متنوعة من خلال التعاون مع المسرح الوطني في مختلف مناطق المملكة للكبار والأطفال.
وسيولي المسرح الوطني اهتماماً خاصاً لمسرح الطفل والمسرح المدرسي من خلال برنامج سنوي دائم إضافة إلى إنتاج عروض مسرح «الدراما في التعليم» المخصص لطلبة المدارس. وباختصار سوف يعمل المسرح الوطني لتنفيذ برامجه طوال العام دون توقف لتقديم عروض وفعاليات في موسم مسرحي سنوي يبدأ من سبتمبر وحتى شهر مارس من كل عام، وسيضيف إلى برامجه في كل عام تطوراً ملحوظاً ونشاطاً جديداً سيعلن عنه في حينه.
الافتخار بما مضى
* من خلال عملك في المجال المسرحي خلال الثلاثين سنة الماضية.. كيف تجد حال المسرح في المملكة؟
- في اعتقادي أن المسرح السعودي وبالذات المسرحيين السعوديين يحق لهم أن يفخروا بما قدموه خلال السنوات الماضية رغم الصعاب التي واجهتهم ومن أهمها غياب العنصر النسائي الممثل على خشبة المسرح، الذي شكل عائقاً كبيراً في وجه انتشار المسرح وتواصله اجتماعياً على الأقل. إن استمرار المسرحيين السعوديين في هذا التحدي العنيد دليل كبير على قوتهم وحبهم للمسرح وعلى تميزهم أيضاً.
إن المسرحيين الذين يملكون هذا العناد والتحدي طوال نصف قرن تقريباً قادرون على القفز بقوة أيضاً إلى تحقيق مشهد مسرحي ثقافي سعودي عربي حديث ومتميز وغير عادي أيضاً، فبالدعم اللامحدود من وزارة الثقافة، وبمشاركة المرأة في مسرح اليوم بوصفها النصف الآخر للمجتمع، سوف يبني المسرح السعودي بلاشك هوية مسرحية جديدة له، وسيحقق أهدافاً لم يمكن تحقيقها سابقاً.
* هل نحن جاهزون حالياً لتبني عدد من المبادرات المسرحية لتشمل كافة مناطق المملكة وليس منطقة واحدة؟
- ينطلق المسرح الوطني في رؤيته ليشمل نشاطه كافة مناطق المملكة وليس الرياض فقط، حيث سينفذ العديد من برامجه بالتعاون مع الجهات المعنية بالمسرح محلياً، بما في ذلك الإنتاج المسرحي الذي سينفذ جزء مهم منه في أكثر من مدينة ومحافظة في المملكة من خلال مسار الإنتاج بالتعاون مع الفرق والجمعيات والمؤسسات المحلية، وكذلك برامج الدراما في التعليم والتطوير من خلال الدورات والورش التدريبية.
* ماهي أبرز التحديات التي يواجهها المسرح الوطني الآن؟
يمكن اعتبار توفير البنية التحتية اللائقة للتدريب وتقديم العروض المسرحية في مختلف مناطق ومحافظات المملكة التحدي الأول الذي يواجه المسرح الوطني مرحلياً، وتعمل وزارة الثقافة على تذليل هذه الصعوبات لتوفير بنية تحتية للنشاط الثقافي الشامل في عموم مناطق ومحافظات المملكة.
أما التحدي الأكبر هو تحقيق التواصل الحقيقي مع الجمهور المحلي وجذبه إلى المسرح باعتباره العنصر الأهم في عالم المسرح، وباعتبار المسرح فناً اجتماعياً بالدرجة الأولى وحتى الأخيرة.
طاقات إبداعية نسائية
* في جميع دول العالم يتم الاحتفال بيوم المسرح، فهل سيتبنى المسرح الوطني السعودي اليوم قيام مثل تلك المهرجانات العربية والدولية؟
سيكون لدينا برنامج مميز هذا العام للاحتفال بيوم المسرح العالمي، ممزوج باحتفالنا بانطلاق المسرح الوطني في المملكة، كما نهدف هذا العام 2020 لإقامة مهرجان المسرح السعودي ليستمر متجولاً بين أهم مدن المملكة في الأعوام القادمة بإذن الله، وسنعلن في يوم المسرح العالمي عن مسابقة النصوص المسرحية للكبار والأطفال لتكوين مكتبة مسرحية سعودية غنية بالنصوص، وسنعمد إلى تأليف كتاب مهم عن تاريخ المسرح السعودي، كأول إصدار للمسرح الوطني بالتعاون مع نخبة من الباحثين الأكاديميين والمسرحيين، إضافة إلى إنتاج العروض المسرحية.
* هل لدينا طاقات مسرحية نسائية حقيقية في ظل تغيب المرأة عن المسرح طيلة العقود الماضية؟
بالتأكيد.. لدينا الكثير من الطاقات الإبداعية النسائية السعودية ليس في التمثيل فقط بل في التأليف والإخراج أيضاً وحتى التمثيل والأداء، وقد برز العديد منهم من خلال التلفزيون والعروض المسرحية سابقاً، والآن يستعد المسرح السعودي من خلال المسرح الوطني وغيره من الفرق والجماعات المسرحية لإشراكهم في أعمالهم المسرحية بقوة ليكونوا عناصر أساسية في العروض المقدمة للجمهور، كما أتوقع أن يحدث إقبال على المسرح من المبتدئات والهاويات خلال السنوات القليلة القادمة سواء من خلال الدورات والورش التدريبية أو من خلال الدراسة المتخصصة في أكاديمية الفنون التي تنوي الوزارة إطلاقها.
* هل تقصد بأن هناك ممثلات سعوديات جاهزات للظهور على خشبة المسرح حالياً؟
نعم بكل تأكيد.
* لماذا تم إبعاد الجمعية العربية السعودية وهي الحاضن الرئيسي للمسرح سابقاً عن احتضانها لفكرة المسرح الوطني؟
الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون مؤسسة أهلية قدمت الكثير بلاشك للفن والفنان السعودي طوال أكثر من 40 سنة حتى الآن، فلولا الجمعية لما استمرت الحركة الفنية لدينا ومن ضمنها المسرح، ولكني أعتقد بأنه جاء الوقت المناسب لإعادة النظر في وضعها الحالي لتواكب التطورات الحاصلة في المملكة والعالم، وبشكل خاص المواءمة مع التطورات الثقافية التي ترعاها وزارة الثقافة لتناسب تطلعات رؤية المملكة واستراتيجية وزارة الثقافة.
وفي المسرح الوطني نحقق حلماً مسرحياً طال انتظاره، وهي مسؤولية أدرك تماماً أهميتها وحجم المسؤولية فيها، فهي مبادرة من أجل المستقبل وليس لليوم فقط تستحق منا كل العناء والتعب، لأننا وجدنا ومنذ اللحظة الأولى لإطلاق المبادرة الدعم والمؤازرة من قبل وزارة الثقافة ومن سمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود وزير الثقافة شخصياً، ونتمنى أن نكون عند حسن ظنه وظن جميع المسرحيين والمجتمع السعودي.
تأسيس منظومة مسرحية متكاملة
يقول عبدالعزيز السماعيل: تعتبر مبادرة المسرح الوطني خطوة عملية أولى نحو تأسيس منظومة مسرحية متكاملة تدعم الإنتاج المسرحي بجودة أعلى، وتوفر للمسرحيين فرصاً أكبر لممارسة النشاط المسرحي بمعايير فنية عالية، كما توفر للمهتمين بالمسرح أعمالاً مسرحية نوعيّة تعكس ثراء الثقافة السعودية وتنوّع مساراتها الجمالية. وهي إحدى مبادرات وزارة الثقافة لدعم المسرح ودعم الناشطين فيه، باعتباره أحد العناصر الرئيسية في مشروع الوزارة للنهوض بالنشاط الثقافي السعودي بكل اتجاهاته الإبداعية.
درايش النور
يؤكد عبدالعزيز اسماعيل أن المسرح الوطني قدم يوم افتتاحه عرضاً احتفالياً باسم «درايش النور» الذي حمل رسالة واحدة بأن المملكة مقبلة على التغير بكل قوة، وأن المرأة تقف وتساند الرجل في كل خطواته، حيث شارك ما يزيد على 15 ممثلة سعودية في العرض الاحتفالي، إلى جانب المسرحيين الشباب، وهدف النص الذي كتبه الشاعر والمسرحي صالح زمانان أن المملكة تسير في خط الاعتدال وهي ضد الإرهاب وأن المرأة تقود هذا العمل المسرحي بحضورها البارز.