8 أغسطس 2011 23:25
وافقت الحكومة العراقية يوم الثلاثاء الماضي على بدء المفاوضات مع المسؤولين الأميركيين بشأن ما إن كان ينبغي الترخيص للجيش الأميركي بالبقاء في العراق في مهمة تدريب لقوات الأمن العراقية بعد انتهاء سنة 2011 الجارية. وجاء هذا الإعلان في اليوم نفسه الذي زار فيه الأدميرال مايكل مولن، قائد هيئة الأركان المشتركة الأميركية، البلاد الذي قال إن واشنطن في حاجة إلى إشارة واضحة من العراق بشأن ما إن كانت ستطلب بقاء الجيش الأميركي.
يذكر أن مسؤولين رفيعين في "البنتاجون" يناشدون الحكومة العراقية منذ أشهر حتى تحسم أمرها وتتخذ قراراً بشأن استمرار وجود عسكري أميركي؛ وفي الشهر الماضي، كان وزير الدفاع الأميركي "ليون بانيتا" قد عبر خلال زيارة له إلى بغداد عن الإحباط حيث قال: "تبّاً، فليتخذوا قراراً ما"، متحدثاً عن العراقيين. ويذكر أيضاً أن الرئيس أوباما، حين كان مرشحاً رئاسيّاً، وعد بإنهاء حرب العراق، ولذلك فإن البيت الأبيض كان متردداً في الدعوة بشكل صريح إلى بقاء قوات أميركية. غير أن كبار المسؤولين في البنتاجون يفضلون عموماً الإبقاء على قوة أميركية صغيرة هنا، خوفاً من أن يؤدي انسحاب كامل إلى احتدام الاقتتال الإثني والطائفي. كما يعترف مسؤولو البنتاجون في المجالس الخاصة بأن الإبقاء على قوات في العراق يمكن أن يردع أيضاً إيران المجاورة ويثنيها عن محاولة فرض وتأكيد ذاتها في المنطقة، حيث حذر "مولن" يوم الثلاثاء الماضي من طموحات إيران ورغبتها في التدخل في العراق.
وتحت ضغط البنتاجون، وافق البيت الأبيض هذا الصيف سرّاً على الترخيص لقوة لا يتعدى قوامها 10 آلاف جندي كحد أقصى من أجل المساعدة في جمع المعلومات الاستخبارية وتدريب الجنود العراقيين. غير أن وجود جنود أميركيين يمثل أحد أكثر المواضيع خلافية بالنسبة للعراقيين.
وخلال اجتماع الثلاثاء الماضي، الذي أجري وراء أبواب مغلقة ودام خمس ساعات في بغداد، أعطى الزعماء العراقيون موافقتهم على بدء مفاوضات مع الولايات المتحدة، وعبدوا بذلك الطريق أمام الفصائل السياسية العراقية المتخاصمة حتى تنهي خلافاتها.
وقال وزير الخارجية هوشيار زيباري بعد الاجتماع إن المفاوضين يتألفون من رئيس الوزراء نوري المالكي، ومستشاري الحكومة، ووزير الخارجية، والوزيرين الأمنيين عندما تتم تسميتهما أخيراً. وقال إن ثمة تفاصيل ما زال ينبغي الاتفاق حولها، ووصف الجلسة بأنها كانت خلافية؛ غير أن الاجتماع انتهى مع ذلك باتفاق على أن المفاوضات ينبغي أن تبدأ.
غير أن إحدى أكبر العقبات أمام الاجتماع كانت متمثلة في المأزق السياسي الذي جمع ائتلاف المالكي ومنافسه الشيعي العلماني إياد علاوي. فالخلاف بين الرجلين، اللذين تعادلا تقريباً في انتخابات 2010، كان من نتائجه ظهور عراق لم يسمِّ وزيري دفاعه وداخليته بعد. ولذلك، فإن المالكي هو الذي يتولى إدارة الوزارتين في الوقت الراهن.
وخلال الاجتماع، اتفق الجانبان على أن تقترح كتلة علاوي "العراقية" ثلاثة أسماء على الأقل لمنصب وزير الدفاع، على أن يقوم ائتلاف المالكي بالشيء نفسه بخصوص منصب وزير الداخلية. وبعد ذلك، يحاولان اختيار الوزيرين في اجتماع يعقد بعد أسبوعين.
وبالمثل، اتفق الجانبان على رفع تشريع يتعلق بمجلس جديد للسياسة الاستراتيجية الوطنية، برئاسة علاوي، إلى البرلمان من أجل اعتماده، وذلك بعد أشهر على التاريخ الذي كان يفترض أن يتم فيه تشكيل المجلس.
غير أن الجانبين لم يتفقا بعد على الكيفية التي سيؤدي بها علاوي القسم وينصَّب كرئيس للهيئة الجديدة؛ حيث يقول علاوي إنه ينبغي أن يوافق عليه البرلمان؛ في حين يشدد المالكي على أن يحدث ذلك داخل المجلس الجديد. وبسبب هذا الخلاف، تأخر إكمال تشكيل الحكومة منذ ديسمبر الماضي.
غير أن مسؤولاً من كتلة "العراقية" عبَّر عن تفاؤله وقال إن المالكي قد يتحرك بسرعة بخصوص اتفاق أمني مع الأميركيين لأن العراقيين يعلمون أن خفض عديد القوات الأميركية ستزداد سرعة وتيرته في سبتمبر المقبل، إذ من المقرر أن تغادر كل القوات الأميركية العراق بنهاية العام.
وتوقع هذا المسؤول أن الزعماء السياسيين في البلاد، باستثناء رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، باتوا يدعمون اليوم على الأرجح اتفاقاً في البرلمان يمنح الجنود الأميركيين حصانة من المتابعة القانونية في العراق إذا كانوا في مهمة تدريبية بدلاً من مهمة قتالية.
ويريد "مولن" أن يتخذ الزعماء العراقيون قراراً ما بسرعة، حيث قال للصحافيين في قاعدة "كامب فيكتوري"، وهو مقر الجيش الأميركي في العراق: "إن الوقت بدأ ينفد بسرعة حتى نستطيع بحث أي مسار آخر" غير الانسحاب. كما حذر من أن الحكومة الأميركية لن تقبل أي اتفاق يمنح الجنود الأميركيين حصانة من المتابعة القضائية في العراق إذا لم يمرر عبر البرلمان.
يذكر هنا أن المالكي وزيباري كانا قد جادلا من قبل بأن أي اتفاق بخصوص مدربين أمنيين يمكن التوصل إليه بين الوزارة المعنية والحكومة الأميركية، غير أن مسؤولين أميركيين قالوا إن ذلك لن يوفر حماية كافية.
يذكر أيضاً أن حوالي 46 ألف جندي أميركي ما زالوا في العراق. وقد حذر زيباري من أن نتيجة أي مفاوضات حول استمرار وجود عسكري أميركي هو أمر لا يمكن التنبؤ به حيث قال إنه: "لا توجد أي نتائج حتمية!".
نيد باركر ورحيم سلمان
بغداد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«إم. سي. تي. إنترناشيونال»