هناء الحمادي (أبوظبي)
كانت في طريق عودتها إلى المنزل عندما رأت مسناً ينزف يجلس برفقة زوجته التي بدت عليها علامات القلق في زاوية بمحطة مترو أنفاق في العاصمة الإيرلندية دبلن، ضاعفت برودة الطقس من سوء الموقف، ولأنها ابنة بلد اعتنق التسامح مبدأ له، تقدمت المبتعثة فاطمة البستكي إلى الرجل عارضة عليه المساعدة بعد أن عرفته بنفسها، وطمأنته إلى أنها طالبة طب في سنتها الأخيرة، آخذة على عاتقها مسؤولية إنقاذ شخص من خطر محدق.
وتقول البستكي التي تدرس في الكلية الملكية للجراحين في إيرلندا «كنت في محطة مترو أنفاق، متجهة إلى منزلي بعد أن انتهيت من برنامج تدريبي خاص بدراستي، فلفت انتباهي رجل مسن يجلس على الأرض، وقد كان ينزف بشدة من جرح في رأسه، فقررت أن أساعده».
وتقول الشابة لـ «الاتحاد»: «اقتربت منه، وأخبرته بأنني طالبة طب، وبأنني أريد مساعدته، وسألته عما حصل له، فعلمت أنه سقط وهو يحاول نزول الدرج من ارتفاع طابقين، وعلى الرغم من برودة الجو خلعت معطفي وغطيته به بعد أن لاحظت أنه يرتجف بشدة». قدمت البستكي الإسعافات الأولية اللازمة، قاست نبضه، وأثناء محاولة إيقاف الزيف، علمت من زوجة الرجل البالغ من العمر 78 عاماً أنه يخضع لعلاج كيماوي فهو مريض سرطان. تقول: «تعقد الموقف كثيراً، فهؤلاء المرضى يتناولون عادة أدوية تسبب سيولة الدم. لقد مررت بلحظات عصيبة اختبرت فيها ما تعلمته، إلا أنني تمكنت من السيطرة على النزيف».
وبعد مرور ساعتين، وصلت سيارة الإسعاف لنقل الرجل إلى المستشفى، تقول البستكي «استغربت كثيراً تجاهل المارة، فعلى مدار ساعتين لم يتقدم أحد لتقديم يد المساعدة»، مضيفة «بقيت إلى جواره حتى تم نقله إلى المستشفى».
ومرت الأيام إلا أن المعروف الذي قدمته ظل راسخاً في ذاكرة السبعيني، حيث روى الموقف لجيرانه وأصدقائه وكان من بينهم دكتور يُدّرس في كلية البستكي، فتواصل معها، وأخبرها بأن الرجل يود مقابلتها لشكرها على ما قدمته له من مساعدة.
وتستذكر البستكي تلك اللحظة الجميلة التي جمعتها بالمسن، قائلة: «ذهبت إلى زيارته، وقد استقبلني سكان الحي وشكروني على موقفي البطولي، كما استقبلني المسن هو وزوجته في منزلهما، وشكراني على موقفي الإنساني، متمنيين لي التوفيق».
وتشير إلى أنها لم تتردد لحظة، ولم تفكر كثيراً فيما فعلته، فهي قررت أن تكون طبيبة في خدمة كل من يحتاج إلى المساعدة في كل مكان، مؤكدة أنها «أخلاق عيال زايد».
وتقديراً لهذا الموقف، دعت الملحقية الثقافية لسفارة دولة الإمارات العربية المتحدة في دبلن، الطالبة إلى المكتب لمنحها درع «سفير الإمارات الشاب»، حيث أعرب عبدالله الكعبي، الملحق الثقافي للدولة، عن إعجابه الشديد بما قامت به، وشكرها على إظهار قيم التسامح الإماراتية بشكل مشرف. وأشار إلى أن هذه القصة الإنسانية تعبر أفضل تعبير عن قيمة «عام التسامح 2019»، وبطريقة تلهم الطلبة الإماراتيين ليصبحوا السفير المثالي لبلدهم في الخارج.
والتحقت البستكي التي حصلت على منحة دراسية من التعليم العالي لإكمال دراستها في إيرلندا، بكلية الطب، بتشجيع من والدتها، تقول «هي من ألهمتني للدخول في هذا المجال، فأنا لا أنسى الدموع التي ذرفتها على جدتي، رحمها الله، عندما عجز الأطباء على إنقاذها من المرض، وقتها قطعت وعداً على نفسي بأن أصبح طبيبة لا تعرف لليأس طريق، فشعاري أن أبذل كل طاقتي لتقديم أفضل الخطط العلاجية للارتقاء في حالتهم الصحية».
وتطمح الشابة العشرينية للإسهام في رفعة المستوى الصحي في الدولة، مقدمة الشكر للقيادة الرشيدة التي آمنت بأبنائها، ووفرت لهم سبل استكمال الدراسة في أرقى الجامعات حول العالم.