30 يوليو 2012
قام رجال يصيحون بنقل المقاتل الجريح، محمولا على نقالة، إلى جناح طوارئ مؤقت مع غروب شمس الجمعة بعد أن اخترقت شظية من قذيفة هاون أطلقتها قوات الحكومة السورية ساقه. ويقول أبو حسن، وهو مقاتل آخر من الجيش السوري الحر: "أرأيت؟ قل لبلدك أن يقوم بشيء ما، أي شيء!". وبعد وقت قصير على ذلك، تم جلب رجل آخر، وهو سمكري أصيب برصاصة في ساقه أطلقها عليه قناص حكومي سوري.
التوتر يزداد حدة في حلب، التي تعد ثانية مدينة سورية، حيث يتوقع قادة الثوار هجوما حكوميا قويا في أي لحظة من أجل نسف المكاسب التي حققها الثوار خلال الأسبوع الماضي، على غرار ما حدث في دمشق التي استعادت فيها قوات النظام العاصمة من الثوار بالقوة النارية ومعارك الشوارع. ومن المرجح أن تصوغ معركة السيطرة على العاصمة الاقتصادية لسوريا الواقعة شمال البلاد، مصيرَ الانتفاضة التي بدأت قبل 17 شهراً ضد الرئيس بشار الأسد، والتي حصدت حتى الآن أرواح نحو 20 ألف شخص، وفق بعض التقديرات. ذلك أن من شأن خسارة حلب أمام الثوار أن تُظهر ضعفاً كبيراً من جانب الحكومة.
ومع التحضير للمعركة، قيل إن ثمانين دبابة سورية وصلت إلى جبهة المعركة على الأطراف الغربية لمدينة حلب. وكانت طائرات الهيلكوبتر أطلقت يوم الجمعة وابلا متكرراً من الرصاص على مناطق يسيطر عليهـا الثـوار معظم اليـوم، ما أسفـر عن مقتل ستة أشخاص. كما قتل القناصة الحكوميون من جانبهم شخصين آخرين، وفق الثوار في حلب.
وفي هذا الإطار، يقول "أبو محيو"، وهو ضابط في الجيش السوري الحر في منطقة حلب: "إن الجيش السوري الحر مستعد، فلدينا الكثير من المتفجرات والقنابل التي تزرع على جانب الطريق"، مضيفاً أن الدبابات المنتشرة في حلب لم تستعمل بعد، المدفعية فقط استخدمت من بعيد، لكن استعمالها "مسألة وقت فقط، ونحن لا نعرف متى".
ويقول "أبو محيو" عن المناطق التي يسيطر عليها الثوار شرق وغرب وجنوب غرب وسط المدينة: "إن النظام لا يستطيع الدخول إلى هنا لأن الجيش السوري الحر قوي جداً والجميع يدعمه"، مضيفاً: "إن الناس يفتحون بيوتهم لنا".
ومن غير الممكن التحقق من أقوال الثوار بشأن الدعم الواسع الذي يتلقونه في حلب؛ غير أن امرأة تحمل طفلها على كتفها توقفت عند مكتب للجيش السوري الحر خصيصاً لتطلب علم الثورة من أجل استعماله كخلفية لصورة لابنها، كما قالت، ولتعليقه في البيت.
وطيلة هذا الأسبوع، سارعت العائلات إلى ملء الشاحنات بالأغراض، وتحميل الثلاجات والتلفزات وأي شيء تتسع له وسيلة النقل المتاحة قبل اللجوء إلى قرى أكثر أمناً في شمال سوريا أو عبور الحدود إلى تركيا. وكانت ملامح الخوف بادية على وجوههم في وقت كانوا يراقبون فيه السماء للتحقق من موقع طائرات الهيلكوبتر التي تطلق الرصاص.
غير أن حلب تمثل تحدياً بالنسبة لقوات الثوار. ذلك أن المدينة كانت متأخرة في الانضمام إلى الانتفاضة؛ كما أنها لطالما دعمت النظام، وأحياؤها منقسمة بين المعارضة وأنصار الحكومة. لكن المواجهة المتوقعة بين الثوار وقوات النظام أدت أيضاً إلى تدفق جديد للثوار إلى المدينة.
وفي هذا السياق، يقول مقاتل وجندي سابق من القوات الخاصة الحكومية قدم نفسه باسم أبو عمر: "في كل يوم يأتي مزيد من المقاتلين من القرى... إننا نرغب فقط في الدفاع عن هذه الأماكن (في حلب)، والله ولينا"، مضيفاً: "إن النظام يقوم بقصف كثيف في الليل من أجل تخويف الناس وتدمير المباني وقتل المزيد من السكان وجعل الناس يلعنون الجيش السوري الحر... ولذلك فإننا نحاول حماية الناس؛ لكننا بحاجة إلى الأسلحة، المزيد من الأسلحة، من أي بلد".
مقاتل آخر، يدعى أبو حمزة، لوح ببندقيته من طراز "إي كي 47" من أجل توضيح فكرته وقال: "هذا السلاح يكلف 2000 دولار، وكل رصاصة تكلف دولارين... إنه باهظ جداً".
السوريون في هذه المدينة عبروا عن غضبهم يوم الجمعة لأنه لم يتم القيام بشـيء من أجل مساعدتهم، مشيرين إلى استعمال الفيتو في مجلس الأمن الدولي من قبل روسيا والصين وتصريحات من قبل الولايات المتحدة والأوروبيين تستبعـد تدخلا عسكرياً.
ويشار هنا إلى أن بعض التقارير تفيد بأن وكالات الاستخبارات الأميركية والتركية نقلت أسلحة خفيفة ومعدات اتصال ومعلومات استخباراتية إليهم، في حين وفرت بلدان خليجية المال وبعض المعدات.
النقص يعاني منه أيضاً نظام طبي يعاني الإجهاد بسبب العدد الكبير من الإصابات. والدلائل على الحاجة موجودة في كل مكان. ففي أحد الشوارع، استقرت قذيفة هاون من عيار 120 ملمتراً في الأسفلت؛ لكن شظاياها حطمت نوافذ سيارة مجاورة وأصابت شخصاً واحداً على الأقل، ترك وراءه خطاً طويلا من الدماء التي تنزف على طول الشارع.
وتقول أم هدى، الطبيبة التي تدير هذا الجناح المرتجل الخاص بالطوارئ: "إننا لا نستطيع فعل أي شيء عدا مشاهدتهم يموتون أحياناً"، مضيفة: "هناك أطفال، في سن العاشرة أو الثالثة، لم يفعلوا شيئاً، لكنهم يموتون أمامك. إنهم ملائكة!".
وترى أم هدى أن غياب المساعدة الدولية نعمة ونقمة في آن واحد، إذ تقول إن الولايات المتحدة "تستطيع القيام بأشياء كثيرة. إنها تعرف كيف تنهيه". لكن في الوقت نفسه، يمكن القول إن الفيتو الروسي والصيني ضد التدخل يمثل "شيئاً جيداً... لأننا نريد أن نفوز، لكن بالاعتماد على أنفسنا، بدون مساعدة من أحد".
سكوت بيترسون
حلب - سوريا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«كريستيان ساينس مونيتور»