7 أغسطس 2011 22:14
للأسف الظاهرة ليست بجديدة بل سلوك اعتادت عليه أغلب العائلات التي ترى أن العزائم والولائم في الشهر الكريم أمر لا مفر منه، أو باعتباره عرفاً سنوياً من الصعب تجاهله وجزءاً من عادات رمضان الذي يجمع الأهل والأحباب على مائدة واحدة..
إلى جانب أن رمضان هو شهر الجود والخيرات والكرم وهو شهر التلذذ بأصناف الطعام المختلفة وغير المعتادة، لذلك لا عجب حين نرى تسارع أرباب البيوت إلى الجمعيات ليأتون محملين بحاجيات الشهر الكريم بكميات كبيرة قد لا يستخدمونها طوال الشهر وتكون مصيرها سلة القمامة مع الأسف..
إسراف وتبذير
لا ترتاح لبنى حسونة إلا حين ترى المائدة الرمضانية مليئة بكل أنواع وأصناف الطعام تقول في ذلك “رغم شعوري بالتعب في شهر رمضان نتيجة إعداد الكثير من أصناف الطعام، إلا أن كل أفراد أسرتي يكونون مبهورين بالأصناف المختلفة من الأطباق المنوعة واللذيذة التي أعدها من السلطات والمقبلات في آن واحد”. وتضيف “رغم أن الكثير من الأطباق لا يمسها أحد سوى للتذوق فإن الباقي أحتفظ به في الثلاجة وسط رفض زوجي.. تصمت لبنى حائرة بين الطعام الذي لم يؤكل وبين رفض زوجها وتضيف: “زوجي من النوع الذي يحب تناول الطعام الطازج ويرفض الأكل الذي يوضع في الثلاجة لليوم التالي، وهذا الأمر يتكرر كل يوم في رمضان حيث يكون مصير الأطباق حاويات النفايات التي تمتلئ بكل أصناف المائدة الرمضانية”.. مؤكدة “رغم علمي أن هذا هو إسراف وتبذير واستهلاك ليس له مبرر إلا أننا اعتدنا على ذلك وهي عادة أصبحت لدى الجميع في شهر الصيام”.
كتب الطبخ
رغم أن عدد أفراد أسرة بدرية خميس لم يتجاوز 6 أفراد، إلا أن ما أعدته على المائدة يكفي لأكثر من 10 أشخاص، وتوضح بدرية عن ذلك “لدي الكثير من كتب الطبخ التي اشتريتها قبل رمضان فهي تساعدني على تنوع سفرتي بكل أصناف الطعام وبكل ما لذ وطاب من أكلات محلية وشرقية.
ورغم المعاناة والتعب في إعداد تلك الأصناف يبقي التنوع على مائدتي هو المرغوب عند أفراد الأسرة”. مشيرة “غالبا ما يكون الطبق الرئيسي هو الأرز باللحم أو الدجاج إلى جانب الهريس واللقميات والثريد والسلطات المنوعة بالإضافة إلى الحلويات التي لا نستغني عنها فلها طعم مختلف في رمضان. وتضيف “أحب التنوع في الأكل ويطلب مني زوجي وأبنائي ذلك إلا أن الكميات دائمة تخونني أحياناً إذا كانت معجنات أضعها في الفريزر وبعد أيام أعمد إلى استخراجها وتسخينها على الفرن، فتبدو طازجة وأحياناً إذا ما احتوت الأطباق على مواد يتغير طعمها في اليوم التالي إما أهدي بعضها للجيران وغالباً يكون مصيرها مكب النفايات”. لكن في نفس الوقت تحاول بدرية أن تتخلص من عادة التبذير الذميمة لكنها لم تهتد بعد للسبيل الذي يمنعها من تجاربها على الأطباق.. فهي تحرص في شهر الصيام على ابتداع أفكار وأطباق جديدة تستلهمها من صفحات الإنترنت وشاشات التلفزيون”.
من باب التباهي
يتفق الجميع معنا على أن التبذير عادة مذمومة تتنافى مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي حذرت من الإسراف، إلا أن الكثير ينتهج هذا السلوك عن ذلك يلفت سالم حسين “رب أسرة” قائلا إن أغلب العائلات يعتقدون أن شهر رمضان شهر الكرم فلذلك نرى الكثير من العائلات في سباق لمن يعد أكثر من أصناف الطعام وليتم تبادله مع الجيران، فنرى التبذير والإسراف في المأكل والمشرب يفوق الأيام العادية حيث تقضي ربة البيت أكثر من 6 ساعات في المطبخ لتعد أصناف الطعام المتنوعة من باب التباهي، لتتفاخر أمام جارتها بأنها أعدت طبق كذا وكذا. ويضيف: معظم ما يتم طبخه مصيره سلة المهملات بعد أخذ الحاجة منه والتي لا تصل للنصف في أحسن الأحوال، وغالباً ما تتسم مائدتي الرمضانية بالتنوع في المأكولات بين مقبلات من فتوش وحمص، بالإضافة إلى الشوربة والعصير والطبق الرئيسي. مؤكداً أن زوجته تعمد إلى عدم التبذير في طهي الأصناف وما يتبقى منها تعمد إلى ترحيله لمائدة إفطار اليوم التالي أو إرسال طبق منه للجيران في إطار التراحم والتكافل”، ويتابع “ليس تعدد أصناف الطعام على المائدة الرمضانية تبذيراً وإنما التبذير برأيه كميات الأصناف أن تكون لعشرة مثلاً ومن يأكل منها ثلاثة فيكون الباقي مصيره مكب النفايات، وهذا حرام ولا أعمد إليه بأي حال من الأحوال”. داعياً إلى الاقتصاد والتصدق بالأموال للفقراء والمحتاجين بدلاً من إسرافها في الطعام والشراب”.
الميزانية تتضاعف
فيما ترى عواطف الحاج “43 عاما” أنه في شهر رمضان يزداد إسراف الناس وتتجاوز ميزانية الشهر سابقتها من ميزانيات الأشهر السابقة بكثير، موضحة “أغلب النساء ينحصر تفكيرهن في ماذا يضعن على المائدة وماذا يطبخن. فنراهن يتفنن في كل أصناف الطعام، فمرة تستعين بالإنترنت ومرة ثانية ببرامج الطبخ التي تعرض على التلفزيون أو كتب الطبخ التي تملأ أرفف المطبخ”.
وعن نفسي أحاول عدم التبذير كثيرا في إعداد أصناف الطعام وقد أطبخ من (3- 5) أطباق ما بين الطبق الرئيسي والمقبلات والحلويات والشوربة. مشددة على ضرورة الإنفاق باعتدال وفي حدود المعقول بعيداً عن التبذير والإسراف اللذين هما من صفات الشياطين. وتضيف أن رمضان شهر العبادة والإقبال على الطاعات المتنوعة بين قيام وتراويح وختم قرآن وصيام وليس شهر أكل وشرب ونوم وإسراف وتبذير تحت مسمى الكرم”.
عادة وتقليد
وتقول مدرسة التربية المنزلية سهى يونس، والتي تتقن إعداد أنواع لذيذة من الأطعمة والمشروبات والحلويات: بما أن لدي خبرة كبيرة في إعداد كل أصناف الطعام فمن باب كرمي أن أجعل أفراد أسرتي يعيشون أجواء الشهر الفضيل بإعداد كل ماهو لذيد على المائدة سواء وقت الفطور أو السحور”. وتتابع “رمضان شهر الأكل المتنوع والموائد العامرة والتباهي فلا يمكن أن نكتفي بصنف غذائي واحد يومياً، أو نعتذر عن استضافة الأصدقاء والأهل. ومهما كان حجم الدخل الشهري بسيط، إلا أن الإنفاق ضروري في شهر رمضان لتلبية احتياجاتنا لهذا الشهر. وتؤكد أن ما يُنفق على مدار شهور العام بأكمله لا يوازي نصف ما ننفقه خلال شهر رمضان وحده، فترى أن الإسراف في رمضان لا يعد سلبية، بقدر ما هو عادة وتقليد مجتمعي”. حالة من الإسراف الغذائي تحدث في شهر رمضان وخاصة وقت إقامة العزائم والولائم يشير الدكتور محمد العسومي، خبير اقتصادي إلى هذا الجانب ويقول “في الشهر الفضيل كثير من العائلات تعد الولائم للأهل والأصدقاء من باب الكرم واستقبال الشهر الكريم، وحين تقام تلك الولائم غالبا ما يجب أن يعد لها الكثير من أصناف الطعام الشرقي والغربي والذي يملأ السفرة الرمضانية من أولها لآخرها وهذا بالطبع يحتاج إلي الكثير من المواد الغذائية.
ويوضح “تزيد الطلبات العائلية لدرجة تتجاوز حدود الميزانية الشهرية الاعتيادية دون مبررات لهذا البذخ الذي يتنافى مع قيم وفضائل شهر رمضان وبات الإقبال المتزايد على شراء السلع الغذائية بكميات كبيرة في رمضان تقليداً دائماً لدى أغلب العائلات التي تجتاحها حمى الشراء الزائد لدرجة المبالغة دون تحديد للأولويات، في حين يوجد من يفتقرون إلى أدنى متطلبات المعيشة، ويرى أن الأسرة قادرة من خلال وضع ميزانية محددة تلبي طلباتها ضمن المعقول في شهر رمضان بعيداً عن مظاهر الإسراف”.
إطعام الفقراء
يشير طالب محمد الشحي، مدير إدارة الوعظ بالهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بأبوظبي قائلا: نهى الإسلام عن الإسراف في الطعام والشراب خاصة في شهر رمضان، فقال تعالى “وكلوا واشربوا ولا تسرفوا”. ويضيف “يعتبر شهر رمضان هو مدرسة للطاعات والتسارع إلى فعل الخيرات لذلك نرى الكثير من الناس يُعد تلك الولائم والعزائم لفعل الخير والأجر والثواب، لكن الملاحظ أن بعض هؤلاء يزيد في هذا القدر من فعل الخير..”. ويؤكد “نرى ظاهرة غير شرعية تبرز في رمضان وهو الإسراف الزائد عن حده في إعداد كل أصناف الطعام، والبعض يحاول التصدق به للفقراء وآخرين يرمي الطعام في القمامة”. ولا يخفى أن الإسراف حرمه الله عز وجل، لذلك من الأحرى على كل مسلم ألا يسرف في إعداد الولائم الرمضانية، ويمكنه أن يكثر من إطعام الفقراء والمساكين من غير تبذير”.
المصدر: أبوظبي