7 أغسطس 2011 22:13
البثنة من المناطق التي تتبع لإمارة الفجيرة، بل وتعد من أهم المناطق من حيث تاريخها ومن حيث شهرتها، حيث كان فيها واد تفيض منه المياه لأسابيع كثيرة وهو وادي حام، والذي لا يزال باقيا كشاهد على تلك الجداول الرقراقة العذبة، ويصطف على جانبها كل راغب في متعة قضاء يوم بين أحضان سلسلة الجبال التي تبدو كجدارين عملاقين، وتحت تلك الجبال هناك أشجار النخيل المتناثرة، والتي تجري من تحتها جداول الماء العذب البارد، وتبعد البثنة عن إمارة الفجيرة حوالي 12 كيلومتر وبها منطقة منخفضة تساعد على زراعة الغلال.
لا يتجاوز عدد أهل البثنة 700 شخص، وهم يطلون من بقعتهم العالية على قلعة البثنة غرب مدينة الفجيرة، ويمكن مشاهدة تلك القلعة لكل من يمر قادما من الفجيرة ومتوجها إلى إمارة الشارقة أو إلى إمارة دبي، ومن أشهر القبائل التي تعيش في البثنة على سبيل المثال الزيودي والكعبي والكندي وأيضا الحفيتي واليماحي وبعض القبائل العربية الأخرى، وفي تلك القرية الوادعة ولد ضيفنا محمد سيف خليفة الزيودي.
طفولة مترفة
عاش محمد الزيودي طفولة مترفة لعدة أسباب منها لأنه الوحيد على مجموعة من الأخوات، ولا يزال يتذكر والديه وقد غص بدموع رجل تأبى السقوط، وصمت لوهلة قبل أن يستطيع العودة لإكمال الحديث، وهو يذكر كيف كان والده ووالدته رغم حبهما الجم له، إلا أنهما كانا يتحملان مر فراقه كي يحقق أحلامه وأمنياته.
الأمر الآخر أنه في طفولته كان يقضي وقتا كبيرا مع والده الذي كان من أعيان المنطقة ومن أشهر شخصيات الزيود، وقد تربى في عز وخير ولذلك لم يحرم أبناءه من الخير والنعم، وكان كل أفراد العائلة يسكنون في بيت واحد وبين أهل المنطقة وشائج قوية وتراحم وترابط، كما كانت الأسرة تلتقي مع بعضها ومع بقية الأسر بشكل يومي، وفي كل يوم جمعة يقف رجل من رجال مسافي لينادي في الرجال لتناول الغداء في منزله، وهي عادة لا تزال موجودة حتى اليوم.
ويحرص أهل البثنة على هذه العادة الكريمة والسخية، حيث يقف رجل منهم في كل جمعة ويدعو كل الرجال لتناول الغداء في منزله، والقصد من ذلك أن يبقى التواصل والتلاحم بشكل قوي بين الأهالي، في وقت ينشغل فيه آخرون لعدة أشهر عن زيارة جار لهم أو قريب يبعد مسافة كيلومتر واحد عنهم، ولذلك هناك علاقة أسرية تربط بين جميع أهالي البثنة، كما أن المنطقة تحيي عادة جميلة اعتادت عليها، وهي لقاء على «الريوق» أو الفطور وبشكل يومي بين كل مجموعة من البيوت التي تقع بجانب بعضها.
عشق اللغة العربية
وكان محمد يسمع معلم اللغة العربية يقول لهم: تلذذوا بطعم النحو عن مر العلوم، ولذلك عشق النحو واللغة العربية، وشارك وهو في المدرسة في العديد من المسابقات ومنها مسابقة دولية حصل فيها على المركز الأول في اللغة العربية، وشارك في مسابقة دولية في الرسم وكانت في نيودلهي عام 1967 للفئة العمرية 10-11 سنة، وفي ذات الوقت كانت هناك عادات يربى عليها البنين بعد العودة من المدرسة وهي أن يعملوا على معاونة الأسرة في الأعمال دون أن يطلب منهم ذلك، وكانوا يسهمون في تحضير القهوة ومرافقة الرجال للصلاة وزيارة رجال المنطقة في أماكن التلاقي.
ويقول الزيودي إن من العادات المستمرة حتى اليوم استقبال الضيف ولا بد بعد تناول القهوة من سؤاله عن العلوم، والقصد للتعرف على حاله واحتياجاته، وإن كانت هناك أخبار يرغب في نقلها لقضاء حاجة أو لزيارة مريض أو زيارة حاكم ونحو ذلك، وقد ترعرع وكبر وسط تلك العادات الكريمة، وكان العمل في المزارع أحد أهم الأحداث بالنسبة للشباب والأطفال، فهو جانب مهم من حياتهم الرجولية في المستقبل، حيث لابد أن يعمل ويهب لمساعدة الأهل والجيران في أعمالهم الزراعية.
دراسة ثم زواج
درس محمد الزيودي في مدرسة سيف الدولة في الفجيرة، وكان يذهب مع مجموعة من الطلاب في سيارة لاندكروزر، حيث تستغرق الرحلة ساعات طويلة، ويتذكر أنه لم يكن في حاجة ليذاكر الدروس، فقد وهبه الله ملكة حفظ كل كلمة يسمعها، وكان يحصل على درجاته كاملة، وما كان يعينه على ذلك والده ووالدته اللذين حرصا على أن يوفرا له كل ما يجعله متفوقا، ولذا يجد الوقت الكافي الذي يمنحه لوالده بحيث يقضي معه ومع رفاق والده الساعات، خاصة أنه أحد وجهاء الفجيرة وهو حلقة وصل بين رجال القبائل وبين شيوخ الإمارة.
وقد تم تزويج محمد الزيودي وهو في عمر الخامسة عشرة وكانت أمنيته أن يكمل تعليمه، وشعر أن الزواج سيكون عائقا أمامه، فهرب إلى مكان بعيد يوم عرسه، ولكنه عاد للأهل وللعروس التي كانت تنتظر، وقد استطاع أن يكمل حتى الصف الثالث الإعدادي ثم سجل في وزارة الداخلية بإدارة الجوازات، واستطاع أن يكمل في الفترة المسائية، وبعد حصوله على الثانوية العامة اختار دراسة القانون في جمهورية مصر العربية، وحصل على بكالوريوس في القانون من جامعة الإسكندرية.
عادات طيبة
كبر محمد مع زوجته عند والديه خاصة أنه وحيدهما، ولا يزال يذكر فنجان القهوة الذي يقدمه له والده وهو يودعه كلما غادر بعد كل زيارة لاستكمال تعليمه الجامعي، ولا يزال يتذكر أنه قبل السفر يذهب للعب كرة القدم مع الشباب الناشئة في المنطقة ثم في نادي الفجيرة الرياضي، حتى وصل إلى مدير الفريق الأول، وأسس أول مجلة أسماها الأهلي لمدة أربع سنوات، وبالنسبة لعلاقته مع الآخرين يشعر أن لديه رسالة وهي تقديم الخدمات للمجتمع الذي يعيش من خلاله، بحيث لا يبخل على أي شخص يستطيع مساعدته.
يحافظ محمد سيف الزيودي على عادة طيبة ورثها من والده رحمه الله عليه ومن رجال البثنة، وهو أن يجلس أمام المسجد من المغرب حتى العشاء فربما كان هناك من لديه استفسار أو له حاجة، وخلال فترة الدراسة في الخارج اتخذ من منهج الأهل والسلف معينا للعيش ولتحقيق النجاح.
الزيودي كان ابن بيئة تؤمن بأن الحياء شعبة من شعب الإيمان، ولذلك عندما كان يدرس في الخارج لم يكن يتواجد في الأماكن التي يمكن أن تجعله يحمل وزر النظر، ولم يدخل إلى سينما أو يذهب إلى مسرح، مع توفر كامل الحرية بعيدا عن الأهل والوطن، ولكنه كان يحمل رقيبا حيا من النفس اللوامة، وفي ذات الوقت يفكر في من وثقوا به، ويفكر في الجهة التي تنتظره ليؤدي الواجب ويحفظ الجميل.
محام غير مشتغل
وفي عام 1989 سجل ضمن المحامين في الدولة وتدرب على يد مبارك سعيد الزحمي، ومنح بعد التخرج ترقية لرتبة وكيل أول، وعمل في المحاماة حتى عام 1995، وكان يأخذ القضايا المؤجلة بسبب سفر المحامين لقضاء الإجازة، وفي عام 1999 ترك العمل في وزارة الداخلية والتحق بوظيفة نائب مدير الدوائر المالية في حكومة الفجيرة، ثم رقي إلى مراقب عام موظفي حكومة الإمارة.
وبناء على توجيهات صاحب السمو حاكم إمارة الفجيرة، عُين مديراً لإدارة الموارد البشرية لحكومة الفجيرة، وبالنسبة للمحاماة تحول إلى محامي غير مشتغل لأنه لا يحق له الجمع بين وظيفتين، وهو أيضا عضو مجلس إدارة في هيئة أمناء تنمية في الدولة، وممثل عن حكومة الفجيرة، وعضو مؤسس لنادي الموارد البشرية الاتحادي، ومن الهوايات المفضلة السفر في كل عام مع الأسرة، وخاصة إلى الدول العربية والتي اعتاد السفر اليها بالسيارة.
خير ونعم
في طفولته كان محمد الزيودي يقضي وقتاً كبيراً مع والده الذي كان من أعيان المنطقة، ومن أشهر شخصيات الزيود، والذي لم يحرم أبناءه من الخير والنعم، وكان كل أفراد العائلة يسكنون في بيت واحد، وبين أهل المنطقة وشائج قوية وتراحم وترابط.
المصدر: الفجيرة