السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ناصر العبودي: أسرار الإمارات في آثارها

ناصر العبودي: أسرار الإمارات في آثارها
3 نوفمبر 2010 21:09
لا يعرف ناصر حسين العبودي، الباحث وخبير الآثار المميز في مجال الآثار والتراث الحضاري لدى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، إلا أن يقول الحقيقة واضحة كما هي... لا يعرف التغليف ولا تزويق الكلام ولا تدويره ولا تحويره ولا اللعب على حباله. يقول ما يريد بصراحة، ومباشرة، يضع النقاط على الحروف، يوصِّف ويحلل ويعلق الجرس مدفوعاً بحبه للآثار، ووعيه لأهميتها في التأريخ للدولة، وحرصه على أن تحظى بما تستحقه من الرعاية والاهتمام. يقول إنه واحد من جيل الحالمين الذين رأوا أحلامهم تتشظى وتتفتت الى أشلاء، ويؤكد أن الوطن العربي تخلف وتهلهل ولم يتقدم، ويعتقد أن حال الآثار في الدولة اليوم ليس بأفضل منه في السابق، ويطالب بقانون يحمي الآثار حتى لا تتعرض للمزيد من الضياع. لم يكن العبودي يعرف حين اختار أن يتخصص في مجال الآثار إلا أنه يعشق هذا العمل، وبسبب شغفه هذا منحه عمره وجهده الفكري راضياً مختاراً، وذهب فيه إلى الأغوار السحيقة. تعمق في البحث وسعى وراء اللقى يقرأها، حدق في المواد التي كشفت عنها الحفريات وسرح ناظريه بعيداً في التاريخ العتيق. تراءت له حيواتهم حية طازجة كما لو أنها تعرض في شريط سينمائي متقن. تفرس في أرواحهم النائمة في أحفورة هنا أو فخارة هناك. حملها بحب، أزال عنها التراب، واستنطقها فباحت له بأسرارها الدفينة... الأسرار التي أدهشته وأخذته الى حقولها الممتدة لينتقي منها شاءت له رغباته وموضوعات كتبه التي تربو على 15 كتاباً، وشاءت له اهتماماته البحثية التي بلورها في قرابة الـ 45 دراسة وبحثاً، تلك الكتب كانت لقيته الحقيقية، أما تلك اللحظات المتجددة في حضرة الأسلاف فكانت وما تزال مصدر سعادته وألمه في نفس الوقت. وعي ستيني رغم ذلك لم تبدأ حكايته مع الثقافة من الآثار بل من الوعي الفكري والسياسي بشكل عام، فهو من جيل عاصر أحداثاً كبرى أثرت فيه، وتركت بصمتها على طريقة تفكيره ونظرته الى الأمور، ورغم أنه كان صغيراً نسبياً في الستينيات إلا أنه تأثر مثل غيره من المثقفين والمبدعين العرب بأحداثها الجسام: ثورة الجزائر، المقاومة التي شهدتها منطقة الخليج ضد البريطانيين، هزيمة العرب في عام1967، المقاومة الفلسطينية، حرب 1973 وغيرها. يقول: “كانت الفكرة القومية تعم الوطن العربي وكنا مثل غيرنا نتابع ما يجري حولنا. أنا واحد من ذلك الجيل الذي حلم بوطن عربي قوي ومتحد ومزدهر يحترم أبناءه ويسعى الى رقيهم، لكنني اعتقد أن الهجمة كانت أكبر من هذه الأحلام التي تحولت الى خيبات على اكثر من صعيد. من الواضح أنه كانت هناك رغبة من دول أجنبية في أن لا ينهض هذا الوطن ولا يتقدم ولا يتطور. ومما لا شك فيه أن ذلك المناخ النهضوي الباحث عن الحرية والاستقلال الوطني أثر في طريقة تفكيرنا ورؤيتنا للأمور. ? هل كنت تتخيل أن الأمور ستؤول إلى ما آلت إليه؟ ? حتى في أكثر الأحلام أو الكوابيس سوداوية وسوريالية لم يكن يخطر على بال أحد أن الأمور ستسوء الى هذا الحد. الآن تعود بي الذاكرة الى تلك الفترة، أتذكر كيف انطلقت المقاومة الفلسطينية بعنفوانها وما حملته من آمال عريضة في الحرية والكرامة. الفدائيون في ذلك الوقت كانوا أكثر أملاً وإخلاصاً ورقياً وليس كما هي الحال اليوم. ورغم أنني كنت في بدايات الصبا (في المرحلة المتوسطة) إلا أنني اذكر تماماً صور الفدائيين وتدريباتهم وأعمالهم النوعية. الغريب أن المجتمعات والدول والثورات تتقدم وتتطور ـ أو هكذا يفترض – لكن العالم العربي منذ الستينات الى الآن تخلف وتهلهل وضعف مع أنه من المفترض أن يكون أفضل نظراً لوجود الأموال والجامعات والتعليم والعقول. أعتقد أن ما حدث هو انتكاسة كبرى فمن أحلام الحرية والوطنية الى تكميم الأفواه والإعلام الموجَّه والممنوعات التي لا تحصى. ربما تقدم الوطن العربي على مستوى التقنية فقط، وهي تقنية مستوردة يدفع ثمنها بالدولار ومن لا يملك المال لا يحصل عليها. في مصر اضطر شخص لبيع كليته ليحصل على كمبيوتر(!). ? وماذا عن دور المثقف، هل تغير؟ ? لم يكن لدينا في المنطقة ثقافة بالمعنى المتداول للكلمة. كانت هناك بعض الصحف والمجلات التي تصلنا من الكويت ومصر وقلة من الأشخاص من المتعلمين والمتنورين. لكن لم يكن هناك حركة ثقافية بالمعنى العميق للكلمة، ولا مشروع ثقافي واضح، ولا مثقف تنويري قادر على التأثير في المجتمع وحركته، ربما وجد اثنان أو خمسة لديهم رؤية ثقافية تنويرية لكن لم تكن هناك وسائل إعلام تنقلها للناس. كان لدينا إذاعة أو إذاعتان تعملان كيفما اتفق ولم نكن نعيش في تقدم. كنا على الهامش، وحتى في مرحلة لاحقة (السبعينيات والثمانينيات) عندما تخرج الطلاب وعادوا بأفكار ثقافية لم تكن تتوفر على البعد الفكري والاستراتيجي والرؤيوي. كانوا يتحدثون عن التغيير والتقدم الاجتماعي وغيرها من الافكار لكن لم يفعلوا شيئاً، ولم يكن لهم ثقل أصلاً في البلد، وانصب اهتمامهم على الأدب والشعر. وما شهدته الثمانينيات لم يكن سوى فعل أدبي صرف وليس نشاطاً فكرياً تنويرياً يواكب عملية التحديث التي جرت بسرعة هائلة. في التراث على سبيل المثال، كانت المقاربات بسيطة والفكر الذي يكمن وراءها لا يتعدى الرغبة في الاهتمام بالماضي والحفاظ عليه كنمط حياتي باعتباره هوية للبلاد وأصالتها. هناك فارق كبير بين التخصص في الأدب وبين الوطنية كفكر ورغبة في التطور والتقدم المجتمعي، وهذا ما لم يقاربه المثقف، وهو ما يطرح علامات استفهام كبرى حول الدور المبتغى والدور الفعلي الذي يقوم به المثقف في المجتمع بشكل عام. هموم أثرية ? منذ تخرجك من جامعة بغداد عام 1977م وأنت تحمل همَّ الآثار على كاهلك، تابعتها حفراً وتنقيباً وترميماً وبحثاً، هل تعتقد أن واقع العمل الآثاري الآن أفضل من السابق؟ ? بدأت العمل في الآثار في العام 1977 ولغاية 1996 من القرن المنصرم، وما زلت مؤرقاً بهذا الهم رغم أنني تركت الوظيفة، وأتابع كل ما يجري على هذا الصعيد في الدولة وفي المنطقة، ويمكنني القول إن حال الآثار لم يكن جيداً في السابق وليس جيداً الآن. ربما لو تخصصت في أي مجال آخر لما حملت هذا الهم الذي يجعلني أتابع كل ما يحدث ويكتب وينشر في حقل الآثار. لدي مادة كبيرة يمكن للباحثين أن يستفيدوا منها لكن لا أرى أن هناك تحركا راقيا وعلميا. كل ما يحدث مجرد شذرات هنا وهناك، أبحاث وتقارير متناثرة بعضها معروض بشكل جيد وبعضها معرض للتلف لأنه غير معروض في بيئة مناسبة. يؤلمني أن أقول هذا لكن الإمارات تهتم بالتحديث التكنولوجي ولا تتعمق في الماضي، واشعر شخصياً أن الاهتمام به ضعيف. منذ بداية عملي طالبت بقانون للآثار وحتى اليوم لا يوجد قانون اتحادي للآثار. طالبت أيضاً بوجود هيئة للآثار ولم تتأسس إلا قبل سنة فقط. هناك دوائر متخصصة بالآثار لكنها ليست سوى مقر لكمٍّ من الموظفين المواطنين الذين لم ينجزوا أكثر من بحث في السنة. هناك تنقيبات يقوم بها الأجانب والإخوة العرب ومؤخراً يرافقهم مواطن أو اثنان لكن ما يقومون به غير متاح إعلاميا للناس. بعض المعلومات اندثرت ويجب أن نطلبها من الخارج. بعض التقارير التي وضعت في السبعينيات لا وجود لها، وحتى لو وجدت يصعب الحصول عليها، وغالباً ما يقال عنها “غير متاحة”. بالطبع هي موجودة في بلدانها حيث كتبت بلغات مختلفة انجليزية وفرنسية وألمانية وايطالية وغيرها. الآن تبدو لي الصورة العامة لواقع الآثار محزنة: فما حدث في هذا الحقل بسيط، غير مرتب، غير مخطط له، وهو أقل من الطموح ولا يؤدي إلى شيء. لم اعتقد شخصياً أننا بعد 33 سنة سنبقى نراوح مكاننا. ? العمل في حقل الآثار كما تعلم صعب وشاق، وتربية عالم آثار مسألة صعبة وتحتاج الى استعدادات خاصة، هل تعتقد أن هذا هو السبب في عزوف المواطنين عن التخصص في هذا المجال؟ ? ربما يكون هذا واحدا من الأسباب، فهذا العلم يحتاج فعلاً الى ملكات وقدرات خاصة، وعلى المتخصص فيه أن يحبه بل يعشقه لكي يصطبر على همومه. من ناحية أخرى أظن أن المواطن لم يجد جهة رسمية توجهه وتأخذ بيده وتحثه على مثل هذا التخصص. صحيح أن إرسال طلاب للدراسة لا يعني ان يعودوا كلهم علماء ومفكرين وقادرين على البحث العلمي، لكن صحيح أيضاً أن بعض هؤلاء المبتعثين قد يكونون آثاريين جيدين، ويمكن بالجد والاجتهاد أن يكونوا باحثين مميزين. أما فيما يخصني فقد تخصصت في الآثار بدافع الحب والشغف. كانت تلك رغبتي الشخصية ولم يشجعني عليها احد ولم أتلق أي توجيه من أي جهة تعليمية. لقد أعطيت مهنتي حقها فأعطتني الكثير من الفرح والعلم والمعرفة التي اعتبرها كنوزاً حقيقية تشع في فضاءات روحي وتؤنسني، وكثيراً ما أنستني الصعوبات والإحباطات ودفعتني الى العمل. ? أي صعوبات تعني؟ ? كنا في السابق نعمل بشكل فردي. كانت رعاية الحكومة ضعيفة ولم تكن هناك خطط، وكم رغبت وجهدت لتحريك هذا القطاع. كنت المواطن الوحيد المتخصص، وكان إخوتنا العرب يقومون بالعمل المطلوب منهم ولا ينتقدون أو يشيرون بشيء. عندما بدأت العمل لم يكن في الشارقة ولا في دبي شيء اسمه اهتمام بالآثار. كان هناك متحف دبي لكنني منقب آثار وأريد العمل في الحفر والتنقيب. لهذا كنت اذهب الى العين يومياً لكي أرى العلماء والآثاريين كيف يعملون، واقرأ التقارير التي يكتبونها. بالطبع لم أعمل في تخصصي في البداية بل عملت نائباً لمدير إعلام الشارقة، ثم انتقلت الى أبوظبي للعمل كرئيس لقسم المكتبات في وزارة الإعلام والثقافة حيث لم تكن هناك وظيفة في مجال الآثار. ولأن طبيعة العمل تختلف كنت أجد صعوبة في توفير الأدوات التي أحتاجها في عملي، ووقفت طبيعة العمل مراراً أمام عدم حصولي على الأدوات التي أحتاجها... لكن أمام إصراري ورغبتي الشديدة استجاب المسؤولون وأصبحت رئيساً لقسم الآثار، وطبعاً كنت رئيس القسم والموظف الوحيد فيه والفراش وكل شيء. كنت وحدي، اعمل وابحث واكتب وأصور وأقوم بكل شيء. ومهما حقق عمل من هذا النوع فإنه يبقى عملا فرديا وليس عملا مؤسساتيا. وفي فترة لاحقة انتدبت للعمل في حكومة الشارقة التي أبدت اهتماماً بالآثار لكن في مجال الترميم وليس التنقيب. فقد وفرت الملايين من اجل الترميم فيما كانت المبالغ المرصودة للتنقيب ضئيلة. وفي حقل الآثار إذا لم يتوفر المال والمتخصصون ولم يكن هناك بحث ولا تنقيب ولا إمكانات ولا مختبرات ولا مخازن فلا وجود لشيء اسمه آثار. في المقابل، كان المال متوفراً لدى الإدارات المحلية، في العين ورأس الخيمة ودبي والشارقة، وكنت احلم بأن تتحسن الأمور وتجتمع كلها تحت مظلة واحدة تشمل كل الإمارات. رممتها.. ومنحتها تاريخاً ? ما هو أول عمل قمت بترميمه؟ وأين؟ ? في الشارقة القديمة، كان ترميم بيت النابودة وسوق العرصة. ? هل هو العمل الذي منحت بموجبه جائزة العويس للدراسات والابتكار العلمي؟ ? نعم، كما حصلنا على جائزة منظمة المدن العربية في قطر. كانت جائزة شخصية وجاءت المشاركة عبر البلدية وليس دائرة أو متحف آثار. ? قمت ايضاً بترميم برج المقطع... ? لم أرممه فقط، بل منحته تاريخاً. هذا المبنى غير مؤرخ وقد منحته تاريخاً من خلال المعمار. كذلك مسجد البدية الذي لم يكن حوله أي شيء مكتوب، ومن خلال دراستي لعمارته أعطيته تاريخاً... هذا ما أقدر عليه. ? عملت مع مختلف البعثات الأجنبية التي نقبت في الدولة، هل لديك ملاحظات على طبيعة هذا العمل؟ ? لا، لم تكن لدي ملاحظات بل كنت أدافع عنهم حتى لو كان في عملهم بعض الأخطاء، والسبب انهم كانوا افضل الموجود. هم الوحيدون الذين كانوا يعملون في غياب الاهتمام من الدولة، وفي ظل عدم وجود قدرات علمية لدى الدوائر المحلية، فهل أعرقل مثل هذا الجهد؟ ثم إن ما يقومون به يضع بين ايدينا المواد واللقى والتقارير وهذا ما كنت أبحث عنه. ناهيك عن الخبرة التي كانت توفرها لي مشاركتي معهم، وهي خبرة ميدانية وعلمية يحتاج اليها كل باحث في الآثار. ? هل الآثار وثائق دقيقة يمكن الاعتماد عليها في كتابة التاريخ؟ وهل المعرفة المتحصل عليها من خلالها هي معرفة محايدة؟ ? نعم... بكل تأكيد. نحن ننطلق من الآثار في كتابة التاريخ القديم لمنطقة معينة وحضارة تلك المنطقة. الباحث يعود الى الوثائق المكتوبة لكتابة التاريخ لكن حين تنحسر الوثائق لأي سبب، ندخل في المجهول والغامض ولا نجد أمامنا سوى الآثار لتخبرنا او تقدم لنا المعلومات حول تلك الفترات البعيدة، لتضيء لنا تلك المجاهيل وتجلي لنا ما غمض علينا. في الإمارات تزداد أهمية الآثار حيث نفتقر للوثائق المكتوبة عن تاريخ الإمارات القديم، فقبل مئتي سنة لا وجود لوثيقة ولا شيء مكتوب. هنا، تقدم لنا المواد التي خلفها البشر (كتابات على الحجر، رسومات، تماثيل، أبنية، لقى... وغيرها) المعلومات، وبدراستها يمكن اكتشاف واستنباط تاريخ المنطقة القديم، ومن هنا تتضح الأهمية البالغة للآثار في دولة مثل الإمارات وضرورة العناية بها عناية خاصة. وعلى سبيل المثال لقد اكتشفنا من خلال الحفريات واللقى التي عثر عليها أنه كانت لدينا علاقة مع وادي الرافدين، ووجدنا كتابات سومرية وأكدية في أم النار وبعض المناطق. واكتشفنا المسند الجنوبي الحميري في موقع “مليحة” بالشارقة و”الدور” في أم القيوين، كذلك وجدنا الخط الآرامي الذي يوجد في بلاد الشام، واكتشفنا خطوطا باليونانية. وهكذا تخبرنا الآثار أن هذه المنطقة كانت لها علاقات تجارية مع محيطها وتعرفنا الى نوعية التجارة التي كانت توجد بيننا وبين بلاد الرافدين، ومنطقة السند والجزيرة العربية، وما هي المواد التي كانت تستخدم في التجارة ونوعية التجارة الرائجة في مراحل تاريخية او حقب معينة. أكثر من ذلك، لدينا الآن وجه إماراتي موجود على صدفة، يعود الى 2500 عام قبل الميلاد، وهو شخص من ما نسميه الآن شبه جزيرة عمان أو ماجان، مرسوم بملابسه وشكله، ورغم انه بسيط الا انه يعبر عن ابن هذه المنطقة. علم الآثار يمكن أن يكشف الكثير عن طبيعة حياة مجموعة بشرية ما، عن أسماء، مبان، طرق بناء، نمط العيش والأكل والزراعة واللباس والتقاليد وغير ذلك. لقد قدمت لنا مواقع مليحة وهيلي وأم النار والدور ومواقع اخرى في رأس الخيمة معلومات كثيرة وغزيرة عن منطقة الخليج. تل الأبرق الذي يقع بين الشارقة وأم القيوين، على سبيل المثال، كشف لنا وجود علاقات بيننا وبين الهند تعود الى ما يقارب ألفي سنة قبل الميلاد. بوح اللقى ? باحت لك الآثار بالكثير على مستوى المعلومات، فما هي أهم حلقات هذا البوح؟ ? هذه البقعة من الارض التي تسمى شبه جزيرة عمان كانت قبل فترة وجيزة منطقة قاحلة، ضعيفة، مهمشة، لكن من يحفر فيها يكتشف كم هي غنية حضارياً، وكم تحتضن في أعماقها من الكنوز، وكم كانت فاعلة وتتواصل مع محيطها الحضاري. يقول موقع البحايص (البحيص) إنه قبل سبعة آلاف عام قبل الميلاد كان على هذه الأرض بشر، وسكان لهم تاريخ عريق وعلاقات مع من حولهم. نحن لا نقول إنه كانت لدينا حضارة تضاهي حضارة وادي الرافدين أو السند أو فارس أو اليمن، لكننا بتنا واثقين أن بلادنا كانت تقع في صلب طرق التجارة العالمية في العالم القديم. في الخمسينيات من القرن الماضي كانت هذه الأرض منسية، فيها بعض تجارة الخيران (خور دبي، الشارقة، أبوظبي) ولم يكن لها ثقل اقتصادي أو تجاري. لكن هذا لا ينفي أن جلفار (في القرن 14) ـ وهذه بالمناسبة واحدة من دراساتي المتخصصة ـ كان لديها ثقل تجاري كمدينة مهمة في الخليج لها علاقات مع آسيا أكثر من مدن اخرى كثيرة في قطر والبحرين والكويت. إذن، لكي نستكشف العمق الحضاري والتأثير الحضاري علينا أن نشتغل، بمعنى أن نبحث وننقب ونولي هذا الحقل ما يستحقه من أهمية. نحن بحاجة الى بحث علمي، مركز علمي، باحثين متخصصين، دارسين، متدربين، أعمال تنقيب، وقبل ذلك كله نحتاج الى قانون يحمي هذه المواقع. لقد أزالت حركة التحديث والتعمير والتنمية الكثير من هذه الآثار، وقد قلت هذا وكتبته اكثر من مرة وسأظل أقول إن البلديات وشركات المقاولات والبناء أزالت الكثير من المواقع بشكل عشوائي. الآثار باحت لي أيضاً بأننا كأهل الإمارات كنا موجودين كبشر، كسكان أصليين سكنوا الصحارى والجبال والسواحل، وكان لهم حضورهم في التاريخ لكنها أخبرتني أيضاً أننا لا نعرف الكثير عن لغتهم، حيث لا وجود لكتابة وبالتالي لا وجود للغة قبل 400 ق. م. فبأي لغة إذن كان الإماراتيون القدامى يتحدثون؟ هذا سؤال خطير على الجهات المسؤولة ومراكز البحث والوزارات أن تجيب عليه. أنا شخصياً لا أملك الإمكانات لا المادية ولا العلمية لأجيب عليه، لكن بالإمكان الإجابة عليه. من أين جاء هؤلاء السكان؟ كيف تكونوا؟ ما هي أصولهم؟ هذا يحتاج الى دراسة أنثروبولوجية تستفيد من العلم الحديث لمعرفة كل ما يتعلق بهؤلاء الأجداد والأسلاف. ? كيف ترى المدينة العربية الحديثة، وهل نحن في حالة فقدان وعي معماري وتراثي؟ ? المدن العربية ضيعت تراثها، وأي مدينة عربية هي مدينة نمطية مثل أي مدينة غربية، لا تعدو أن تكون مربعات متقاطعة، وبنايات شاهقة لا تختلف عن نيويورك أو لندن، إلا بعض أن الدول التي حافظت على بعض الأماكن التراثية. لقد أزالت الدول العربية تاريخها، وخططت المدن من جديد وأنشأت البنايات على الطراز المعماري الحديث وتخلصت من الطراز العربي، ما جعلها مدناً متغربنة، لا خصوصية لها، ولا شخصية معمارية. ولقد حاول بعض العلماء والباحثين والمعماريين العمل على إيجاد نوع من الخصوصية التي تمنح المدينة هويتها لكنهم عجزوا لأن السوق “يحكم”، أو كما يقال “السوق بدها هيك”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©