حسام محمد (القاهرة)
المتابع لإعلانات الفضائيات يجد أن عيادات ومستشفيات التجميل أصبحت تطغى عليها وبقوة، بل إن أخبار إجراء المشاهير للعديد من تلك النوعية من العمليات أصبحت المهيمنة على الأخبار، وكثير من النساء أصبحن ينخدعن بإعلانات التجميل في ظل انبهارهن بما تعرضه والمشكلة أن الكثيرات يقدمن على إجرائها من دون معرفة الرأي الشرعي فيها.
حمى التجميل
بداية تقول الدكتورة عفاف النجار أستاذ الفقه بجامعة الأزهر: تشهد المجتمعات العربية حالة من حمى إجراء عمليات التجميل وحتى النساء اللاتي لا يملكن المال الكافي لإجراء ذلك النوع من العمليات يسيطر عليهن هاجس البحث عن الوسيلة المناسبة تمكنهن من الخضوع لتلك العمليات، وللأسف، فإن هذه الحمى سببها الدور السلبي الذي تقوم به الأفلام والمسلسلات، وما يسمى بالفيديو كليب، حيث تسيطر صورة بطلات تلك الأعمال على المرأة التي تقع في صراع نفسي بين القيم والتعاليم الإسلامية وبين رغبتها لتقليد صورة الممثلة التي تظهر على الشاشة سواء مطربات أو فنانات أو مذيعات، فهذه النماذج تشوه ترتيب الأولويات لدى الفتاة والشاب، فبدلاً أن تكون الأولوية للجد والتفوق والنجاح في بناء أسرة يصبح شغلها الشاغل مواكبة الموضة، ونلاحظ في الفترة الأخيرة الكثير من العمليات الفاشلة التي ينجم عنها تشويه معالم وجوه البعض ونظرة على إحصائيات فشل عمليات التجميل توضح لنا النتيجة المروعة لذلك الأمر.
وتضيف : لا بد ونحن ننظر النظرة الشرعية لعمليات التجميل أن نفرق بين أمرين رئيسين، وهو أن هناك عمليات تبيحها الشريعة الإسلامية ولا ترفضها، وهي ما تسمى الضرورية أو التكميلية، وهي التي لا يوجد مانع شرعي يحرم الجراحات التكميلية لأن القاعدة الشرعية تقول «لا ضرر ولا ضرار» كأن تكون الفتاة أو المرأة تُعاني خللاً ما يشذ عن الشكل الطبيعي، حيث إن في ذلك النوع من العمليات تهذيب للأمور وإرجاعها إلى طبيعتها وعودتها إلى أصول الفطرة التي فطر الله الناس عليها دون تعد أو تغيير لخلق الله ومع التطور التكنولوجي والتقدم الطبي الذي نعيشه لا يمكن أن نترك الإنسان يعاني المرض ويصبر عليه، بل يجب أن تجرى له عملية تجميل لإصلاح هذه العيوب بتقرير من الطبيب الثقة.
أما النوع الثاني من عمليات التجميل والتي غايتها التجميل من أجل التجمل - تستطرد د. عفاف النجار - فالشرع يتعامل معها على أنها عمليات محرمة شرعاً لأن الله فطر الناس ليسوا كلهم على شكل واحد، بل منهم الأبيض والأسمر، كما أن هناك نسبة وتناسب بين العين والفم والأنف وجميع الأعضاء، وهو قدر نهى الخالق عن تغييره أو اتباع خطوات الشيطان الذي توعد بني آدم بأنه سيأمرهم ليغيروا خلق الله، وهذه يرفضها الإسلام إلا بالدليل الطبي القاطع والبرهان، فلا إجراء عمليات التجميل لمجرد الرغبة في التغيير من دون دواع صريحة غالبة.
جمال.. بالفطرة
من جانبه يقول الدكتور محمد كمال إمام عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ورئيس قسم الشريعة بجامعة الإسكندرية: لا بد من التأكيد على أن الإسلام دين الجمال ويحث كل إنسان عليه من الجمال المعتبر في الإسلام جمال صورته ومن الجمال المعتبر في الإسلام جمال النساء، قال النبي عليه الصلاة والسلام لعمر: «ألا أخبركُ بخيرِ ما يكنزُ المرءُ؟ المرأةُ الصالحةُ، إذا نظرَ إليها سرَّتْه، وإذا أمرَها أطاعَتْه، وإذا غابَ عنها حفظَتْه»، وهكذا يرحب الإسلام بالجمال ويحث عليه، لكن الإسلام هنا يقصد الجمال الفطري الذي لا يتعارض مع الشريعة، لكن ما نراه اليوم من مبالغة في تقليد نجمات الفيديو كليب هي آفة أصابت البنات والشباب، ولكن تظهر لدى الإناث بشكلٍ أوضح لأنهن يأتين بأشياء صارخة يرفضها الشرع والذوق العام، فبعضهن تزيل شعر الحواجب تماماً وتستخدم الوشم أو تقوم بإجراء عمليات تجميل لتصغير أو تكبير بعض أجزاء الجسم دون حاجة حقيقية أو طبية لذلك، وهذا كله حرام شرعاً، لأنه تغيير لخلق الله سبحانه وتعالى.
يضيف د. إمام: الإسلام تعامل بوسطية مع عمليات التجميل انطلاقاً من وسطيته واعتداله بلا تفريط ولا إفراط، حيث أجازت الشريعة الإسلامية على سبيل المثال إزالة الإصبع الزائدة أو الأكياس الدهنية التي تظهر في مواضع مختلفة من البدن أو إزالة الدهون المتجمعة على البطن إذا كانت تضر بالإنسان ضرراً لا يرجى زواله إلا بإزالتها، كما يجوز ترقيع الجلد المحترق أو المصاب سواء كان الترقيع بجلود طبيعية أو ببدائل مباحة أخرى لأن هذا يعد من التداوي الذي رغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أسامة بن شريك: «كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب، فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟.. فقال: نعم يا عبد الله تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد.. قالوا: ما هو؟.. قال: الهرِم»، أما الجراحات التجميلية التي يقصد بها تغيير الخلق ابتغاء للحسن والجمال أو المزيد منهما كعمليات شد الوجه والرقبة وتصغير الشفتين أو الأنف وتفليج الأسنان ونحو ذلك، فإنه لا يجوز شرعاً ذلك لما فيه من تغيير خلق الله سبحانه، وقد نهى الشرع عنه، قال تعالى: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا)، «سورة النساء: الآية 119»، وقال سبحانه: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ)، «سورة البقرة: الآية 138»، وروي عن ابن مسعود أن رسول الله قال: «لعن الله الواشمات والمستوشمات والواصلات والمستوصلات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله».
ويُشدد د. كمال إمام على ضرورة مواجهة الإعلام الذي يلعب على وتيرة إثارة حمى الجمال لدى المرأة، ولا بد أن تعي المسلمة أنه لا يوجد أجمل من جمال الخلق الذي خلقه الله عز وجل لكل امرأة في كل فترة من فترات عمرها ويجب أن تجمل شخصيتها بالثقافة التي تليق بها، فلكل مرحلة جمالها ويجب على المرأة والرجل أيضاً أن يعتز كل منها بكل مرحلة، وأن يحسن التعامل في كل سنوات العمر بثقافة مختلفة تتناسب مع المرحلة العمرية، وأن يدرك كل منهما أن عمليات التجميل التي تغير من خلق الله مرفوضة تماماً وحرام شرعاً لأن فيها سوء أدب من المخلوق تجاه خالقه.
تجميل الحروق
الدكتور محمد الشحات الجندي أستاذ الشريعة الإسلامية قال: الإسلام أباح بالفعل عمليات التجميل الضرورية التي يؤكد الطبيب أهمية إجرائها التي يكون هدفها علاج عيب خلقي ولد الإنسان به أو نتج عن حادث كتشوّه في بعض المناطق في جسم الإنسان كالحروق وما إلى ذلك، وهذا النوع من الجراحات مباح شرعاً لما في عيب الولادة من أضرار جسيمة تقع على الشخص من الشكل، فالحروق والعيوب التي نشأت بسبب حادث لا حرج على المريض أن يجري عمليّة تجميلية، لأنّ ذلك قد يؤدّي إلى ضرر نفسي، فبمعالجة هذه المشكلة قد نبتعد عن هذه الأمراض النفسية.