حسونة الطيب (أبوظبي)
الهجرة هي واحدة من سمات الحياة الاجتماعية والاقتصادية في العديد من البلدان حول العالم، إلا أن ملف المهاجرين يختلف من مكان إلى آخر، وفقاً لتنوع مصادر الهجرة نفسها. وبينما يملك السكان في معظم الدول الأوروبية، حرية التنقل، تلعب الهجرة المنظمة للعمال في أستراليا وكندا ونيوزلندا، دوراً غاية في الأهمية. ومهما تنوعت الهجرة، من عائلية وإنسانية، فإنها تؤثر بشدة على المجتمعات والاقتصادات.
15% من سكان العالم في حالة نزوح، بينهم 244 مليوناً مهاجرون خارج أوطانهم ونحو 763 مليوناً في الداخل، وفقاً لإحصاءات صادرة عن الأمم المتحدة، هي الأكبر من نوعها على الإطلاق. ويُعزى عدد كبير من هذه التدفقات، لشح في الموارد الطبيعية وللتحديات التي ترتبط بالمياه في أرجاء متفرقة من العالم.
ومعظم هؤلاء اللاجئين أي نحو 84%، نزحوا إلى دول ذات دخل متوسط أو متدنٍ حتى نهاية 2016، مع واحد من بين كل ثلاثة في البلدان الأقل نمواً. وربما تعود أسباب ذلك، لقرب هذه الدول من تلك التي تقع فيها المشاكل أو الحروب التي دعت للهجرة.
وفي الوقت الذي يحتدم فيه الجدل حول الهجرة، فإن مساهمات المهاجرين، تظل من العوامل الهامة التي تدفع بالنمو الاقتصادي. ورغم الحصة الصغيرة التي يضيفونها إلى الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصاد الأميركي، فإنها لا تزال تشكل ما بين 0.2 إلى 0.4% بنحو 36 إلى 72 مليار دولار سنوياً، بحسب معهد جورج دبليو بوش. وتقدر نسبة العلماء في مجال الطب في أميركا والمولودين خارجها، بنحو 44%، في حين تبلغ نسبة المطورين في قطاع الكمبيوتر 42%.
والأغلبية العظمى من المهاجرين عبر البحار إلى أوروبا، بسبب الاضطهاد والحروب والمجاعة وأقل من 20% منهم لأغراض اقتصادية، بحسب تقرير نشرته صحيفة الجارديان البريطانية.
وبحسب تقرير صادر عن وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، يظل عدد كبير من الناس في حالة نزوح داخل بلدانهم، إلا أن نحو 25.4 مليون شخص هربوا لبلدان أخرى حول العالم كلاجئين، أكثر من نصفهم من الأطفال. ومن إجمالي عمر البشرية 3400 سنة، عاش الإنسان 8% فقط منها بسلام، حيث لقي نحو 108 ملايين شخص حتفهم في الحروب خلال القرن العشرين.
وواحد من بين كل 113 شخصاً يعيش لاجئاً في الوقت الحالي، بينما يتم نزوح شخص ما، كل ثلاث ثوانٍ حول العالم، سواء بسبب الاضطهاد أو الحروب أو العنف. وارتفع عدد النازحين في 2016، إلى 65.6 مليون شخص، وفقاً لتقرير الوكالة.
وللوصول لمعرفة الفوائد والأضرار، يمكن النظر لآثار الهجرة في ثلاثة محاور، سوق العمل والمحفظة العامة والنمو الاقتصادي.
وشكل المهاجرون، 47% من الزيادة في القوة العاملة في الولايات المتحدة الأميركية و70% في أوروبا، على مدار السنوات العشر الماضية. ويسد المهاجرون، تخصصات هامة، سواء في القطاعات سريعة النمو أو المتراجعة في الاقتصاد، بجانب مساهمتهم بنسبة كبيرة في مرونة سوق العمل في أوروبا، بحسب تقرير «حوارات سياسة الهجرة» السنوي الذي تصدره منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
كما ترجح نسبة الضرائب التي يدفعونها ومساهماتهم الاجتماعية، على الفوائد التي يجنونها، بالإضافة إلى مساهماتهم المالية في المحفظة العامة. كما يعمل المهاجرون، على زيادة سن العمل، خاصة في البلدان التي تعاني من نقص في الأيدي العاملة نتيجة كبر السن، مثل اليابان وبعض الدول الأوروبية.
ولا شك في أن المهاجرين، يجلبون معهم خبراتهم ومهاراتهم الحرفية والتقنية، ما يساعد في تنمية رأس المال البشري للدول التي تحتضنهم. ومنذ عام 2000، شكل المهاجرون 31% في زيادة نسبة الفئة العاملة من ذوي التعليم العالي في كندا، ونحو 21% في أميركا و14% في أوروبا.
ورغم أن معظم حالات الهجرة، ليست مدفوعة بالحاجة للقوة العاملة، فإن المهاجرين يلعبون دوراً هاماً في معظم القطاعات الهامة للاقتصاد. ويشكل المهاجرون 22% من العاملين الجدد في الوظائف ذات النمو القوي في أميركا وبنحو 15% في أوروبا، وتشمل هذه الوظائف، الرعاية الصحية والعلوم والتقنية والهندسة والرياضيات.
ويشكل المهاجرون في ذات الوقت 25% من عمليات التوظيف الجديدة في أكثر الوظائف تراجعاً في أوروبا بنحو 24% وفي أميركا بنسبة قدرها 28%. وبينما تتضمن هذه الوظائف، الحرف والعمال في مجال التجارة ومشغلي ومجمعي الماكينات، في أوروبا، يتركز المهاجرون في أميركا في وظائف الإنتاج والصيانة والتصليح والتركيب.
وقد أشارت دراسة أوروبية أعدها توماس ليبيج وجيفري مو، من سكرتارية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلى أن تأثير موجات الهجرة التي وصلت أوروبا على مدى الخمسين سنة الماضية، يقارب الصفر تقريباً، وبالكاد تجاوز 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي سواء سلباً أو إيجاباً. ويبرز هذا التأثير، بصورة جلية في سويسرا ولوكسمبرج، حيث تقدر مساهمة المهاجرين بنحو 2% في الناتج المحلي الإجمالي.
وبذلك، لا يمثل المهاجرون عبئاً على المحفظة العامة، ولا فائدة يمكن من خلالها التصدي للتحديات المالية. ويعني ذلك، مساهمتهم في تمويل البنية التحتية العامة، على الرغم من أنها دون مستوى المواطنين.
وعلى العكس مما هو شائع، يتميز المهاجرون من محدودي التعليم، بوضع مالي أفضل من نظرائهم في بلد المهجر. والعمالة هي العامل الوحيد الأكثر أهمية في المساهمة المالية للمهاجرين، لاسيما في البلدان التي تتمتع برفاهية كبيرة. ولاشك في أن مساواة معدل توظيف المهاجرين بنظرائهم المواطنين يعود بفوائد مالية جمة في العديد من بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، خاصة فرنسا والسويد وبلجيكا. كما يعود ذلك، بالفائدة على المهاجرين أنفسهم، لتحسين مستوى معيشتهم ومعيشة أسرهم. ولذا، ينبغي النظر للجهود المبذولة، لصهر المهاجرين في المجتمع، بالاستثمار وليس بالتكلفة.
وتسهم الهجرة في انتعاش عمليات الابتكار والنمو الاقتصادي، بيد أنها لا تخلو من الآثار المباشرة وغير المباشرة على ذلك النمو. وتؤثر الهجرة على التركيبة السكانية، ليس على صعيد زيادة عدد السكان فحسب، بل بالتغيير في تسلسل العمر الهرمي للبلد المُضيف. ويتركز المهاجرون في مجموعة صغار السن ومن ينشطون في الاقتصاد.
وعادة ما يكون من بين المهاجرين القادمين أصحاب خبرات ومقدرات متنوعة تكمل رأس المال البشري لذلك البلد المُستقبل. وبلغ على سبيل المثال عدد المهاجرين من ذوي الشهادات العليا في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، نحو 30 مليوناً في 2010/11. ويقدر عدد الطلاب الأجانب الذين درسوا في الجامعات والمعاهد والكليات الأميركية في 2016، نحو مليون طالب وطالبة، أضافوا نحو 35 مليار دولار لاقتصاد البلاد، بحسب «يو أس نيوز دوت كوم».
وعلى صعيد السلبيات، تعمل الهجرة على تغيير عامل الأسعار، حيث تقود لخفض أجور المنافسين الآخرين، في نفس الوقت الذي ترفع فيه العائد على رأس المال وأجور العمال التكميليين. ويعني ذلك، أن العائد يذهب لمالكي رأس المال من رجال أعمال ومالكي أراضٍ ومستثمرين.
وفي ظل الفوائد التي تنجم عن الهجرة، فإن حقيقة ما يكتنفها من سلبيات، ليست كافية لحظرها وفرض القيود عليها، بل ينبغي تنظيمها فقط، حيث يمكن الوصول لآليات للاستفادة من الهجرة، في ذات الوقت الذي يتم فيه تعويض الخسائر.
وفي نهاية الأمر، ينبغي القول إن الهجرة تمثل قوة إيجابية في العالم لا محالة، خاصة في دول مثل أميركا وكندا. وينبغي على كل أمة، امتلاك المقدرة والرغبة في نشر وتقاسم روح الحرية مع الآخرين، ومن ثم من الضروري تشجيع روح المهاجرين الرائدة في كل منعطف، خاصة وهي التي شكلت أميركا وكندا أكثر من أي شيء آخر. وتستمر الهجرة، لتعمل كواحدة من القوى المشتركة الكبرى في القرن الجديد.
إحصائيات
• الحروب والعنف يدفعان 80% من الناس للهجرة نحو أوروبا عبر البحار، بينما أقل من 20% لظروف اقتصادية.
• العالم يعيش 8% فقط من السلام في عمر البشرية.
• الحروب تحصد 108 ملايين من الأرواح على الأقل خلال القرن العشرين.
• واحد من بين كل 113 شخصاً يعيش لاجئاً في الوقت الحاضر.
يتم نزوح شخص كل ثلاث ثوانٍ حول العالم، بسبب الحروب والعنف والاضطهاد.
• بلغ عدد النازحين بنهاية 2016، نحو 65,6 مليون، ما يزيد على سكان المملكة المتحدة.
• يعيش نحو 15% من سكان العالم في حالة هجرة، أكثر من 244 مليون مهاجر في الخارج ونحو 763 في الداخل.
• 84% من اللاجئين تستضيفهم دول نامية.