20 يناير 2011 20:33
ارتفعت مطلوبات المصارف الأجنبية (القروض) على الاقتصادات العربية خلال الأشهر التسعة الأولى من 2010 إلى 309 مليارات دولار، مقابل 263 مليار دولار بنهاية 2009، بزيادة 17,4%، بحسب دراسة “تداعيات الأزمة المالية العالمية على الأوضاع المالية العامة في الدول العربية المصدرة للنفط والغاز” الصادرة مؤخراً عن صندوق النقد العربي.
وبلغت حصة القطاع المصرفي في دول مجلس التعاون من هذه المطلوبات أو القروض نحو 69 مليار دولار، وحصة القطاع الخاص غير المصرفي 133 مليار دولار.
وأرجع الدكتور نبيل جورج دحدح مقدم الدراسة الارتفاع في الاقتراض العربي من القطاع المصرفي الأجنبي، وخصوصاً من قبل دول مجلس التعاون، إلى زيادة حاجة المنطقة لتمويل النشاط الاقتصادي خصوصاً في قطاع الصناعة الاستخراجية ومشاريع التطوير العقاري والأنشطة السياحية.
وقالت الدراسة “اتخذت معظم الدول العربية سياسات نقدية توسعية بغية التصدي لشح السيولة في القطاع المصرفي المحلي والحفاظ على الاستقرار النقدي وتم في هذا الإطار استخدام الأدوات غير المباشرة في السياسة النقدية”.
فقد طبقت تلك الدول تخفيضات متتابعة على أسعار الفائدة شملت سعر الخصم وسعر الإقراض لليلة واحدة وسعر الفائدة على الاقتراض بين المصارف، كما قامت السلطات النقدية في عدة دول عربية بتخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي على الودائع لدى القطاع المصرفي أكثر من مرة لتوفير المزيد من السيولة للمصارف.
واستعرضت الدراسة اجراءات الدول العربية تجاه الأزمة قائلة “إن بعض دول مجلس التعاون اتبعت سياسة الدعم المباشر للقطاع المصرفي فيها، فأتاحت الفرصة للمصارف للاستفادة من تسهيلات ائتمانية، حيث وفرت مؤسسة النقد العربي السعودي 40 مليار دولار والإمارات 33 مليار دولار، منها 19 مليار دولار من السلطات المالية و14 مليار دولار من مصرف الإمارات المركزي”.
كما أعلنت الكويت وعُمان استعدادهما لتوفير سيولة إضافية للمصارف المحلية إذا دعت الحاجة، كما أعلنت بعض الدول العربية عن ضمان كافة الودائع لدى المصارف العاملة فيها بغرض إعادة الثقة في القطاع المصرفي.
وأفادت الدراسة بأن الآثار المباشرة للأزمة على الدول العربية تفاوتت من دولة إلى أخرى طبقاً لدرجة تطور القطاع المالي والمصرفي ومدى انفتاحه على نظيره العالمي، ومدى تعامل هذه الدول مع الأسواق العالمية لرأس المال.
وأشارت الدراسة إلى أن أبرز تداعيات الأزمة المالية العالمية على البلدان العربية تتمثل في بروز المخاوف من شح السيولة في القطاع المصرفي وتدهور جودة الأصول المصرفية وعدم قدرة مقترضين على السداد، الأمر الذي بات يهدد سلامة القطاع المصرفي.
كما تراجعت معظم مؤشرات أسواق الأوراق المالية العربية بحدة، مما أدى إلى خسائر لحقت بالقطاع المصرفي في دول عربية كانت قد أجازت الاقتراض من المصارف بغرض الاستثمار في سوق الأسهم مقابل رهن ملكية الأسهم لهذه المصارف.
وكان أول وأسرع القطاعات تأثراً بالأزمة القطاع العقاري، حيث تراجع الطلب على الوحدات السكنية والتجارية في عدة دول عربية، خصوصاً في مشاريع التطوير العقاري، وكذلك قدرة المقترضين على الوفاء بالتزاماتهم تجاه المصارف.
كما نجم عن زيادة حالات القروض المتعثرة لدى المصارف اضطرارها إلى زيادة حجم المخصصات، ومع تناقص السيولة المحلية ارتفعت أسعار فائدة الاقراض ما بين المصارف وازدادت تكلفة التمويل طويل الأجل في ظل شح مصادر التمويل المحلية والأجنبية.
وعلى صعيد تداعيات الأزمة على أسواق الأوراق المالية العربية، قالت الدراسة “هبطت مؤشرات جميع هذه الأسواق في العام 2008 باستثناء تونس”، حيث كانت أسواق مجلس التعاون لدول الخليج العربية الأكثر انخفاضاً.
كما هبط المؤشر المركب لصندوق النقد العربي لأسواق الأوراق المالية العربية بنسبة 49,4% في عام 2008 متجاوزاً التراجع في معظم الأسواق المتقدمة والناشئة.
كما واصلت أسواق الأوراق المالية العربية تراجعها في النصف الثاني من عام 2009، إلا أنها أنهت العام على تحسن، حيث ارتفع مؤشر صندوق النقد العربي لهذه الأسواق بنسبة 18,1% لعام 2009.
وأضافت الدراسة “رغم استعادة أسواق الأوراق المالية العربية استقرارها، إلا أنها تبقى هشة، فهذه الأسواق لم تصل إلى المستويات التى كانت سائدة قبيل بروز الأزمة، بل عوضت فقط جزءاً من خسائرها، كما أنها ما تزال تحت تأثير أزمة ديون شركات دبي”.
كذلك سجلت قيمة الاصدارات الأولية لسندات الشركات مستويات متدنية في عام 2009، إذ جاءت دون المستويات المسجلة خلال الأعوام الأربعة السابقة، الأمر الذي يعكس الظروف الاقتصادية غير المواتية.
ونوهت الدراسة إلى أن عام 2009، سجل انخفاض التفقات الاستثمارية الأجنبية إلى الدول العربية، حيث بلغت نسبة التراجع للدول العربية كمجموعة نحو 18,3%.
وفيما يتعلق بتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من الدول العربية إلى الخارج، فقد تراجعت بنسبة 12,9% في عام 2008 وهبطت بنسبة 44,7% في عام 2009، بعد تراجع فرص الاستثمار المجدية في الخارج وزيادة المخاطر المرتبطة بها.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الدول العربية المصدرة للنفط والغاز الطبيعي تستحوذ على الحصة الكبرى من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد إلى الدول العربية بقيمة 68,8 مليار دولار بما يشكل 86% من حجم التدفقات الواردة في عام 2009، فيما بلغت قيمة الاستثمارات الخليجية الصادرة خارج البلدان العربية نحو 22,6 مليار دولار بما يشكل 92,7% من حجم الاستثمارات العربية المباشرة خارج الدول العربية في عام 2009.
وقالت الدراسة “من جانب آخر، فقد تأثرت قيمة الثروات العربية المستثمرة محلياً وخارجياً من قبل الأفراد والشركات والدول جراء الأزمة المالية العالمية”، حيث شملت الانعكاسات السلبية للأزمة صناديق الثروات السيادية التي فقدت 4,2% من قيمتها في عام 2009 ولم تعوض معظم خسائرها إلا في شهر سبتمبر 2010”.
يشار إلى أنه وفقا للبيانات التقديرية المتوافرة عن جزء من صناديق الثروات السيادية العربية التي تعود ملكيتها إلى الدول العربية المصدرة للنفط والغاز الطبيعي، فقد بلغ إجمالي قيمتها حوالي 1,5 تريليون دولار في سبتمبر 2010، بما يشكل 39% من إجمالي قيمة هذه الصناديق على الصعيد العالمي.
وتأثرت الاقتصادات العربية على غرار معظم الاقتصادات بالآثار غير المباشرة للأزمة المتمثلة بتباطؤ الاقتصاد العالمي وتحوله لاحقاً إلى كساد اقتصادي. وتتجسد أهم هذه التأثيرات على الاقتصادات العربية في تهاوي أسعار النفط الخام بعد انخفاض الطلب العالمي عليه، وتبعاته التي تمثلت في تخفيض الانتاج العربي من النفط الخام، وانتاج الصناعات التحويلية المرتبطة به.
وانسحب هذا التأثير أيضاً على أسعار المواد الأولية الأخرى، ومنها الغاز الطبيعي والفوسفات.
ورغم زيادة الانتاج المسوق من الغاز الطبيعي العربي في عامي 2008 و2009، إلا أن أسعاره تراجعت في عام 2009.
وتأثرت الاقتصادات العربية أيضاً بالهبوط الحاد في أسعار الفوسفات الخام ومنتجاته من الأسمدة والكيماويات، ومنها سورية والسعودية والمغرب والأردن.
وأفرز الكساد الاقتصادي العالمي الذي تمثل في تراجع الطلب على السلع والخدمات ضغوطاً تمثلت في انخفاض الصادرات السلعية العربية إلى الاقتصادات المتقدمة، وخصوصاً الاتحاد الأوروبي الذي يعد أحد أهم الشركاء التجاريين الرئيسيين للدول العربية، حيث انعكس هذا الوضع سلبياً على انتاج الصناعة التحويلية في الدول العربية.
كما أدى الكساد الاقتصادي العالمي أيضاً إلى انخفاض الطلب على الخدمات من قبل الاقتصادات المتقدمة، والتي تمثلت أساساً في تراجع حركة السياحة إلى الدول العربية من دول الاتحاد الأوروبي.
كما انخفضت وتيرة النشاط في قطاع النقل، وخصوصاً النقل الجوي والبحري مخلفة آثاراً سلبية على الاقتصادات العربية.
وكان القطاع العقاري العربي أكثر القطاعات الاقتصادية تضرراً بالأزمة، فتراجع الطلب المحلي في هذا القطاع وانخفض النشاط جراء ذلك في قطاع الانشاءات، كما تم تأجيل تنفيذ العديد من المشاريع الكبرى في القطاع العقاري والسياحي وفي قطاع الصناعة الاستخراجية وفي مجال البنية التحتية في بعض الدول العربية.
وأدت هذه التطورات السلبية مجتمعة إلى تراجع وتيرة النشاط الاقتصادي المحلي، فانخفض الطلب الكلي في الدول العربية متضمناً تناقص الطلب على السلع والخدمات المحلية وغير المحلية، بما فيها الطلب على الواردات السلعية.
وانعكست هذه الارهاصات على الأداء الاقتصادي للدول العربية، فتراجع الناتج المحلي الإجمالي بأسعار السوق الجارية للدول العربية كمجموعة من حوالي 1,9 مليار دولار في عام 2008 إلى ما يقارب 1,67 مليار دولار في عام 2009.
أما الدول العربية غير المصدرة للنفط والغاز الطبيعي فقد حققت ارتفاعاً في ناتجها المحلي الإجمالي بأسعار السوق الجارية، غير أن معظم الانكماش في الناتج المحلي الإجمالي بأسعار السوق الجارية جاء بسبب تراجع أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي، حيث تراجع معدل النمو الحقيقي في الدول العربية كمجموعة من 6% في عام 2008 إلى نسبة 2% عام 2009.
وكما هو الحال في معظم الاقتصادات، فقد تجسدت تداعيات الأزمة في نهاية المطاف في تراجع الوضع المالي في الغالبية العظمى من الدول العربية، الأمر الذي أثر على توجهات السياسة المالية بشكل عام، وعلى استقرار أوضاع المالية العامة في بعض منها، بشكل خاص.
المصدر: أبوظبي