السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

حوار الأديان مـن مسيحيي نجران إلى «صناع السلام»

حوار الأديان مـن مسيحيي نجران إلى «صناع السلام»
3 فبراير 2019 00:02

طه حسيب (أبوظبي)

قيم عليا ورسائل إيجابية كبرى تحملها الزيارة البابوية للإمارات، خاصة وأنها تأتي في 2019 عام التسامح، الذي تكرس من خلاله الدولة صورتها كوطن للأخوّة الإنسانية والتواصل الحضاري.
حضور قيادة دينية عالمية بمكانة البابا فرنسيس إلى دولة نجحت في إدارة التعايش بين 200 جنسية ينتمى أفرادها إلى ديانات ومذاهب متنوعة يؤكد إيمان الإمارات بحوار الأديان والمشتركات الإنسانية التي تجمع أتباع الديانات كافة، فالهدف أولاً وأخيراً صلاح البشرية وعمارة الأرض وتعزيز المحبة بين جميع الشعوب وإعلاء القيم الإنسانية التي تضمن السلام والإزدهار.

فكرة الدين متأصلة في النفس البشرية، أو كما يقول ماكس مولر (1823-1900): «إن فكرة التعبد من الغرائز البشرية التي فُطر عليها الإنسان منذ نشأته الأولى»، ومن المستحيل من وجهة نظر «بينيامين كونستان» أحد مؤرخي الأديان أن نتصور ماهية الإنسان دون أن تتبادر إلى أذهاننا فكرة الدين. وعلى هذا النحو، باتت ضرورياً تعزيز الحوار بين أتباع الديانات للوصول إلى أرضيات مشتركة في مواجهة تحديات راهنة تواجه البشرية جمعاء، دون تفرقة بين دين أو مذهب.
التصدي للتطرف والعنف، ومحاربة الفقر، ووضع حد للتغير المناخي، ونزع فتيل الصراعات والأزمات، تحديات تفرض نفسها على المجتمعات في شتى بقاع الأرض، وبترسيخ أرضية مشتركة بين أتباع الديانات المختلفة، يمكن إيجاد حلول سريعة لهذه التحديات، وإرساء «أخلاق عالمية» تحظى بقبول كل بني البشر وتحفزهم على التعاون بما يحقق مصلحة الشعوب، ويرسخ في الوقت ذاته قيم التسامح وقبول الآخر.

مبادرة «هانز كينج»
الحوار بين الأديان يتطلب التلاقي بينها على قواسم مشتركة، ووفق هذا المنظور ظهرت مبادرة المفكر الكاثوليكي الكبير «هانز كينج» عام 1991 التي أطلقها أثناء انعقاد مؤتمر عالمي للأديان في العام نفسه، وطرح آنذاك مقولة في غاية الأهمية يرى فيها أنه «لا سلام في العالم إلا بالسلام بين الأديان، ولا سلام بين الأديان إلا بالتلاقي في ما بينها على أخلاق عالمية للسلام والعدل والحرية والتسامح».
«كينج» ركّز على استكشاف أخلاق التلاقي في كل الديانات الكبري، ويقول د.رضوان السيد أستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية، إن كتب «هانز كينج» تمت ترجمتها إلى عشرات اللغات وكتب عن أخلاق التلاقي في الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية.
«السيد» حاور «كينج» في سلطنة عُمان عام 2008، آنذاك وأخبره المفكر الكاثوليكي أن «الأقلية المتفلتة- أي مروجو العنف- تفسد قضية الأكثرية، ولأنكم المسلمون خمس سكان العالم فإن سلام العالم يمر بسلامكم، ورسالة الإسلام باقية، ومبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لحوار الأديان التي أثنى عليها البابا ينبغي أن تكون هناك ألف مبادرة مثلها، وينبغي أن تكون عندكم مجموعات تشاورية وحوارية بالمئات في كل بلد، وينبغي ألا يقتصر النشاط في الخارج، بل من المهم تفعيل الحوار والنقاش الداخلي لمنع ظهور أجيال من المتطرفين».

الحوار والمساعي الممنهجة
التشاور والتحاور ضروريان للتعارف وإنسانية الإنسانية.. ورؤية المسلمين للعالم ينبغي أن تتحدد في إطار ثلاث قواعد: الرحمة باعتبارها أساس علاقة الله بعباده والتعارف كأساس علاقات البشر بعضهم ببعض ومقاصد الشريعة «حفظ النفس والدين والمال والعقل والنسل» كونها التزام المسلمين في علاقاتهم بعضهم ببعض وتجاه العالم.. خلاصات استنتجها د.رضوان السيد في محاضرة ألقاها بمقر الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي في جدة بالمملكة العربية السعودية يوم 23 ديسمبر 2018، أوضح خلالها المساعي الممنهجة لتصحيح صورة الإسلام، وإعلاء صوت الأكثرية الراغبة في الحوار والساعية للسلام، فالمؤسسات الدينية، والجهات الجديدة التي قامت لمعاونتها، اتجهت إلى إقامة المؤتمرات وورش العمل لمكافحة التطرف ونقد تحريف المفاهيم، وطرح قضايا نوعية كعلاقة الإسلام بالديانات الأخرى والإسلام والمواطنة والدولة الوطنية، والذهاب إلى المؤسسات الدينية الكبرى في العالم لتجديد التواصل معها في أوروبا وأميركا وآسيا، مثل بابا الكنيسة الكاثوليكية ومجلس الكنائس العالمي وأسقفية كانتربيري وبعض الهيئات اليهودية غير الصهيونية، والعمل على إقامة شراكات وإصدار بيانات مشتركة مع الهيئات الدينية غير الإسلامية والمؤسسات الثقافية والمدنية المعنية بعلاج مشكلات، مثل حقوق الضيافة والجوار ومكافحة الفقر ومعالجة قضايا الهجرة واللجوء وحقوق الإنسان. وتكريس الجهود عربياً وإسلامياً بإنشاء معاهد تدريب للأئمة والمدرسين وتجدد الخطاب الديني لجهتي الوسطية والاعتدال والتصدي لمشكلات الناس عبر هيئات الفتوى ومرصد الأزهر.

مسيرة الحوار «الإسلامي – المسيحي»
وحسب محمد السماك، أمين عام اللجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار في لبنان. أمين عام الأمانة الدائمة للقمة الروحية الإسلامية في لبنان، وعضو الفريق العربي الإسلامي المسيحي للحوار، فإن الحوار الإسلامي – المسيحي بدأ مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، عندما استقبل في مسجده بالمدينة المنورة في العام التاسع بعد الهجرة وفداً من مسيحيي نجران، وكان الوفد موضع تكريم، فالنبي عليه السلام دعا أصحابه إلى أداء صلاتهم في مسجده الشريف.
وفي السنة الأولى بعد الهجرة، أي في عام 623 ميلادية، تم إصدار «صحيفة المدينة» التي تعتبر الدستور الأول للدولة الإسلامية، والتي وُضعت بتوجيه من النبي عليه السلام، وبها نصٌ يقول إن المؤمنين (اليهود والمسيحيين) والمسلمين يشكلون أمة واحدة.
وتواصل الحوار الإسلامي – المسيحي مع الفتوحات الإسلامية، فكانت العهدة العمرية عام 638 ميلادية إلى البطريرك صفرونيوس في القدس التي حفظت للمسيحيين حقوقهم الدينية وسلامة كنائسهم وممتلكاتهم، وهو النهج الذي سار عليه الأمويون ثم العباسيون، ووصل إلى ذروته في الأندلس.

فرنسيس الإسيزي
حتى خلال «الحملات الصليبية»، يقول السماك: لم يتوقف الحوار، وكان أبرزه مع القديس فرنسيس الإسيزي مع الملك الأيوبي في مصر، أو لقاء القديس فرنسيس مع السلطان الملك «الكامل الأيوبي»، وتقول «أشخين ديمرجيان» على موقع «أبونا» الصادر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام - الأردن: (إنه في عام 1219م سافر فرنسيس إلى الأراضي المقدّسة، وفي طريقه التقى في مدينة دمياط في مصر مع السلطان الفاطمي «الكامل الأيوبي» - الذي كان يحكم الأرض المقدّسة - لقاءً ملؤه الاحترام والمحبة. وأُعجب السلطان بشخصية القديس وبساطته وشجاعته فاستضافه بضعة أيام وقدّم له الهدايا. وكان لقاء القدّيس فرنسيس مع السلطان الملك الكامل، الأخ الأكبر لصلاح الدين الأيوبي، لقاءً سلميّاً ورمزاً للحوار «الأوّل من نوعه في التاريخ» بين الأديان. ومنحه السلطان تصريحاً كتابياً يخوّل له زيارة البلاد المقدّسة والوعظ في مصر.

المجمع الفاتيكاني الثاني
وفي العصر الحديث انطلق الحوار من وثيقة نوسترا إيتاتي Nostra Aetate، التي صدرت عن المجمع الفاتيكاني الثاني في عام 1965. فالمجمع فتح صفحة جديدة مع الإسلام، انطلاقاً من الثوابت الإيمانية الإسلامية. وفي هذا الإطار نظمت سلسلة من الحوارات بمبادرات من مجلس الكنائس العالمي – جنيف، ومجلس الكنائس الوطني الأميركي – نيويورك، ومجلس كنائس الشرق الأوسط – بيروت، كما تشكلت لجان حوار إسلامي – مسيحي مع الفاتيكان من جهة، وكل من الأزهر الشريف – مصر، ومؤسسة آل البيت – الأردن، وجمعية الدعوة الإسلامية العالمية – ليبيا.
كما نظمت حوارات إسلامية – مسيحية بين الفاتيكان وكل من إندونيسيا وإيران. ولا تزال هذه المؤسسات الحوارية مستمرة حتى اليوم.وانطلاقاً من مقررات المجمع الفاتيكاني الثاني، شكل الفاتيكان مجلساً للحوار بين الأديان كان آخر من ترأسه الكاردينال توران، الذي توفي مؤخراً وهذا المجلس هو الذي يتولى قيادة الحوار من الجانب المسيحي الكاثوليكي مع المسلمين. كما قامت في نيويورك مؤسسة «الأديان من أجل السلام» عام 1970، والتي تنتشر في القارات الخمس، بما في ذلك الشرق الأوسط حيث ينصبّ اهتمامها على تشجيع الحوار الإسلامي – المسيحي.
أما المبادرة الإسلامية البارزة في مسيرة الحوار، فتتمثل في دعوة ملك السعودية الراحل عبد الله بن عبد العزيز إلى مؤتمر عقد في مدريد – إسبانيا – بعد مؤتمر إسلامي تبنى مبدأ الحوار عقد في مكة المكرمة – وانبثقت عنه مؤسسة تجمع لأول مرة ممثلين عن الإسلام (السني والشيعي) وعن المسيحية (الكاثوليك والأرثوذكس والانجليكان)، وكذلك عن الهندوس والبوذيين، وتضم إلى جانب السعودية كدولة مؤسِّسة، كلاً من إسبانيا والنمسا، كما تضمّ الفاتيكان كعضو مؤسِّس بصفة مراقب، ليتأسس مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات «كايسيد».

هيئات محلية للحوار الديني
إلى جانب المبادرات السابقة، قامت هيئات أهلية محلية للحوار الإسلامي – المسيحي منها «الفريق العربي الإسلامي – المسيحي للحوار»، الذي تم إنشاؤه عام 1995 يضم مجموعة من المثقفين المسلمين والمسيحيين من عدة دول عربية، ومركزه بيروت، حيث تم تسجيله فعلياً عام 2002، ويصب جل اهتمامه بشؤون الحوار الإسلامي المسيحي داخل الدول العربية وفي الشرق الأوسط، واللجنة الوطنية الإسلامية – المسيحية للحوار في لبنان التي تمثل الطوائف كافة (18 طائفة).
وفي مصر قامت مؤسسة «بيت العائلة» التي يتناوب على رئاستها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وبابا الأقباط الارثوذكس تواضروس، وهي هيئة وطنية مستقلة تعمل على نشر ثقافة التعايش السلمي والمحبة في المجتمع، تمّ إنشاؤها بمبادرة أزهرية- كنسية مطلع عام 2011.
وعلى الصعيد الدولي قامت مؤسسة سانت إيجيديو الإيطالية والمقربة من الفاتيكان منذ عام 1986، ومهمتها تنظيم لقاءات حوارية علمية تُعقد سنوياً في إحدى الدول الأوروبية لإجراء حوارات حول الحياة المشتركة بين المسلمين والمسيحيين خاصة، وبين ممثلين عن مختلف العقائد والثقافات الأخرى في العالم.

علاقات قديمة
«الحوار الإسلامي المسيحي، والعلاقات الإسلامية المسيحية» عنوان دراسة أعدها د.رضوان السيد، أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية، ونشرتها مجلة «الاجتهاد» في عدديها الواحد والثلاثين والثاني والثلاثين، ربيع وصيف عام 1996.
الدراسة أكدت أن العلاقات المسيحية مع الإسلام قديمة قدم الإسلام نفسه، ولا أعني بذلك القرابة الفكرية والثقافية والجذور المشتركة بين الديانات الإبراهيمية، بل الوجود الواقعي التاريخي أيضاً، حيث ظهر الإسلام في بيئات شعبية وثقافية كانت المسيحية شديدة الحضور فيها، وأكد السيد في مستهل دراسته أن الدعوة للحوار بين المسيحيين والمسلمين من جانب الكنائس الغربية والأميركية والأوروبية انطلقت في الخمسينيات.

مستجدات الستينيات
أما في مرحلة الستينيات، فظهرت مستجدات على الجانب المسيحي- الغربي، فخلال المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965)، الذي يُعرف بـ «المجمع المسكوني» الحادي والعشرين، الذي انعقد بدعوة من البابا يوحنا الثالث والعشرين، ظهرت مساعي إلى تجديد الكنيسة الكاثوليكية، وتم طرح أهداف جديدة أهمها تطوير علاقات إيجابية مع العالم الحديث، والاهتمام بفتح آفاق الحوار مع الديانات الأخرى ومن بينها الإسلام، وظهر مجلس الكنائس العالمي، وتفرع منه مجلس كنائس الشرق الأوسط الذي يضم الكنائس البروتستانتية والأرثوذوكسية، وتضاءلت آنذاك شكوك المسلمين في استقلالية الأطراف المسيحية عن سياسات دولها، خاصة مع دعوات متكررة من مؤسسات الحوار المسيحي لحل عادل للقضية الفلسطينية، بما تتضمنه من رؤى غير مؤيدة لإسرائيل في مسألة القدس خاصة بعد حرب يونيو 1967.
ومن منتصف ستينيات القرن الماضي إلى منتصف التسعينيات انعقدت مئات المؤتمرات واللقاءات بين الكنائس على اختلافها وبين المسلمين سواء على نطاق رسمي أو غير رسمي، وفي التسعينيات اتسم المشهد بكثير من السيولة، حيث تغير المشهد الإسلامي مع انهيار الاتحاد السوفييتي وظهور مناطق احتكاك جديدة بين المسلمين والمسيحيين، وظهرت حركات الإسلام السياسي ومعها أصوليات دينية.
وخلال فترة من خمسينيات إلى ثمانينيات القرن الماضي، يشير السيد إلى أن موضوعات الحوار تنوعت تبعاً للتطورات الثقافية السياسية من وجهة نظر الغرب، بداية من أجل كسب المسلمين في مواجهة الشيوعية، ودعم أخلاقيات الحرية الدينية في مواجهة الأخلاقيات الشمولية.
بعد الفاتيكان الثاني، وبيانات مجلس الكنائس العالمي وتحركاته، حدث نوع من التقارب الإسلامي- المسيحي، عززته استقلالية رجالات الكنائس العالمية عن السياسيين، وهيمنت قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان على النقاش.

متخصصون في الإسلام
وبعد الثمانينيات اتسعت دائرة الحوار لتشمل مهتمين بالشأن الديني من المسلمين لا يمثلون دولهم أو هيئات رسمية إسلامية، واللافت أن الغربيين المنضوين في الحوار هم في الغالب من الأكاديميين أو المتخصصين في اللاهوت ومن درسوا الإسلام، أما المشاركون في الحوار من الجانب الإسلامي فكانوا لا يعرفون عن المسيحية والفكر المسيحي شيئاً ولهذا لم يكن بمقدورهم تقديم مقارنات، واضطروا للتعميم والمجاملة بذكر بعض آيات القرآن الكريم التي تشير إلى المسيحية.

الأزهر والكنيسة الأنجليكانية
وبعد أحداث 11 سبتمبر الإرهابية، 2001 ازدادت أهمية حوار الأديان، خاصة ما يتعلق بتأكيد موقف المسلمين الرافض للتطرف والعنف، وضمن هذا الإطار بدأ الحوار بين الأزهر والكنيسة الأنجليكانية في عام 2002 أي بعد فترة زمنية قصيرة من وقوع هذه الأحداث وقبل نحو عام من احتلال الولايات المتحدة للعراق، والجولة الثانية في 2016 ركزت على إمكانية نقل الحوار بين القيادات الدينية إلى الواقع المعاش وتحديداً إلى الشباب، وهو هدف تحقق في إطار ما يسمى «منتدى شباب صناع السلام»، وعلى هامش الجولة الثالثة من جولات الحوار بين الأزهر والكنيسة الأنجليكانية كانت لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، مقولة مهمة طالب فيها قيادات الأديان بـ «التصدي للمآسي التي يتعرض لها البشر والوقوف بجانب الفقراء والمهمشين، وأن تصدي الإسلام وحده أو المسيحية وحدها لهذا لأمر لن يكون كافياً، ويجب أن نجتمع تحت خيمة واحدة عنوانها الدين ضرورة للإنسان، ووجود هذه الخيمة يتطلب سلاماً بين قادة الأديان».
رئيس أساقفة كانتربيري السابق اللورد «جورج كاري» أكد أن العلاقات الوثيقة بين الأزهر وكنيسة كانتربيري كان لها دور مهم في مد جسور التواصل بين المؤسسات الدينية والمجتمعات في الشرق والغرب.

حوارات راقية مع الكنائس
ولعل كلمة الدكتور عباس شومان، الوكيل السابق للأزهر، التي ألقاها يوم 27 فبراير 2018 في مؤتمر «حوار السلام» بفيينا الذي عقده مركز الملك عبدالله بن عبد العزيز العالمي للحوار «كايسيد»، تلخص الرؤية الراسخة للأزهر تجاه تشجيع التواصل مع أتباع الديانات.
أكد شومان أنه «إيماناً من الأزهر الشريف بإمكانية العمل المشترك بين أتباع الديانات المختلفة، بل أتباع الحضارات الإنسانية جميعاً، يقود شيخ الأزهر بنفسه حوارات فكرية راقية مع الكنائس الغربية والشرقية على السواء.

«كايسيد».. الهدف الأسمى
يعد مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات «كايسيد» منظمة دولية تأسست عام 2012 من قبل المملكة العربية السعودية، وجمهورية النمسا، ومملكة إسبانيا إلى جانب الفاتيكان بصفته عضواً مؤسساً مراقباً.
يقع مقر المركز في مدينة فيينا، عاصمة النمسا، ويسعى لدفع مسيرة الحوار والتفاهم بين أتباع الأديان والثقافات المتعددة، والعمل على تعزيز ثقافة احترام التنوع، وإرساء قواعد العدل والسلام بين الأمم والشعوب.
لدى المركز رؤية مفادها أن الدين، قوة فاعلة لتعزيز ثقافة الحوار والتعاون لتحقيق الخير للبشرية؛ حيث يعمل على معالجة التحديات المعاصرة التي تواجه المجتمعات، بما في ذلك التصدي لتبرير الاضطهاد والعنف والصراع باسم الدين، وتعزيز ثقافة الحوار والعيش معاً. يتألف مجلس إدارة المركز من قيادات دينية، من المسلمين والمسيحيين واليهود والبوذيين والهندوس. ويُعدُّ المركز أول منظمة دولية تعمل على تفعيل دور الأفراد والقيادات والمؤسسات الدينية لمساعدة صانعي السياسات في بناء السلام والتعايش السلمي تحت مظلة المواطنة المشتركة؛ ويطبِّق المركز أنشطة، تعزز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات من أجل السَّلام، وترسخ الحوار والتعايش في أربع مناطق حول العالم: المنطقة العربية؛ وجمهورية أفريقيا الوسطى؛ ونيجيريا؛ وميانمار. ويظل هدف المركز الأسمى، هو: إبراز القيمة الحضارية للتنوع البشري والعمل على إرساء القواعد والأسس التي تقوم عليها صروح التعايش والحوار والتفاهم والتعاون بين البشر على اختلاف أديانهم وثقافاتهم.

الشباب في حوار«التعايش»
منتدى «شباب صناع السلام» نظمه الأزهر الشريف، و«مجلس حكماء المسلمين»، وكنيسة كانتربري، ويضم مجموعة من الشباب المسلم والمسيحي من الشرق والغرب في لندن يوم 8 يوليو 2018.
ويهدف إلى جمع الشباب للحوار والتفاهم وتبادل الأفكار والتعايش الفعلي، وتلك خطوة مهمة لتحقيق التعايش، فالشباب لديهم القدرة على التواصل ونشر الفكر من خلال وسائل التواصل الحديثة والتلاحم المجتمعي. والمنتدى بمقدوره نقل جهود السلام والحوار بين الأديان من مجال المؤتمرات واللقاءات بين القيادات الدينية إلى التطبيق العملي على يد الشباب من الشرق والغرب، ويمكن اعتباره فرصة للشباب كي يكون لهم دور في التصدي للمشكلات التي يعيشها أبناء الأديان حول العالم من أجل مستقبل يسوده السلام والاستقرار.

أديان من أجل السلام
تعتبر منظمة «أديان من أجل السلام» ومقرها مدينة نيويورك، أكبر ائتلاف عالمي متعدد الأديان والأكثر تمثيلاً في العالم، ويسعى إلى تعزيز التعاون المشترك من أجل السلام منذ عام 1970، وذلك من خلال العمل على ترسيخ إجماع متعدد الأديان بشأن الجوانب الإيجابية للسلام واتخاذ إجراءات ملموسة لوقف الحرب والمساعدة في القضاء على الفقر المدقع وحماية كوكب الأرض.
وتعود أصول منظمة «أديان من أجل السلام» إلى عام 1961، عندما بدأت مجموعة من القادة رفيعي المستوى ينتمون إلى العقائد الرئيسة في العالم، استكشاف إمكانية تنظيم «قمة دينية». وشعروا بشدة بحاجة أتباع الأديان حول العالم إلى التحرك صوب تحقيق سلام عالمي.
واجتمعت المنظمة للمرة الأولى في مدينة «كيوتو» اليابانية خلال الفترة من 16 إلى 21 أكتوبر عام 1970، وتتكون شبكة «أديان من أجل السلام» من مجلس عالمي يضم قادة دينيين رفيعي المستوى من جميع أديان العالم، وستة مجالس إقليمية متعددة الأديان، و90 مجلساً وطنياً، و«الشبكة العالمية للنساء المؤمنات» و«الشبكة العالمية للشباب من مختلف الأديان».

أمن المجتمعات
حماية الأطفال من العنف ومن الاستغلال هدف مشترك تسعى إليه جميع الأديان، وهذا ما أدركته منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» منذ عقود، ولدى المنظمة تجربة في مصر، حيث دعمت حوار الأديان في هذا البلد منذ 1985 بالتعاون مع الأزهر والكنيسة الكاثوليكية من أجل إطلاق برامج لتدريب القيادات الدينية على التغيير السلوكي وحماية الطفل. وفي ديسمبر 2017، أصدرت المنظمة تقريراً عنونته بـ «حالة الأطفال في العالم 2017: الأطفال في عالم رقمي»، تقرير سلّطت فيه المنظمة الضوء للمرة الأولى على تأثيرات التكنولوجيا الرقمية على حياة الأطفال، راصدة المخاطر، وكذلك الفرص الناجمة عن استخدامهم هذه التكنولوجيا. «اليونيسيف» استندت إلى معطيات أهمها أن أكثر من 750 مليون طفل وشاب يستخدمون الإنترنت، وهذه الأخيرة رغم ما تحمله من فرص وإيجابيات تشكل في الوقت ذاته مصدر إيذاء واستغلال. ولدى المنظمة قناعة بدور رجال الدين في توعية المجتمعات بحماية الأطفال من هذه المخاطر.
وكان مؤتمر «كرامة الطفل في العالم الرقمي» الذي انعقد في أكتوبر 2017 مناسبة جيدة، استعرضت خلاله دولة الإمارات جهودها في حوار الأديان. وأبدت رغبتها في استضافة ملتقى عالمي لتفعيل هذا الحوار، وكان «ملتقى تحالف الأديان من أجل أمن المجتمعات..كرامة الطفل في العالم الرقمي» الذي انعقد في أبوظبي يوم 19 نوفمبر 2018 النتيجة الأهم التي تمخضت عن مؤتمر «كرامة الطفل في العالم الرقمي».
الملتقى حظي بدعم الأزهر الشريف وبمشاركة 450 من قادة الأديان بهدف إثراء الحوار ومواجهة ومناقشة التحديات الاجتماعية الخطيرة والخروج بأفكار موحدة لتعزيز حماية المجتمعات وخاصة النشء من جرائم الابتزاز عبر العالم الرقمي ومخاطر الشبكة العنكبوتية. وبهذا تؤكد الإمارات نجاعة رؤيتها التي تتمثل في أن الحوار بين الأديان ينطلق من تحديات عالمية مشتركة تجعل هذا الحوار يتجه نحو التحالف من أجل واقع عالمي أفضل.

«سانت إيجيديو».. الصلاة من أجل السلام
تأسست «منظمة سانت إيجيديو»، الكاثوليكية الدولية في روما عام 1968، حيث أطلقها مجموعة من طلاب المدارس الثانوية، وبالإضافة لنشاطاتها الإنسانية من مساعدات وبرامج لتعليم الفقراء وتأهيلهم تقوم المنظمة بدور أساسي للعمل من أجل السلام والتوسط في النزاعات الدولية، وأثبتت نجاحات في عدد من الدول، كلبنان والجزائر ودول أفريقية وفي أميركا اللاتينية. وتقوم المنظمة عن طريقتها بالتوسط في النزاعات، تسميها «طريقة سانت إيجيديو»، التي تعتمد على شبكتها الواسعة من الاتصالات والعلاقات بين الأديان والمكتسبة خلال أكثر من عشرين عاما من التعامل في الحوار بين الأديان العالمية، بالإضافة للاجتماع الدولي السنوي بين الأديان للصلاة من أجل السلام، والذي يعقد عادة كل عام في سبتمبر، والذي يحضره أكثر من 400 من القادة الدينيين.

منتدى حوار الأديان
منتدى حوار الأديان تم تأسيسه عام 2003 في العاصمة الكازاخية أستانا، وينعقد مرة كل 3 سنوات، وركّزت نسخته الأخيرة في 11 و12 أكتوبر 2018 على قضايا السلام العالمي في القرن الحادي والعشرين ودور الزعماء الدينيين في التغلب على التطرف والإرهاب.
وأبت كازاخستان على استضافة فعاليات هذا المنتدى، لما لها من تجربة رائدة في احتواء التعددية الدينية، حيث تعيش على أرضها قرابة 40 طائفة.

عالم أكثر حواراً
تترسخ يوماً بعد يوم أهمية حوار الأديان، كرافد مهم للتواصل الإنساني الفاعل الذي يعزز التقارب بين أتباع الديانات المختلفة، تقارب تفرضه تحديات مشتركة، ويحتاجه الجميع في عالم يعيش عصر الشبكات الإلكترونية السريعة وطفرة الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء واتصالات الجيل الخامس، وغيرها من فصول الثورة الصناعية الرابعة. لم يعد هناك وقت للبحث عن الاختلافات، بل الأفضل البحث عن القيم المشتركة، وحشد الجهود بحثاً وفكراً وابتكاراً من أجل عالم واحد أكثر حواراً، ومن ثم أكثر تسامحاً وقبولاً للآخر.

 

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©