الثلاثاء 15 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات 34 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العقيدة السليمة هي اللبنة الأساسية في بناء شخصية المسلم في الفكر والسلوك

العقيدة السليمة هي اللبنة الأساسية في بناء شخصية المسلم في الفكر والسلوك
28 يوليو 2012
أبوظبي (الاتحاد) - إن العقيدة، هي قضية الإنسان الكبرى ومسألته الأساسية في هذه الحياة، لأنها تجيبه عن سر وجوده في هذا الكون، وتكشف له عن خالقه وخالق المخلوقات من حوله، وتحدد له علاقته بهذا الخالق وبالكون والوجود، وتبين له مصيره ونهايته. فالعقيدة السليمة، هي اللبنة الأساسية في بناء شخصية المسلم على مستوى الفكر والسلوك، وهي العنصر الفعّال المحرك لعواطفه والموجه لإرادته. ولهذا ركزت عقيدة التوحيد الإسلامية في بنائها للإنسان على البناء الفكري والنفسي والسلوكي، لتبلغ به ذروة الكمال الإنساني وترتقي به صعداً نحو السعادة المنشودة. فركزت الشريعة أولاً على البناء الفكري: فقد اتبعت عقيدة التوحيد في بنائها للفكر الإنساني منهجاً سديداً يتحدد في خطوات متتالية، فأول خطوة بدأت بها في سبيل هذا البناء، هي تحرير العقل الإنساني من كل الأوهام والخرافات التي علقت به مع مرور السنين والأعوام، وتفريغه من كل المقررات السابقة التي لم تقم على يقين ولم تستند إلى دليل، قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ). - ثم تأتي الخطوة الثانية فتوجه العقل إلى منهج التثبت من كل أمر قبل الاعتقاد والتسليم به، وعدم الاعتماد على الظنون في بناء الحقائق والمعتقدات، قال تعالى: (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)، فالمنهج العلمي ينافي اقتفاء الأمور بلا علم ولا تثبت، ولذلك قال تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا). تحذير قرآني لقد حذر القرآن الكريم من تعطيل حواس الإنسان الظاهرة والباطنة وعدم استخدامها في اكتساب العلوم والمعارف، وبين تحسر أهل النار وندامتهم إذ أهملوا أسماعهم وعقولهم في الدنيا، قال تعالى: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ). - وتتلخص الخطوة الثالثة في دفع العقل إلى البحث والتفكير وحثه على التأمل والتدبر في ملكوت الله عز وجل، ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). وبهذا النظر والتفكر في مخلوقات الله عز وجل، يتجه العقل البشري، إلى الإيمان اليقيني القائم على البراهين القاطعة والاستدلالات المنطقية، قال تعالى على لسان عباده الذين آمنوا بعد تفكر وتأمل في ملكوته (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). فالفكر الذي تبنيه عقيدة التوحيد الإسلامية هو فكر ممنهج مستقيم يسير على هدى ونور من ربه عز وجل، قد تحرر من كل الأوهام والخرافات الهدامة، وابتعد كل البعد عن الزيغ والضلال، والانحراف والشطط، فغداً أفقه واسعاً ونظره ثاقباً وهدفه واضحاً. البناء النفسي إنَّ النفس التي لم تعرف توحيد الله سبحانه وتعالى، ولم تذق حلاوة الإيمان والتصديق، تعيش تائهة حائرة، يائسة قانطة، مضطربة متوترة، تفزع للمصائب وتجزع للنوائب، وتبطر الخير والنعمة، وتغمط الناس حقهم وفضلهم. ولقد أخبرنا القرآن الكريم عن حقيقة النفس الإنسانية وكشف لنا عن خفاياها وخباياها في آيات كثيرة منها: قوله تعالى: (إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً). وقوله تعالى: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الانْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً). ولهذا، فإنَّ منهج عقيدة التوحيد في بناء النفس الإنسانية يقوم على تعريف الإنسان بحقيقة نفسه وطبيعتها وماهيتها، ثم بالإجابة على الأسئلة الكبرى الملحة عندها والتي تجعلها تعيش في قلق وحيرة تجاهها، وهي: من الذي أوجدني؟ وما هي الغاية التي لأجلها وجدت في هذا الكون؟ وإلى أين المصير وما هي النهاية؟ وحين تظفر هذه النفس بالجواب الصحيح على تلك الأسئلة الملحة يتضح للإنسان تصوره لنفسه وللحياة وللكون من حوله، وتترسم له معالم الطريق الذي يجب أن يسلكه ويسير فيه بجلاء بيّن، فتهدأ نفسه وتطمئن، وتعيش في سكينة واستقرار بعيداً عن الحيرة القاتلة. كما تعمل عقيدة التوحيد على تزكية النفس وتطهيرها من كل ما يشوبها ويفسدها، قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا). وإن للنفس التي عرفت التوحيد والإيمان، سمات وخصائص تميزها، منها: 1- الأمن والاطمئنان: فالنفس التي أشرق في عمقها نور الإيمان واستقرت في سويدائها حقيقة التوحيد تكون آمنة مطمئنة، لقوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ). 2- الرضا والثبات: إن النفس المؤمنة نفس راضية عن ربها في كل الأحوال والظروف، لذلك استحقت رضا الله عنها، قال تعالى: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ). وهذه النفس هي ثابتة مستقيمة تسير على خط واحد في اليسر والعسر، شاكرة في السراء وصابرة في الضراء، قال صلى الله عليه وسلم: “عَجَباً لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ” صحيح مسلم. 3- الهداية والتوفيق: إن النفس التي تسلك صراط الله المستقيم تنال الهداية والتوفيق الإلهي، والحماية والحفظ من كيد الشيطان وشركه. قال تعالى: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). أما البناء السلوكي، فلقد لقد دلّت الأبحاث في ميدان التربية، أن صلاح سلوك الإنسان يتناسب مع مدى سلامة أفكاره ومعتقداته، وأن انحراف سلوكه راجع إلى فساد أفكاره ومعتقداته، وبذلك يكون السلوك الإنساني ترجمة لما يؤمن به هذا الإنسان ويعتقده. ولا شيء أقدر على تقويم سلوك الإنسان وضبطه مثل العقيدة الإسلامية، ذلك لما لهذه العقيدة من سلطان على سلوكه وتصرفاته نابع من داخل الإنسان نفسه، يحمله على التحلي بمكارم الأخلاق ومحاسنها، ويجنبه سيئها وفاسدها. د. رشيدة عبد السلام بوخبرة عقيدة المسلم فالإنسان الذي آمن بعقيدة التوحيد، يكون مذعناً لأوامر ربه ونواهيه طاعة له، لأنه علم أن خالقه هو المتصرف في كل شيء بعدله وحكمته، وهو عالم الغيب والشهادة المطلع على ما في الصدور، والحسيب الرقيب على كل حركاته وسكناته، قال صلى الله عليه وسلم: “أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ”. وإذا تتبعنا نصوص السنة النبوية نجدها قد ربطت في كثير من الأحاديث بين الإيمان وحسن الخلق، وجعلته دافعاً وباعثاً عليه، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ”. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ”، ومما سبق يتضح أثر العقيدة الإسلامية ودورها في بناء الإنسان المسلم بناء يبلغ به ذروة الكمال الإنساني على المستوى الفكري والنفسي والسلوكي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض