تامر عبدالحميد وعلي عبد الرحمن (أبوظبي، القاهرة)
على الرغم من مرور أكثر من 100 عام على ظهور السينما في المنطقة العربية، إلا أن الفيلم العربي عجز عن تحقيق أرقام قياسية في الإيرادات مقارنة بالأفلام العالمية والأميركية تحديدا، فما الذي يقف في طريق ذلك؟
فجوة كبيرة
احتفت وسائل إعلام عربية بتجاوز إيرادات فيلم «الفيل الأزرق -2» حاجز الـ100 مليون جنيه (6,3 مليون دولار) ليتصدر قائمة الأفلام الأعلى دخلا في السينما العربية حتى اللحظة، وفقا لأرقام نشرتها شركات الإنتاج العربية خلال نصف قرن. في المقابل، كان فيلم «علاء الدين» يواصل حصاد إيرادات تجاوزت حاجز المليار دولار، فيما حقق فيلم «الجوكر» أكثر من 750 مليون دولار. في حين انفرد فيلم «أفينجرز آند جيم» (المنتقمون) بصدارة إيرادات تاريخ السينما العالمية بـ 2,800 مليار دولار متجاوزاً فيلم «أفاتار» الذي ظل متربعا على عرش الإيرادات لنحو عقد كامل بإجمالي 2,789 مليار دولار. وهذه الأرقام طرحت تساؤلا حول إمكانية أن يصل الفيلم العربي إلى حاجز المليار دولار؟
ويقول المخرج المصري أمير رمسيس إن أحد أهم أسباب نجاح الأفلام الأجنبية وتحقيقها إيرادات غير مسبوقة هو اللغة الإنجليزية لكونها اللغة الأولى في العالم، ما يسمح بانتشار عالمي للفيلم في دور السينما عبر أكثر من 200 دولة.
ويضيف أن الإنتاج الضخم والاهتمام بالعنصر التقني أصبح جزءاً رئيساً في صناعة السينما العالمية وهو الأمر الذي نفتقده في السينما العربية، مشيراً إلى وجود محاولات من بعض المهتمين بصناعة السينما العربية بالوصول بالفيلم العربي إلى العالمية، إلا أن الفجوة بين الفيلم العربي والأجنبي تظل كبيرة للغاية.
ويوافقه الرأي السيناريست مدحت العدل، الذي يقول إن عامل اللغة عامل رئيس في عدم تحقيق إيرادات مليونية للفيلم العربي، مشيرا إلى أن عدم تحقيق الفيلم العربي إيرادات مرتفعة تضاهي نظيره الأجنبي يرجع إلى عدم انتشار اللغة العربية عالميا واقتصارها على دول المنطقة. ويضيف العدل أن السينما العربية لم تتوافر لها حتى اللحظة الإمكانية لإنتاج الأفلام التي تحقق مداخيل ضخمة كأفلام الخيال العلمي التي تعتمد على التقنية والتكنولوجيا.
وضع مختلف
ويعتبر نقاد أن المقارنة بين إيرادات الفيلم العربي والفيلم الأجنبي «ظالمة وغير منطقية». في هذا السياق، يقول الناقد السينمائي محمد نبيل إن الوضع السينمائي في الخارج مختلف تماما عن المنطقة العربية من حيث عدد طرح النسخ لهذه الأفلام التي تتجاوز الـ 4000 نسخة حول العالم، إلى جانب جودة القيمة الفنية المقدمة للجمهور، وأن بعض الأفلام التي تحمل نوعية الأجزاء المتسلسلة ينتظرها الجمهور قبل طرحها بدور العرض.
ويضيف أن الفيلم العربي وإن كان يتواجد في المحافل السينمائية العالمية لكنه ضيف شرف ليس أكثر، والمقارنة بين صناعة السينما في أميركا وأوروبا وفي العالم العربي صعبة للغاية والمسافة بينهما شاسعة للغاية.
ويشير المنتج كريم أبو ذكري إلى أنه من الأسباب الرئيسة لانخفاض إيرادات الفيلم العربي عدم وجود دور العرض السينمائية الكافية لتحقيق الانتشار للفيلم العربي. ويشير إلى أنه في مصر (أكبر دول العالم العربي من حيث السكان) لا يوجد بها سوى 108 دور عرض.
ويؤيد الناقد السينمائي طارق الشناوي دور اللغة والتقنية وتوافر دور العرض، وضعف الإمكانات التي قد تنتج فيلما ملحميا مثل «هاري بوتر»، إلا أنه يركز أيضا على المحتوى. ويقول إنه على الرغم من المحاولات الجيدة من القائمين على صناعة الفيلم العربي للارتقاء بالمحتوى إلا أنه يظل محليا ولا يخاطب المجتمع السينمائي العالمي.
عرض تعريفي
من جهته، يقول المنتج والمخرج عامر سالمين المري إن توزيع العمل وعرضه خارج النطاق العربي والخليجي أحد الأسباب الرئيسة التي لا تصل بالفيلم العربي والخليجي إلى إيرادات خيالية كما يحدث في الفيلم العالمي، مضيفا «لا نستطيع أن ننكر أنه من الصعب عرض الفيلم العربي خصوصاً التجاري في صالات سينما عالمية، مثلما يحدث مع الفيلم العالمي الذي يعرض في العالم كله، وبالتالي تصل إيراداته إلى الملايين».
ويتابع: «نجاح الفيلم التجاري وتحقيقه إيرادات، يعتمد في الأساس على الجمهور، والدول الغربية لديها عدد سكان كبير جداً، إلى جانب الثقافة والوعي السينمائي لديهم، بالإضافة إلى تنفيذ الفيلم نفسه بميزانيات ضخمة وبأعلى التقنيات الفنية والإخراجية والتصويرية، والتي تجعل من المنتج العالمي قيمة فنية كبيرة لدى المشاهد سواء العالمي أو العربي».
ويشير إلى أن نصيب الفيلم العربي والخليجي من العالمية يقتصر على عرض بعض الأفلام في مهرجانات عالمية، موضحا «صحيح أن هذه المشاركات أسهمت في تعريف الغرب بأفلامنا وبمستواها الفني، لكن يظل العرض التجاري العالمي ينقصها».
ويشيد المري بالسينما المصرية، والنقلة التي أحدثتها في السنوات الأخيرة في طبيعة أفلامها المنتجة بأعلى جودة وبأضخم الانتاجات، مثل أفلام «كازابلانكا» و«الممر» و«الفيل الأزرق» و«حرب كرموز»، والتي شهدت بعضها مشاركة نجوم عالميين في أحداثها وكأبطال رئيسين، معتبرا أنها خطوات جيدة ولكن ينقصها التوزيع خارج نطاق العربية.
ثقافة سينمائية
ويؤكد المنتج علي المرزوقي أنه على الرغم من وصول الفيلم العربي والخليجي إلى مستوى عال من الإنتاج والتصوير والإخراج والتقنيات الفنية الأخرى، إلا أنه ثقافة الدخول إلى السينما لا تزال في حاجة إلى تعزيز أكبر، خصوصاً بعد ظهور العديد من التطبيقات السينمائية والمواقع الإلكترونية التي تمكن المستخدم من تحميل الفيلم ومشاهدته بضغطة زر، وبالتالي تؤثر وبشكل كبير في مسألة الإيرادات. ويقول: «في السابق كانت السينما هي المتنفس الوحيد لعشاق الفن السابع، ولكن نظراً للتطور الكبير الذي نعيشه ظهرت العديد من التطبيقات التي مكنت المتلقي من مشاهدة الفيلم السينمائي من أي مكان».
ويوضح المرزوقي أن ميزانية الفيلم تدفع أي صانع سينما لإنتاج عمل سينمائي يرقى بالمستوى، ويحقق انتشاراً عربياً ودولياً. ويقول: «نوعية معينة من الأفلام هي التي تحقق إيرادات تفوق التوقعات، وهي أفلام الرعب والخيال العلمي، والتي تم تطويرها عالمياً، وأصبح عشاق السينما ينتظرونها بفارغ الصبر، بالإضافة إلى أفلام الأكشن والأبطال الخارقين التي نالت اهتماماً كبيراً، وتم تنفيذها على شكل أجزاء متعددة، وهذا الأمر لا يمكن تنفيذه بالنسبة للفيلم العربي، بسبب عوامل عدة منها الميزانية واللغة والتقنيات والكثافة السكانية وغيرها من الأمور التي تؤثر على جني الإيرادات».
تفاؤل بالمستقبل
يشير المخرج هاني الشيباني إلى أن المقارنة بين إيرادات الفيلم العربي والعالمي «ظالمة» من نواح عدة، أبرزها عدد قاعات العرض السينمائي والإمكانات المتاحة والميزانيات الضخمة التي إذا توافرت لصناع الفيلم العربي سيحققون نجاحاً وانتشاراً ويحصدون إيرادات تماثل الفيلم العالمي. ويرى أن الفيلم العربي في السنوات الأخيرة بدأ يصنع جمهوراً من الناحية العالمية، ويحصد إشادات وردود أفعال إيجابية من خلال مشاركته في مهرجانات دولية، إلى جانب مشاركة بعض النجوم العرب في أفلام عالمية، والذين أسهموا في نقل صورة الممثل العربي إلى الغرب بصورة مشرفة.
ويتابع «الفيلم العالمي يروج نفسه بنفسه، ولا يحتاج إلى ميزانية لتسويقه أو توزيعه، على عكس الفيلم العربي، الذي يحتاج إلى ميزانية كبيرة لتحقيق انتشار خارج نطاق المحلية».
عرض في فرنسا
في خطوة نحو توسيع دائرة العرض، يقول المنتج والمخرج عامر سالمين المري إنه تواصل مع موزع فرنسي، واتفق معه على عرض فيلمه الجديد «شبح» تجاريا هناك مطلع العام المقبل، آملاً أن يتحقق هذا الأمر ليكون فاتحة خير على الفيلم العربي والخليجي.