20 يناير 2011 20:09
على الرغم من مستوى التحضر والتطور التكنولوجي الذي وصل إليه العالم اليوم، فإن بعض الناس يميلون إلى تصديق بعض ترسبات الماضي والترهات التي يتوهمون أنها تنبئهم بأخبار غيبية وترسم مستقبل أيامهم الذي يتوقون إلى معرفته. وإذا كان توق الإنسان إلى معرفة ما يخبئه له الغيب أمرا فطريا، فإن اعتقاده بصدق ادعاءات الأبراج والمنجمين وقراء الطالع أمر بعيد كل البعد عن الفطرة والعقل والمنطق.
لا يخفي بعض قراء الأبراج تصديقهم لكل أو بعض ما تخبرهم به، أو تطابق الصفات التي تدعيها عن شخصياتهم، بينما يدعي آخرون أنهم يداومون على مطالعة برجهم صباح كل يوم لمجرد التسلية أو التندر والتفكه. وتسهم وسائل الإعلام بشقيها التقليدي والحديث بمختلف وسائطه المتعددة في تكريس هذه الغيبيات الوهمية الخرافية من خلال تخصيصها صفحات ثابتة حول الأبراج يقرؤها كثيرون وهم يحتسون قهوتهم الصباحية، ومنهم من تتأثر أمزجتهم بما يرد فيها، وهي غالباً ما تُحذر قارئ البرج المسكين بقدوم يوم عصيب ومفاجآت غير سارة تصيبه بكآبة صباحية، ونادراً ما تُبشره بأخبار سارة تجعله يستقبل يومه منشرح الصدر، وهي في كلتا الحالتين تؤثر على نفوس مدمني قراءتها، والأخطر من ذلك أنها قد توجه بعض تصرفاتهم وتعاملهم مع الغير، بل ومدى إقبالهم على الحياة.
ومن المنظور العلمي الفلكي، لم تعُد مواقع النجوم التي تم تحديدها منذ ألفي سنة ذاتها، بل تغيرت بفضل ميلان محور الأرض وتغيره عمّا كان عليه سابقاً. وحتى خلال الفترة التي حُددت فيه، كان الحديث عن هذه المواقع يحمل في طياته الكثير من الأمور التي تُجافي المنطق والمعقول. فإذا اطلعت على برجك لهذا اليوم، فانتبه جيداً، فقد يستميلك من حيث لا تدري إلى التصرف نحو مصير حتمي ما، هو في الحقيقة ليس مصيرك وليس له أية صلة بشخصيتك، لا سيما إن صدقت بما يخبرك به، أو تعاملت بجدية مع الترهات التي ينبئك من مفاجآت باقي النهار أو باقي الشهر، أو حتى السنة.
كلام سخيف
إن البروج التي يطالعها ملايين الناس في العالم يومياً هي محض كلام سخيف حتى عندما يحاول البعض تبريره علمياً وفلكياً. فهذه البروج حُُددت بناءً على مسافة بعدها عن الشمس، وعلاقتها ببعض كوكبات النجوم في السماء خلال يوم ميلاد الشخص. وتكمُن المشكلة في أن هذه المواقع مضى على تحديدها عشرون قرناً من الزمان، وبالتالي فقد أصبحت مُتجاوَزة. ففي هذه الأيام، انتقلت النجوم إلى سماء الليل إلى درجة أن البروج أصبحت بعيدةً عن مواقعها بمقدار شهر تقريباً. ويقول الدكتور جوو راو، المحاضر بقسم هايدن بلانيتاريوم في مركز علوم الأرض والفضاء في نيويورك وصاحب عمود في الموقع الإلكتروني”سبيس.كوم”، “إن موقع الشمس في السماء الذي يُخبرنا به علم التنجيم مختلف عما يُخبرنا به علم الفلك!”.
حصل هذا التغير في المواقع بسبب الحركة الدائرية المتغيرة حول محور البدارية، كما أن ميلان محور الأرض ينتج عن انجذاب القمر بسبب قوة الجاذبية إلى خط استواء الأرض. وقد أُثير الحديث عن هذا التغير خلال الأيام القليلة الماضية من أول شهر في السنة الجديدة 2011، بعد أن تردد أن بارك كانكل، عضو مكتب جمعية القبة السماوية بمينوسيتا ومُدرس علم الفلك بالكلية التقنية في مينيابوليس، أخبر جريدة “ستار تريبيون” أن هناك فجوةً بين رأي علم الفلك وعلم التنجيم. وهو التصريح الذي سُرعان ما تناقلته مواقع الإنترنت والمدونات وعدد من وسائل الإعلام اعتقاداً منهم أن هذا شيء جديد، لكنه ليس بجديد، كما يقول الدكتور راي.
رأي قديم
قال الدكتور راي في تصريح له للموقع الإلكتروني “لايف ساينس” إن عالم الفلك والرياضيات اليوناني الشهير الذي عاش ما بين 310 قبل الميلاد و230 قبل الميلاد كان من أوائل من تعرف على هذه المواقع خلال رصده ودراسته لحركة النجوم والأجرام السماوية”. وأضاف “إننا نعتبر أن نجم الشمال الذي يعلو القطب الشمالي للكرة الأرضية قريب جداً من محور دوران الأرض حول نفسها ودائم الظهور، وأن موقعه ثابت في الشمال لدرجة أنه أصبح هاماً جداً لعدد من علماء الفلك لمعرفة الاتجاهات. لكن إذا عُدنا قليلاً إلى الوراء وإلى الحقبة التي بُنيت فيها أهرام مصر، فإننا سنجد أن النجم الذي كان يعلو القطب الشمالي لم يكن نجم الشمال المعروف حالياً، بل كان أحد نجوم كوكبة التنين وكان اسمه الثعبان (نجم غير متألق بشكل كاف ليرى من المناطق ذات التلوث الضوئي). وخلال 12 ألف سنة القادمة، سيصبح نجم الشمال هو “النسر الواقع”، أحد ألمع نجوم كوكبة “القيثارة””. وختم الدكتور راي بالقول إن الدوران الكامل يتم بعد 26 ألف سنة، وإن كل شيء في السماء يتغير.
مجرد أكاذيب
إذا افترضنا أن مواقع البروج ثابتة لا تتغير، فإنه لا يوجد إلى الآن أي دليل علمي ساطع وقاطع قادر على الجزم بأن هناك علاقةً بين النجوم وحياة البشر اليومية. وقد سبق أن أُجريت دراسات حول مدى صدق ما تدعيه الأبراج عند تنبئها بمجريات أحداث الناس اليومية الشخصية والعاطفية والمهنية، ومن بينها دراسة نُشرت في مجلة “الشخصية والاختلافات الفردية” كانت قد استخدمت بيانات أكثر من 15 ألف شخص، فوجدت أنه لا توجد علاقة بين تواريخ ولاداتهم وشخصياتهم. وعلى الرغم من عدم وجود أي دلائل علمية وفلكية حول علاقة النجوم بحيوات البشر، فإن العديد من أفراد مجتمعات كوكبنا يصدقون الترهات التي تأتي بها هذه الأبراج. وقد أفاد تقرير أصدره مؤخراً “مركز أبحاث بيو” الأميركي أن 25% من الأميركيين يصدقون ما تخبرهم به الأبراج حول مجريات حياتهم ومستقبل أيامهم، بل وحتى شخصياتهم.
تقويم جديد
يقول علماء الفلك الذين يعارضون تقويم تواريخ الأبراج المعمول بها منذ حوالي ألفي سنة إن التواريخ الحقيقية للأبراج حسب مواقع النجوم الحالية وعلاقتها بالأرض والشمس وبحركات الدوران هي كالآتي:
- الجدي: 10 يناير- 16 فبراير، الدلو: 16 فبراير- 11 مارس، الحوت: 11 مارس- 18 أبريل، الحمل: 18 أبريل- 13 مايو، الثور: 13 مايو- 21 يونيو، الجوزاء: 21 يونيو- 20 يوليو، السرطان: 20 يوليو- 10 أغسطس، الأسد: 10 أغسطس- 16 سبتمبر، العذراء: 16 سبتمبر- 30 أكتوبر، الميزان: 30 أكتوبر- 23 نوفمبر، العقرب: 23-29 نوفمبر، الحواء: 29 نوفمبر- 17 ديسمبر، القوس: 17 ديسمبر- 20 يناير.
البرج المنسي
أضيف إلى قائمة الأبراج الاثني عشر برج الحواء. وهو ليس إضافة جديدة، وإنما هو بمثابة إعادة الأمور إلى نصابها، فهو برج كان يعرفه البابليون القدامى، لكنهم أقصوه لا لشيء إلا لأنهم كانوا يريدون أن لا تتعدى قائمة الأبراج 12 بُرجاً. وهذا مثال آخر يشير إلى مدى تجاهل بعض علماء التنجيم للوقائع الفلكية التاتريخية والمرصودة حالياً، واعتمادهم منهجاً انتقائياً يتعارض مع مبادئ العلم الأساسية. ويقول الدكتور راي “أعتبر هذا ضرباً من ضروب الجنون! فهم يحسبون أن من حقهم وضع قوانينهم الخاصة بهم والتي تتماشى مع أمزجتهم”. ومن جانبه، يقول كانكل “ينبغي أن ننشُر وعياً أكثر، وثقافةً أعمق حول الأجرام السماوية وما تحفل به السماء من نجوم، وعلى الأقل المرئي منها، فلعل ذلك يقنع الناس بأن يقضوا بعض الوقت في التأمل في سماء الكون والاستمتاع برؤية ما تزدان به من نجوم”.
عن “كريستيان ساينس مونيتور”
ترجمة هشام أحناش
برج الحواء
يظهر برج الحواء في سماء النصف الشمالي للكرة الأرضية خلال فصل الصيف وفي سماء النصف الجنوبي من الكرة الأرضية خلال فصل الشتاء. ومن السدم التي يمكن مشاهدتها في برج الحواء NGC 6369, NGC 6572. ومن بين كوكباته النجميةM 10, M 107, M 12, M 14, M 19, M 62, M 9, NGC 6401. أما نجوم برج الحواء، فهي ألفا الحواء (نجم رأس الحواء)، وبيتا الحواء (نجم كلب الراعي)، ودلتا الحواء (النجم مقدم يد الحواء )، وإبسلون الحواء (نجم مؤخر يد الحواء )، وإيتا الحواء (النجم السابق)، ولامبدا الحواء (النجم مرفق الحواء).
المصدر: أبوظبي