الديوانية (أ ف ب)
تتواصل الاحتجاجات القائمة في أنحاء العراق، مع خروج عشرات آلاف المتظاهرين يومياً، منذ نحو شهرين، رغم القمع الذي أسفر عن مقتل المئات، رفضاً لطبقة حاكمة «لم تقدم أي خدمة» للشعب العراقي، بحسب كثيرين.
ويتطلب الأمر اليوم في العراق، سنوات للحصول على وظيفة في المؤسسات الحكومية، فيما لا يزال القطاع الخاص ضعيفاً، رغم وعود التنمية وتحقيق الرخاء التي قدمت للعراقيين عند إطاحة نظام صدام حسين عام 2003.
ويعتبر الدخول إلى القطاع الحكومي فوزاً، رغم أنه يشكل عبئاً متواصلاً على ميزانية البلاد، أنفق ثلثها خلال عام 2019، كرواتب موظفين في القطاع الحكومي في العراق الذي تعتمد ميزانيته بصورة رئيسة على صادرات النفط.
وتتحدى أم صلاح، بشجاعة التقاليد السائدة في العراق، بالمشاركة يومياً في الاحتجاجات، وتقطع أم صلاح، الأرملة البالغة من العمر 57 عاماً، الطريق ذهاباً وإياباً، سيراً على الأقدام، للتظاهر إلى جانب أبنائها السبعة، وجميعهم عاطلون عن العمل، وسط مدينة الديوانية، في جنوب العراق.
وتقول: «آتي يومياً من منزلي الذي يبعد حوالي أربعة كيلومترات عن ساحة التظاهر، سيراً على الأقدام، كوني لا أملك في أغلب الأحيان مالاً يكفي لأجرة التاكسي، للمشاركة في التظاهرات، والوقوف مع أبنائي المتظاهرين، لتحسين أوضاعهم المعيشية والاقتصادية».
وتابعت: «أعود في أوقات متأخرة أغلب الأحيان سيراً على الأقدام، إلى منزلي في حي عشوائي بأطراف المدينة». ولا توفر السلطات حالياً، بعدما كان نظام صدام حسين يوزع قطع أراضٍ للسكن، أي شيء لها، وهو ما دفع أم صلاح إلى بناء منزل بسيط، لتسكن مع أبنائها في أحد الأحياء العشوائية التي تنتشر في مدن متعددة، ويعيش فيها اليوم حوالي ثلاثة ملايين عراقي.
وتحدثت أم صلاح، بحزن عميق، عن رحيل زوجها، قائلة: «تعرض زوجي إلى مرض، ولم نستطع أن نعالجه، كوننا لا نملك المال الكافي، والخدمات الطبية في المستشفيات الحكومية رديئة، وتوفي بسبب المرض، والفقر الذي فتك به».
وانطلقت الاحتجاجات منذ الأول من أكتوبر، في بغداد ومدن جنوبية، للمطالبة بـ«إسقاط النظام»، وتغيير الطبقة السياسية التي تحكم البلاد منذ 16 عاماً، ويتهمها المتظاهرون بالفساد والفشل في إدارة البلاد.
ويحلم المتظاهر مهند فاضل، البالغ 30 عاماً، منذ حصوله قبل بضع سنوات على شهادة الماجستير في التربية البدنية، بالحصول على وظيفة حكومية.
ويقول هذا الشاب: «درست وتخرجت منذ أكثر من عشرين عاماً، ولم أحصل على فرصة عمل باختصاصي».
ويشير إلى حصوله على «عقد كمحاضر جامعي، أتقاضى عن كل محاضرة أربعة آلاف دينار عراقي (قرابة ثلاثة دولارات)، أي نحو أربعين دولاراً شهرياً».
لكن ذلك لا يكفي لتلبية متطلبات الحياة، لذلك يضطر «بعض الأحيان للعمل سائق تاكسي، لكن الظروف الاجتماعية والتقاليد باتت تطاردني، ففكرت ذات مرة، فيما إذا استأجرني أحد طلبتي في الجامعة، كيف سيكون موقفي؟». وأكد أستاذ الاقتصاد، موسى خلف، أن العامل الاقتصادي المتردي للفرد العراقي، هو الأساس وراء الاحتجاجات التي عمت أغلب مدن وسط وجنوب العراق.
واعتبر أن انخفاض مستوى دخل الفرد الذي يصل لأقل من 600 دولار سنوياً، وارتفاع معدل الفقر إلى حوالي 25 في المئة، والبطالة إلى 30 في المئة، عوامل كافية للتظاهر والاحتجاج ضد الحكومة.
وأشار خلف، إلى وجود أكثر من ثمانية مليون فرد، دون مستوى خط الفقر في هذا البلد الذي يسكنه 40 مليون نسمة.
وقبل انطلاق موجة الاحتجاجات، اتخذت السلطات المحلية في محافظات جنوبية عدة، مجموعة تدابير، بينها إزالة مجمعات سكنية عشوائية دون تقديم بديل، وهو ما أدى إلى إشعال شرارة تظاهرات مناهضة للسلطات.
وفي إحدى هذه المجمعات، وتقع في محافظة واسط جنوب بغداد، أقدم شاب على حرق نفسه، بعد مصادرة عربة جوالة، كانت تمثل مصدر رزقه الوحيد، في بلد يمثل العاطلون عن العمل واحداً من بين كل أربعة شباب، وتمثل نسبة الشباب، ما دون الـ25 عاماً، 60 في المئة من السكان.