إبراهيم الملا (الشارقة)
ما الذي يحدد مصير الكتاب الورقي، وهل بات الرهان على هذا الشكل النمطي للكتاب محفوفاً بالتوجس، والأسئلة المقلقة في ظل هيمنة وسيادة الألواح الإلكترونية والوسائط المتطورة اللاهثة وراء اختزال الحجم والزمن، وتقليل التكاليف العالية لطباعة الكتب ونشرها بين قراء يصعب تحديد توجهاتهم وأذواقهم في عصرنا الراهن.
تصدّر هذا السؤال الندوة التي استضافتها قاعة (ملتقى الكتّاب) مساء أمس الأول بمعرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته السابعة والثلاثين وحملت عنوان: «مستقبل الكتاب وسط تصاعد التأثير الإلكتروني على وسائل النشر» شارك بها كل من الكاتبة الإماراتية صالحة غابش- المدير العام، والمستشارة الثقافية للمكتب الثقافي والإعلامي بالمجلس الأعلى لشؤون الأسرة في الشارقة– والكاتب والناشر النيجيري أكيشوكوا أوفيلي، وقدم الندوة الإعلامي تامر سعيد الذي أشار بداية إلى أن التجارة الإلكترونية ساهمت وبقوة في جعل الوسائل الثقافية التقليدية محكومة بآليات هذا السوق الافتراضي الجديد، وقال إن الدول المتقدمة باتت تضع تشريعات وقوانين تحكم حركة هذا السوق، وبالتالي فإن المؤشرات المتعلقة ببيع الكتب مثلاً هي مؤشرات واضحة ومحددة لمصيرها مستقبلاً، بينما تعاني دول أخرى غياب هذه القوانين، ما يجعل بيع الكتب من خلال الوسائط الإلكترونية محكوماً بفوضى المعلومات وغياب الإحصائيات.
بينما تحدثت صالحة غابش في بداية مداخلتها عن دور التكنولوجيا في حياتنا اليومية، وكيف أنها أدت لتطور البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وبات لها دور عميق وحيوي في تكوين نسيجها وآلياتها، وقالت إن الممارسات التقنية الجديدة أصبحت متوافرة الآن بيد الصغار والكبار، وفتحت أبواباً واسعة للتعرف على ثقافات الشعوب الأخرى، وقالت: «إذا اعتبرنا أن الكتاب ولو بشكل رمزي هو عنوان وواجهة الثقافة في كل الأزمنة، فإن الفضاء الإلكتروني لم يهمل دور هذا الكتاب وتأثيره على قطاعات واسعة من الجمهور»، واستطردت: «إن تصاعد التأثير الإلكتروني له آثار إيجابية وأخرى سلبية، فمن الآثار الإيجابية أن تجارة الكتب الإلكترونية صنعت حالة اقتصادية مستقرة، وقللت من تكاليف النشر والتوزيع والشحن وغيرها، بينما تتمثل الآثار السلبية في الانطوائية والعزلة والظواهر الاجتماعية غير الصحية سلوكياً ونفسياً».
وشدّدت غابش على أن القراءة عموماً، وبغض النظر عن شكل ونوعية الكتاب، يجب أن تكون متاحة للجميع، لأنها تمثل فعلاً إنسانياً راقياً، وتساهم في خلق مجتمعات واعية، وأجيال جديدة قارئة ومتصالحة مع واقعها ومستقبلها، مضيفة أن القراءة تعمل على تكوين بيئة آمنة ومستقرة لكافة أفراد المجتمع، وخصوصاً فئة الأطفال واليافعين المتطلعين لتفعيل خيالهم واستثمار هذا الخيال لتحقيق مكاسب مستقبلية لا ينقصها الطموح والجرأة والإبداع.
أما الكاتب النيجيري أكيشوكوا أوفيلي، فأشار إلى أن الكتب الإلكترونية باتت هي الأوفر حظاً في الانتشار، مقارنة بالكتاب الورقي التقليدي، وذلك لسهولة الحصول على هذه الكتب وقلة تكلفتها، ولأن 90 بالمئة من البشر على كوكب الأرض باتوا يتعاملون مع الأجهزة الذكية، موضحا أن عدداً من هؤلاء البشر مازال متخوفاً من هيمنة الوسائط الحديثة على الكتاب التقليدي وبالتالي تهديد وجوده، واستطر قائلاً: «ولكن هذا لن يحدث» ودلّل على قوله بمساهمة شركة عالمية ضخمة مثل «أمازون» في بيع الكتب الورقية على جمهورها، وبشكل أكبر وأوسع مقارنة بمبيعاتها من الكتب الإلكترونية، مضيفاً: «من المهم نشر ثقافة القراءة، أما طبيعة الكتب، فتحددها ذائقة الأجيال القادمة».
ونوّه أوفيلي إلى أن أكبر تهديد يواجه الكتاب الإلكتروني هو عمليات القرصنة، وتجاوز حقوق الملكية الفكرية، وبالتالي التسبب في خسارة المؤلفين لجهودهم ومكاسبهم المتوقعة من التشريعات المتبعة، ومن حركة البيع القانوني للكتب.