يقول الله تعالى في سورة الزخرف الآية رقم «51»: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ)، كذلك يقول تعالى في سورة يوسف الآية رقم «21»: (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ)، ويشير الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر إلى أن المقصود بتلك الآيات هي مصر كدولة وليس كمدينة فحسب، وأن كلمة «مصر» قد وردت في سياق قصتي يوسف وموسى إلا أن الأمر الذي يستدعي إيضاحاً هو قوله تعالى على لسان موسى لقومه: (اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ..)، «البقرة: الآية 61».
(القاهرة) - أوضح الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر أن كلمة « مصر» هنا لا تدل على مصر الوطن وإنما تعني المدينة المتحضرة أي مدينة متحضرة في أي مكان، ودليلنا أن كلمة «مصر» في الآية جاءت مفعولاً به منصوباً، وهي منونة «مصراً» أي ليست ممنوعة من الصرف، وفي موضع آخر يقول تعالى على لسان يوسف (وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ)، «يوسف: الآية 99»، فجاءت الكلمة هنا «مصر» تدل على الوطن وهي مفعول به أيضاً ومنصوب، ولكن من دون تنوين لأنها ممنوعة من الصرف حيث تدل على «مصر» الوطن الأعجمي.
كلمة مصر
وقال: هذه التفرقة اللغوية الدقيقة بين كلمة «مصر» في الآيتين توضح لنا أن كلمة «مصر» لها معنيان معنى الوطن الذي يعيش فيه المصريون، وكذلك مصر بمعنى الأرض ففي كثير من الآيات يصف القرآن مصر بأنها «الأرض»، حيث عاشت الدولة فيها قوية مهابة في عصور طويلة موغلة في القدم، وخصوصا في عصر الرعامسة الذي شهد قصة موسى ونقرأ في ذلك قوله تعالى في سورة القصص على سبيل المثال: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الْأَرْضِ..)، «القصص: الآية 4»، (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ..)، «القصص: الآية 5».
ويضيف الجندي: ذكر اسم مصر خمس مرات في القرآن الكريم ففي سورة البقرة قال تعالى: (اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم)، وفي سورة يوسف: (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)، وفي سورة يونس: (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتاً)، وفي سورة الزخرف: (قال ياقوم أليس لي ملك مصر)، وفي سورة يوسف مرة ثانية (وقال الذي اشتراه من مصر)، وذكرت مصر بصورة غير مباشرة في 23 موضعاً آخر.
أشجار مثمرة
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذكر مصر قوله صلى الله عليه وسلم: «ستفتح عليكم بعدي مصر فاستوصوا بقبطها خيراً فإن لكم منهم ذمة ورحماً»، وقوله صلى الله عليه وسلم «إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا بها جنداً كثيفاً فذلك الجند خير أجناد الأرض. قال أبو بكر: «لمَ يا رسول الله؟ قال لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة»، وقال: عبد الله بن عمرو: لما خلق الله آدم مثل له الدنيا شرقها وغربها وسهلها وجبلها وأنهارها وبحارها وبناءها وخرابها ومن يسكنها من الأمم، ومن يملكها من الملوك فلما رأى مصر رآها أرضاً سهلة ذات نهر جار مادته من الجنة تنحدر فيه البركة وتمزجه الرحمة، ورأى جبلا من جبالها مكسداً نوراً لا يخلو من نظر الرب إليه بالرحمة في سفحه أشجار مثمرة فروعها من الجنة، تسقى بماء الرحمة فدعا في النيل بالبركة ودعا في أرض مصر بالرحمة.
أما دعاء نوح عليه السلام لها، فقال عبدالله بن عباس: دعا نوح عليه السلام لابنه بيصر بن حام أبي مصر، فقال اللهم إنه قد أجاب دعوتي فبارك فيه وفي ذريته وأسكنه الأرض الطيبة المباركة التي هي أم البلاد وغوث العباد.
آل فرعون
وذكر من ولد بمصر من الأنبياء ومن كان بها منهم عليهم السلام وكان بمصر إبراهيم الخليل وإسماعيل وإدريس ويعقوب ويوسف واثنا عشر سبطا، وولد بها موسى وهارون ويوشع بن نون ودانيال وأرميا ولقمان، وكان بها من الصديقين والصديقات مؤمن آل فرعون الذي ذكر في القرآن في مواضع كثيرة، وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه اسمه حزقيل وكان بها الخضر وآسية امرأة فرعون وأم إسحاق ومريم ابنة عمران وماشطة بنت فرعون.
إكراماً للرسول
ومن مصر تزوج إبراهيم الخليل «هاجر» أم إسماعيل وتزوج يوسف زليخا ومنها أهدى المقوقس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم «ماريا القبطية»، فتزوجها وأنجبت له إبراهيم ويذكر أنه لما اجتمع الحسين بن علي مع معاوية قال له الحسين: إن أهل حفن بصعيد مصر وهي قرية مارية أم إبراهيم فأسقط عنها الخراج إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسقطه أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كتب إلى عمرو بن العاص قائلاً: أما بعد، فإني قد فكرت في بلادك وهي أرض واسعة عريضة رفيعة قد أعطى الله أهلها عدداً وجلداً وقوة في البر والبحر، قد عالجتها الفراعنة وعملوا فيها عملاً محكماً مع شدة عتوهم فعجبت من ذلك وأحب أن تكتب لي بصفة أرضك كأني أنظر.