القاهرة (الاتحاد) - أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذه الأمة ستفترق، وأن افتراقها سيكون أعظم من افتراق الأمم التي قبلها من أهل الكتابين اليهود والنصارى، وأخبر بما هو أعظم من ذلك، وهو أنها سوف تحتذي بالأمم الكافرة في كل الموبقات التي يترفع عنها المسلم، والتي لا يصدق أنها قد تقع منه، والتفرق في الدين يكون في الأهواء والشيع والأحزاب والفرق.
افتراق الأمة
وذكر أهل العلم من الأحاديث التي أمكنهم الوقوف عليها في خبر الاختلاف والفرقة الناجية، خمسة عشر حديثاً، عن جمع من الصحابة تجعل من المتيقن عند من اطّلع عليها وعلى طرقها صدور هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها بيان حتمية افتراق الأمة، واختلافها هذا الاختلاف الواسع العريض، وهذا تخويف وتحذير لها من ذلك، وأن هذه الفرق كلها مذمومة متوعدة بالنار، إلا فرقة واحدة، وهي الناجية.
ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل من هي يا رسول الله، قال: «من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي» وفي بعض الروايات «هي الجماعة».
وعن معاوية أن رسول الله قال: «إن أهل الكتاب افترقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة يعني الأهواء كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة، وقال إنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله».
فرقة ناجية
ويقول العلماء إن حديث الافتراق من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أخبر عن أمور ماضية من تفرُق اليهود والنصارى دون أن يكون له في ذلك سابق علم أو قراءة أو اطلاع، وأخبر عن أمر مستقبل وهو تفرق أمته، ووجود فرقة ناجية منصورة إلى قيام الساعة، فوقع الأمر كما أخبر به.
والمراد من الافتراق في الحديث هو الخروج عن السنة والجماعة في أصل أو أكثر من أصول الدين الاعتقادية منها أو العملية، أو المتعلقة بالمصالح العظمى للأمة، وأهل الافتراق هم المفارقون لأئمة المسلمين وجماعتهم، السالكة لغير سبيل السنة وأهلها، المباينة لنهج السلف الصالح، والافتراق لا يكون إلا بابتداع، ما لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن الرسول قال: «يكون في أمتي قوم في آخر الزمان يسمون الرافضة يرفضون الإسلام»، وعن ابن عباس قال سمعت رسول الله يقول يكون في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة يرفضون الإسلام ويلفظونه فاقتلوهم فإنهم مشركون».
وهذا الحديث علامة من علامات النبوة، حيث أخبر فيه صلى الله عليه وسلم بأمر غيبي، وقد حصل افتراق الأمة إلى فرق كثيرة بعد وفاته فوقع كما أخبر.
أهل الإسلام
ويرى العلماء أن الموقف الصحيح من حكم النبي صلى الله عليه وسلم على الفرق الاثنتين والسبعين بأنها في النار يتمثل في أنهم لا يزالون من أهل الإسلام، ولم يخرجوا منه إلى الكفر، وأن هذا النص لا يقتضي الحكم على تلك الفرق جميعا بالخلود في النار، وإنما يتعامل معه، كما يتعامل مع غيره من نصوص الوعيد، وأهل تلك الفرق في الآخرة تحت مشيئة الله، فمن شاء عفا عنه وأدخله الجنة، ومن شاء عذبه وأدخله النار ثم أخرجه منها إلى الجنة.
الموقف الصحيح إزاء الافتراق هو الحرص على معرفة منهج الفرقة الناجية، والتمسك به ومفارقة المذاهب الباطلة والمناهج المخترعة والفرق المبتدعة، والحذر الشديد من مخالطتها.
فروع الفقه
وألف الإمام أبو منصور التميمي، في شرح هذا الحديث كتابا قال فيه: قد علم أصحاب المقالات أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد بالفرق المذمومة المختلفين في فروع الفقه، من أبواب الحلال والحرام، وإنما قصد بالذم من خالف أهل الحق في أصول التوحيد، وفي تقدير الخير والشر، وفي شروط النبوة والرسالة، وفي موالاة الصحابة، فيرجع تأويل الحديث في افتراق الأمة إلى هذا النوع من الخلاف.
والأصل في الإسلام وأهله الاجتماع لا الافتراق، والتعاون لا التصارع، والتآخي لا التعادي، والاتحاد والترابط لا التشتت والتباعد، هذا ما أمر به الإسلام، وجاءت النصوص الشرعية بالنهي عن الاختلاف والافتراق.