السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السودان: أسباب التوتر ومخاطر السلبية

23 يوليو 2012
اختبار القوة بين المحتجين المعارضين للحكومة السودانية وقواتها الأمنية وقع في فضاء مفتوح مغبر حول أحد مساجد الخرطوم بعد صلاة الجمعة؛ حيث كان بضع مئات من السودانيين يستعدون باللافتات والشعارات التي تندد بـ23 عاماً من حكم الرئيس السوداني عمر حسن البشير، وبتدابيره التقشفية الجديدة الصارمة، وتراجع الاقتصاد. ولكن احتجاج الثالث عشر من يوليو انتهى تقريبا حتى قبل أن يبدأ؛ حيث تقدم أفراد شرطة مكافحة الشغب بمركباتهم إلى الأمام في اللحظة التي انتهت فيها الصلاة، ملوحين بهراواتهم ومطلقين الغازات المسيلة للدموع التي غمرت المكان وأرغمت المحتجين على الجري بحثا عن غطاء. وفي غضون 15 دقيقة شكل نحو 100 شرطي صفاً منع مجموعة متبقية من المغادرة. وبعد 20 دقيقة، غادرت أعداد من أفراد الشرطة المتخفين -العديد منهم كانوا يرتدون الجلاليب الطويلة التي يرتديها المصلون عادة من أجل الاختلاط معهم أثناء تسللهم إلى المسجد- المنطقة على متن مركبات تويوتا، بعد انتهاء المهمة. وفي تعليقه على ما جرى، قال شاهد سوداني، بينما كانت العناصر الأمنية يهمون بالرحيل على متن المركبات: "أترى؟ إنهم يرتدون الملابس ذاتها التي يرتديها المصلون. إنهم يتربصون بهم!"، مضيفاً "هذا النظام ليست لديه أي قواعد- إن تفكيرهم الوحيد منصب على كيفية التمسك بالسلطة". عندما بدأت المظاهرات قبل نحو شهر في الجامعات وانتشرت في الخرطوم ومدن أخرى، بدأ النشطاء يمنون النفس بأن انتفاضة على نموذج الربيع العربي قد بدأت تشق طريقها أخيرا إلى السودان. وعلى كل حال، فإن فصل جنوب السودان عن الشمال قبل نحو عام حرم الحكومة من 75 في المئة من دخلها؛ والنزاع والتوتر مازالا مستمرين على عدد من الجبهات؛ كما أن التضخم تضاعف في العام الماضي إلى 37 في المئة. وعلاوة على ذلك، فإن العقوبات الدولية تؤثر تأثيراً كبيراً، والبشير متهم بارتكاب جرائم من قبل المحكمة الجنائية الدولية. وبالتالي، يبدو أن جميع مكونات "العاصفة المثالية" موجودة، عاصفة يمكن أن تؤدي إلى احتجاجات ضخمة مطالبة بتغيير النظام. غير أن المسؤولين السودانيين يقللون من شأن الاحتجاجات ويعتبرونها غير ذات أهمية - ويبدو أن أي منها لم تتمكن من حشد أكثر من 1000 شخص في بلد يبلغ عدد سكانه 34 مليون نسمة. وكان البشير قال في أواخر يونيو الماضي: "قالوا إن التدابير الاقتصادية كانت فرصة لـ"الربيع العربي"، ولكننا عشنا "الربيع العربي" عدة مرات من قبل"، في إشارة إلى ثورات شعبية سابقة، مضيفاً: "إذا أراد الشعب السوداني أن ينتفض فسينتفض كله. الأشخاص الذين يقومون بإحراق الإطارات هم بضعة محرضين". وبالفعل، فقد وُصفت المظاهرة الاحتجاجية المحبطة في مسجد الإمام عبد الرحمن في الضاحية الشمالية الغربية لأم درمان -والتي هتف خلالها المحتجون: "الشعب يريد إسقاط النظام"- بأنها "لا شيء يحدث" من قبل متحدث باسم الشرطة، نقلا عن وكالة رويترز. غير أن هذه اللامبالاة لم تمنع رد فعل شرساً من قوات الأمن السودانية المنتشرة في كل مكان؛ حيث يقول النشطاء إن 2000 منهم تعرضوا للاعتقال حتى الآن، وللتعذيب أيضا، ومن بينهم زعماء مهمون، الأمر الذي أثبط التحمس لتحرك في الشارع - في الوقت الراهن على الأقل. وفي هذا الإطار، يقول طالب ناشط في كلية الهندسة عن قدرة النظام على الصمود في وجه الأزمات السياسية والاقتصادية: "إنهم عباقرة، يجب أن نعترف لهم بذلك"، مضيفاً "إنهم يتلاعبون بعقول السودانيين ويعرفون كيف يقومون بذلك، ويقولون للناس ما يرغبون في سماعه. فالآن، على سبيل المثال، هناك أشخاص يعذَّبون، ولكنك لن تعرف ذلك إلا إذا حدث لأحد أقربائك. غير أن الأزمة الاقتصادية جعلت الناس يفتحون أعينهم أكثر". الأشخاص الذين خرجوا إلى الشوارع هم في معظمهم نشطاء، يقول هذا الطالب الذي رفض الكشف عن اسمه على غرار طلبة آخرين، "ولكن السوداني العادي يكتفي بالجلوس في بيته والقول: "أحسنتم صنعا"... إنهم لا ينخرطون بشكل فعلي"، يقول الطالب. وهذه الدرجة العالية من السلبية، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة، هي التي تمكِّن أفراد قوات الأمن -الذين لا يتلقون رواتب جيدة أيضاً، إذ كثيراً ما يتقاضى الشرطي ما يعادل 70 دولاراً في الشهر- من الإبقاء على الاحتجاجات تحت السيطرة. وفي هذا الإطار، يقول عادل عبد الغني، وهو محام في الخرطوم: "إن ما يحدث هو نتيجة لتراكم الإحباطات التي تعود إلى انفصال الجنوب". فالسودانيون يشعرون بالاستياء لكونهم "تراجعوا" من أكبر بلد في أفريقيا إلى ثالث أكبر بلد. ثم إنه بعد عقود من تعبئة المقاتلين في جبهات المعركة في الجنوب، "توجت" بخسارة الإقليم الشاسع في الأخير -إضافة إلى النفط الذي كان يمثل في وقت من الأوقات شريان الحياة بالنسبة للسودان- فإن ذلك يعني أن "الإنجازات التي تتحدث عنها الحكومة ليست حقيقية، أو فُقدت"، مثلما يقول عبد الغني الذي أشار إلى فقدان العملة لقيمتها و"الارتفاع الصاروخي" للأسعار وقال: "إن أركان الاقتصاد السوداني دُمرت؛ ولذلك، فإننا اليوم نبدأ على هذه الأنقاض"، مضيفا "إن ما يحدث الآن سيستمر. أما ما إن كان ذلك سيرقى إلى إسقاط النظام، فإنني لا أملك جوابا على ذلك". سكوت بيترسون الخرطوم ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©