26 أكتوبر 2010 20:33
أعلنت النقابات في فرنسا أن عمالها المضربين عن العمل سيستمرون في تعطيل حركة النقل الطرقي والسككي؛ هذا بينما نظم الطلبة مسيرات احتجاجية في الشوارع وتعهدوا من جانبهم بمقاطعة مدارسهم.
أما الحكومة، التي تحاول أن تظهر بمظهر الحزم والصرامة، فقد دعت البرلمان إلى تجاهل الفوضى وتسريع عملية التصويت على إصلاح مثير للجدل لنظام التقاعد.
وقد ظلت فرنسا عالقة يوم الخميس في ما بات يمثل امتحاناً كبيراً لرئاسة ساركوزي ذات التوجه المحافظ: استمرار الاضطرابات الناتجة عن إضراب وحركة احتجاجية على الصعيد الوطني حافظا على زخمهما للشهر الثاني على التوالي.
ويقول مساعدو ساركوزي إنهم يتوقعون أن تنطفئ جذوة الاضطرابات قريباً، خاصة مع بداية عطلة مدرسية تستمر لعشرة أيام تبدأ مع نهاية الأسبوع الجاري، مضيفين أنه نظراً للأغلبية التي تتوفر عليها الحكومة في غرفتي البرلمان، فإن التمرير النهائي للقانون الإصلاحي مضمون مطلع الأسبوع المقبل في جميع الأحوال.
غير أن النقابات الكبرى أعلنت عن اعتزامها تنظيم إضرابين ومظاهرات وطنية جديدة يومي الثامن والعشرين من أكتوبر والسادس من نوفمبر، معبرةً عن أملها في أن تأتي الضغوط أكلها في نهاية المطاف وترغم ساركوزي على سحب مشروع القانون والبدء من جديد.
وقد أثار النزاعَ الحالي قرارُ ساركوزي رفع سن التقاعد من 60 إلى 62 عاماً، في مسعى لإعادة التوازن لميزانية الضمان الاجتماعي التي تسجل عجزاً يتفاقم كل عام؛ حيث يقول ساركوزي ومساعدوه إنه لا يوجد خيار آخر يضمن حفاظ نظام التقاعد على موارد كافية لخدمة سكان البلاد الذين يزدادون شيخوخة.
ومع ذلك، يتوقع أن يحافظ الإصلاح في فرنسا على أكثر برامج التقاعد سخاءً في العالم وسن تقاعد أصغر بكثير مقارنة مع جيرانها الأوروبيين.
غير أن زعماء النقابات، المدعومين من قبل الحزب الاشتراكي المعارض وجيش متنام من الطلبة المحتجين، يعترضون على ذلك ويرون أنه وفق الإصلاح الذي يقترحه ساركوزي، فإن العمال منخفضي الدخل سيضحون أكثر من غيرهم، ويعتبرون أن فرض ضريبة على الأرباح يمثل أفضل خيار للبحث عن موارد مالية إضافية.
وتعكس الحجة استياءً أكبر من ساركوزي وتكتيكاته بين النشطاء النقابيين والمتعاطفين معهم ممن يرون أن مقترح إصلاح نظام التقاعد ليس جائراً فحسب، وإنما جرى الترتيب له وصياغته بدون مشاورات كافية مع النقابات ومجموعات المعارضة.
والأكثر من ذلك، ينتقد المحتجون الإصلاح باعتباره خطوة أولى من قبل المحافظين لتقليص برنامج حماية اجتماعية قائم منذ الحرب العالمية الثانية، برعاية صحية، وضمانات على الإجازة، وساعات عمل، ومدارس عامة... يغبط الآخرون عليها فرنسا.
وخلال زيارة يوم الخميس إلى مصنع لمعدات وأواني المطبخ في بونفال، حوالي 96 كيلومتراً جنوب غرب باريس، وصف ساركوزي تشريعه، ليس كمحاولة لتحطيم ذلك النظام، وإنما كمحاولة للحفاظ على صندوق التقاعد وحمايته من إفلاس محتمل.
كما انتقد بشدة المضربين، الذين قال عنهم إنهم يرفضون تقبل الواقع، مشيراً بشكل خاص إلى عمال الموانئ وعمال المصافي وسائقي الشاحنات الذين عرقلوا توزيع الوقود وتسببوا في إغلاق محطات التوزيع. وقال لحشد من العمال: "ليس لديهم الحق في جعل الناس غير المعنيين رهائن لديهم".
وفي محاولة واضحة للطعن في مصداقية المحتجين، ندد ساركوزي بأعداد قليلة من الطلبة والمحتجين الشباب الآخرين الذين عمدوا إلى تخريب المتاجر وقلب السيارات والاشتباك مع قوات مكافحة الشغب في مدينة ليون والضاحية الباريسية نانتير، قائلا: "إن المخربين ليست لديهم الكلمة الأخيرة في بلد ديمقراطي".
وفي هذه الأثناء، شارك حوالي 15 ألف طالب في مسيرة بمحاذاة الضفة اليسرى في باريس، حيث نددوا بعناد الرئيس ورفضه التزحزح عن موقفه. كما تم الإعلان عن مسيرات طلابية أخرى في مدن بواتييه ونانت وبوردو وليل ومونبلييه. وأعلنت وزارة التعليم أن 312 مدرسة ثانوية، من أصل 4300، تعطلت فيها الدراسة بسبب الطلبة الذين يحاولون منع زملائهم من الدخول.
وفي هذا الإطار، قال فيكتور جريزي، سكرتير "اتحاد الثانويات الوطنية"، على هامش المسيرة التي نظمت في باريس: "إن هذا لن ينتهي قريبا".
وفي مؤشر آخر على أن المشاكل مع الشباب الفرنسي لم تنته -وهو مؤشر مزعج بالنسبة لبعض المحتجين أيضاً- أعلنت شركة إنتاج المغنية "ليدي جاجا" أن هذه الأخيرة قررت إرجاء حفلتيها اللتين كانتا مقررتين يومي الجمعة والسبت في باريس بسبب غياب ضمانات على وصول الشاحنات المحملة بالمعدات الصوتية إلى الملعب.
ويشار إلى أن معظم المظاهرات الطلابية كانت سلمية، وإن كان بعض المحتجين الشباب قاموا برمي النوافذ بالحجارة في مدينة ليون. وقد قامت الشرطة باستجواب أكثر من 200 شاب منذ اندلاع أعمال العنف في ليون وعدد من المدن الأخرى في وقت سابق من هذا الأسبوع.
وكانت وزارة التعليم أعلنت أن حوالي 12 جامعة فقط، من أصل 83، قد تعطلت فيها الدراسة بسبب الاحتجاجات.
إدوارد كودي - باريس
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«واشنطن بوست وبلومبورج نيوز سيرفيس»