حسام محمد (القاهرة) - يقول الله تعالى في سورة الإسراء: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير)، وكذلك يقول تعالى في سورة الأنبياء: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ)، وقال تعالى في سورة التين: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ).
يقول الدكتور محمد رأفت عثمان عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: المدينة المقصودة بتلك الآيات هي بيت المقدس أو القدس كما نعرفها نحن الآن وهي المدينة الوحيدة التي سماها الله من فوق سبع سماوات ولم يسم القرآن غيرها، فالذي سمى المسجد الحرام والمسجد الأقصى المبارك هو رب العزة والجلال سبحانه وتعالى في القرآن الكريم.
سكن الأنبياء
ويضيف : وقد ذكرت القدس أو بيت المقدس أو الأرض المقدسة في فلسطين في القرآن الكريم ثلاث عشرة مرة كلها ارتبطت بأنها الأرض المقدسة التي باركها الله لأنها كانت سكن الأنبياء والمرسلين وقد اتفق المؤرخون على أن اليبوسيين وهم من القبائل الكنعانية التي خرجت من الجزيرة العربية إلى فلسطين ـ هم أول مَنْ أسس مدينة القدس، فقد تم اكتشاف قبور تعود إلى العصر البرونزي المبكر سنة 3200 - 2000 قبل الميلاد، وسورها في العصر البرونزي المتأخر سنة 1550 – 1000 قبل الميلاد ويؤكد مؤرّخون أنّ تحديد زمن بناء القدس غير معروف ولا يستطيع مؤرّخ تحديده وبداية وجودها مرتبطة بالمسجد الأقصى الذي بني بعد المسجد الحرام بـ 40 عاماً، وتذكر المصادر التاريخية أنها كانت منذ نشأتها صحراء خالية من أودية وجبال، وقد كانت أولى الهجرات العربية الكنعانية إلى شمال شبه الجزيرة العربية قبل الميلاد بنحو ثلاثة آلاف عام، واستقرّت على الضفة الغربية لنهر الأردن، ووصل امتدادها إلى البحر المتوسط، وسميت الأرض من النهر إلى البحر، “أرض كنعان”، وأنشأ هؤلاء الكنعانيون مدينة “أورسالم” وقد اتّخذ أبناء القبائل العربيّة الأولى من المدينة مركزاً لهم، “واستوطنوا فيها وارتبطوا بترابها، وهذا ما جعل اسم المدينة “يبوس”. وقد صدّوا عنها غارات المصريين، وصدّوا عنها أيضاً قبائل العبرانيين التائهة في صحراء سيناء، كما نجحوا في صدّ الغزاة عنها أزماناً طوالاً.
المكانة
وبعد ظهور الإسلام ظهرت المكانة العظيمة لبيت المقدس ، لقد هاجر الأنبياء هجرات متعددة إلى مدن وقرى مختلفة، وإذا استعرضنا هذه الهجرات يفاجأ الإنسان أنها فراراً من مدن ظالمة إلى مدن وجد فيها الأمان ولقد ارتبطت مكة مع بيت المقدس بالهجرة، وبمعنى الهجرة وبهجرة الأنبياء ما بين مكة، وبيت المقدس منذ آدم عليه السلام وختمت برحلة الإسراء للنبي محمد فالهجرة الأولى: كانت هجرة إبراهيم ولوط عليهما السلام من العراق إلى فلسطين قال تعالى: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) كَما أُسْرِيَ بالنَّبِيِّ مِنَ الْمَسجدِ الْحَرَام إِلَى الْمَسجِدِ الأَقْصَى للتخفيف عنه بعدما سخر منه الكفار لتأخر الوحي والهجرة الثانية: هي هجرة موسى عليه السلام من مصر إلى فلسطين مصداقاً لقوله تعالى: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ).
وأمر كليم الله موسى - عليه السلام - قومه بدخول الأرض المقدسة من الشام؛ ليدخلوها فاتحين، ويقاتلوا الكفرة: العمالقة، ويطهِّروا الأرض المقدسة من رجسهم، لكنهم نكلوا، وقصتهم معروفة مشهورة؛ وهي في سورة المائدة.
قديم الزمان
ولما لم يكتب لموسى- عليه الصلاة والسلام- دخولها، بسبب نكوص قومه عن الجهاد وتخاذلهم، شكا ضعفه إلى ربه: “قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ”. وقد كانت أرض مدينة القدس في قديم الزمان صحراء تحيط بها من جهاتها الثلاث الشرقية والجنوبية الغربية الأودية، أمّا جهاتها الشمالية والشمالية الغربية فكانت مكشوفة وتحيط بها كذلك الجبال التي أقيمت عليها المدينة، وهي جبل موريا “ومعناه المختار” القائم عليه المسجد الأقصى المبارك، ويرتفع نحو 770 متراً، وأعلى نقطة فيه الصخرة التي تقع فوقها قبة الصخرة المشرفة التي تشكل نقطة قلب المسجد الأقصى المبارك، وجبل “أكر”، حيث توجد كنيسة “القيامة”، وجبل “نبريتا”، وجبل “صهيون” الذي يُعرَف بجبل داوود في الجنوب الغربي من القدس القديمة. وقد قُدِّرت مساحة المدينة بـحوالي كيلومتر مربع واحد، ويحيط بها سور منيع على شكل مربع يبلغ ارتفاعه 40 قدماً وعليه 34 برجاً متنظماً، ولهذا السور سبعة أبواب هي: باب الخليل، والباب الجديد، وباب العامود، وباب الساهرة، وباب المغاربة، وباب الأسباط، وباب النبي داود.
عدد اليوم
