الجمعة 22 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مثقفون عرب: مشاريع الإمارات الثقافيّة تعكس ثراء الوجود الإنساني

مثقفون عرب: مشاريع الإمارات الثقافيّة تعكس ثراء الوجود الإنساني
28 نوفمبر 2019 03:29

استطلاع: ساسي جبيل

قطعت الإمارات خطوات بارزة على درب التنمية الثقافية خلال العقود الأخيرة بشكل غير مسبوق، أهلها لتنال قصب السبق في محيطها العربي والدولي، وكان وراء نجاحها المدهش رؤية ثاقبة تنبع من التنوير والمواءمة بين التراث والحداثة في تناسق قل أن تجد له نظيراً في عالم اليوم. فمنذ الخطوات الأولى للتأسيس حرص الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، على أن تكون الثقافة المعين الأول الذي ينهل منه أبناء الدولة وزوارها وضيوفها، ثم ارتقت في سلم الحضور تدريجياً لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم من نماء ورخاء بفضل تأسيس مؤسسات كبرى وبعث مشاريع ثقافية مهمة وصلت بها اليوم إلى ماهي عليه من ريادة. «الاتحاد الثقافي» استطلع آراء عدد من المثقفين والكتاب والإعلاميين العرب بمناسبة اليوم الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، فكانت هذه الإضاءات.

يقول الكاتب الروائي والإعلامي المصري ناصر عراق، في سياق حديثه عن المشهد الثقافي في دولة الإمارات: أكاد أجزم أنه ما من دولة في العصر الحديث استطاعت أن تعزز دورها الثقافي التنويري في ظرف عقود قليلة للغاية مثلما فعلت دولة الإمارات بنجاح مدهش، فقد كان الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، يدرك تماماً دور الثقافة في النهوض بالشعوب، وهو الدور الذي يواصل دعمه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لذا فالمتابع للمشهد الثقافي الإماراتي سيرصد الحجم الكبير للمؤسسات والأنشطة والفعاليات الثقافية التي تطلقها القيادة الرشيدة للدولة من أجل منح الثقافة ما تستحقه من اهتمام وتقدير، فعلى سبيل المثال، لا الحصر، أطلقت أبوظبي جائزة البوكر العربية، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، ومشروع كلمة للترجمة، ونظمت كل عام معرض أبوظبي الدولي للكتاب، ثم أنشأت متحف (اللوفر أبوظبي) فكان فتحًا كبيرًا على الفن التشكيلي العالمي وكنوزه المبهرة.
أما دبي فتحتوي من العمائر المذهلة ما يعد آيات عجيبة في دنيا العمران تسر الناظرين، وعلى رأسها برج خليفة معجزة البناء الحديث، وأوبرا دبي، فضلاً عن الفعاليات والأنشطة والجوائز الكبرى في الآداب والفنون والعلوم التي تطلقها مؤسسة سلطان بن علي العويس ومؤسسة ندوة الثقافة والعلوم، كذلك تواصل دبي مسيرتها في تأكيد الدور الثقافي لها، بعد أن اعتمد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، رؤية دبي الثقافية الجديدة التي تستهدف تفعيل الحراك الثقافي لتحتضن دبي المفكرين والمبدعين والكتاب والفنانين من كل أنحاء العالم ليشاركوا في رفد الثقافة العربية والعالمية بكل ما هو جديد ومؤثر وجذاب.
وأضاف عراق: لا يغيب عن فطنة اللبيب انحياز صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، للثقافة والإبداع، فقد أطلق مهرجان الشارقة المسرحي ومعرض الشارقة الدولي للكتاب وبينالي الشارقة وأنشأ معهد الخط العربي ومعهد الفنون المسرحية، وخصص مقراً محترماً لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات، فضلاً عن إصدار عدد من المجلات الثقافية المتنوعة التي تغذي الحركة الثقافية العربية بالفكر وفن والأدب.
وفي الفجيرة تقام منذ أعوام فعاليات ثقافية عديدة متنوعة، ومؤخراً انطلقت جائزة الشيخ راشد بن حمد الشرقي للإبداع لتشعل المنافسة الشريفة بين المبدعين العرب، فالمنافسة تطور الشعوب، والإبداع يهذب النفوس. باختصار.. الإمارات مصنع عظيم للثقافة الجادة والأدب الرفيع والفنون الجميلة.

ريادة ثقافية
أما الكاتب والناقد المغربي عزيز العرباوي فأكد أن لا أحد يستطيع أن ينكر الريادة الثقافية لدولة الإمارات العربية المتحدة، سواء في مجال الأدب أم في مجال الفكر والفن، حيث استطاعت التأسيس لقطب ثقافي متميز تبوأت من خلاله الريادة والتفوق. فأغلب المؤتمرات الثقافية والمنتديات والمسابقات الرائدة والعالمية تنطلق من الإمارات لتجوب العالم العربي وباقي البلدان العالمية، حيث عشرات الجوائز الكبرى والتي تحتفي بالكاتب العربي وتكرمه التكريم المستحق خير مثال على ذلك، وهذا الفعل ليس ترفاً مادياً أو ما شابه، وإنما هو أمر نابع من الوعي الثقافي لدى قادة الدولة وأهمية الثقافة في مشروعهم السياسي.
وأضاف العرباوي: إن صدور العديد من المجلات الثقافية والعلمية والفكرية دليل على أهمية الثقافة في الإمارات العربية المتحدة ومدى مساهمتها في التنمية البشرية على المستوى الوطني وعلى المستوى القومي، نظراً لكون هذه المجلات، ومنذ صدورها، قد انفتحت على المبدعين والكتاب العرب دون تمييز أو تصنيف، ففتحت أمامهم آفاق الكتابة الحرة والتعبير الفكري الذي يفتقده العديد منهم في بلدانهم الأصلية. وإن دلَّ هذا على شيء فإنما يدل على أن هناك إرادة سياسية حقيقية لدى حكام الإمارات لخلق مناخ ثقافي وفكري حرّ في العالم العربي ينطلق من الإمارات ويجوب باقي بلدان العالم العربي الأخرى.
ومن هنا، أهنئ الإمارات وقيادتها على تحقيق حركية ثقافية قوية في أوطاننا والدفع بها إلى العالم الأرحب وتحقيق العالمية المرجوة.

روح العصر
الشاعر التونسي الكبير منصف الوهايبي قال لـ «الاتحاد الثقافي»، إنه يمكن القول دون شطط، إنّ الطابع الغالب على ما نسميه مجازاً «روح العصر» هو البعد الثقافي. وليس أدل على ذلك من تغليب قيمة الاستعمال على قيمة التبادل، بما يمنح القرار الاقتصادي نفسه والقرار المجتمعي بشكل عام، مرجعيته الثقافية. والثقافة إنّما يصنعها المثقّفون، ولكنّ المثقّف لا يمتلك الأدوات التي تمتلكها الدولة الحريصة على نشر الثقافة وتعميمها.
وفي هذا السياق نقدّر حقّاً الدور الرائد الذي نهضت ولا تزال تنهض به دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، من أجل تطوير المفاهيم الثقافية المندمجة بشكل فاعل في عصرها، وفي ضوء رؤية حضارية مستنيرة. ولقد حققت الإمارات من المشروعات الثقافية ما لا يخفى. ويجري هذا كلّه بخطى ثابتة، تحفظ للمجتمع أصالته وثوابته، دون غلوّ، وتتيح له أن في الآن نفسه أن ينفتح على المجتمعات والثقافات الأخرى، في عالم تقوّضت فيه الحدود والفواصل بين «الخارج» و«الداخل»، واستطاعت «الحضارة» المعاصرة من حيث هي مظلّة عامة أو ممارسة عملية أن تغنم مساحات شاسعة سياسية واقتصادية وتربوية واجتماعية وثقافية. ولم يعد بميسور العرب ولا غيرهم من شعوب العالم الإسلامي أن ينزوُوا في شوارد من ثقافتهم أو في أساليب من العيش والتقاليد لا تناسب الانقلابات المذهلة في عالم اليوم.
وفي هذا اليوم الثقافي الاستثنائي في عالمنا العربي، لا مناص من التذكير بأنّ الدور موكول الآن إلى المثقّف العربي النشيط ذي الروح الوثّابة، حتى تكون لنا نحن العرب مكانتنا في رهان المنافسة الثقافيّة العالميّة على نحو ما تفعل دولة الإمارات حيث المشاريع الثقافيّة تتناسب وثراء الوجود الإنساني أو غناه، ولا تلغي الاختلاف والتعدّد بل تسعى إلى إدماجهما في سياق من التناغم الخلاق.

سمفونيّة متناغمة
أما دكتور المعزّ الوهايبي، أستاذ الجماليات بجامعة القيروان بتونس فيقول: لا يسع أيّا كان أن ينكر الدّور الذي يضطلع به الذكاء الإماراتي في مجالات ثقافيّة كثيرة تهمّ المواطن الإماراتي مباشرة، ولكن تهمّ أيضا المواطن العربيّ. ولكن يعنينا ونحن نهنّئ المثقّفين الإماراتيين بعيدهم الوطنيّ أن ننوّه بما اهتدى إليه بلدهم من تدبير ثقافيّ ينمّ عن رؤية شموليّة تنهض على الانتباه الذكيّ لدى القيّمين على الفعل الثقافي إلى مغانم التّكامل بين مختلف قطاعات الثقافة. فعلى خلاف ما تتولّى التّركيز عليه سياسات ثقافيّة في بلدان أخرى، عربيّة وغير عربيّة، حيث تكتفي بالاشتغال على ميدان أو ميدانيْن من ميادين الثقافة، تنتبه السياسة الثقافيّة في الإمارات إلى أنّ المنجز الثقافي ينبغي التّعاطي معه على أنّه جسم متكامل لا يجوز بتره. ويكفي أن نرى، في هذا المقام، إلى الحرص على التّكامل بين المنجزيْن اللّغويّ والبصريّ، ففضلاً عن دعم حركة التّرجمة بنشر السلاسل التي تُعنى بالآداب العالميّة وبمنتجات الفكر في مجال العلوم الإنسانيّة والعلوم الطّبيعيّة بهمّة مطّردة تُروّي نسغ اللّغة العربيّة فتضمن تجدّدها الموصول، وفضلاً عن إقامة معارض الفنون التّشكيليّة وإثراء المتاحف بروائع الإنجازات البصريّة العالميّة، فإنّها لم تتوانَ عن استنبات المكان الخياليّ في أرض الإمارات، ونعني بذلك أعجوبة اللّوفر الإماراتيّ حيث التّزاوج العجيب بين التّشكيل والعمارة واللّون!
ويسعدني حقّا أن اغتنم هذه الفرصة لأتوجّه، من هذا المنبر، إلى المثقّفين الإماراتيين مباشرة لأعبّر لهم عن أنّي بقدْر ما اعتزّ، وأنا أحقّق الإفادة تلو الإفادة من الخدمات التي يقدّمها بلدكم للثقافة العربيّة بصيانته لثمار الإبداع فنّا وفكرا، أغبطكم حقّا (غبطة المحبّ، لا محالة) على قدرتكم على أن تجمعوا في مشهد ثقافيّ متنوّع بين المنجز الفرجويّ/‏‏‏المشهديّ حيث مخابر التّجريب المسرحيّ وحيث الدّفع بصناعة السّينما العربيّة وبين المنجز اللّغويّ حيث التّأسيس لحركة التّرجمة في مختلف حقول المعرفة وحيث معارض الكتاب تتركّز أسواقا ثقافيّة ترمي إلى تبادل الرّؤى المختلفة وتعزيز الوعي النّقديّ المستنير أكثر ممّا ترمي إلى الرّيع التّجاريّ. ويضاف إلى ذلك الدّور التّحفيزي الذي تلعبه الجوائز في مختلف ميادين الثقافة ممّا يشيع قدْرا هائلا من التّفاؤل لدى كثير من أعلام الفكر في العالم العربيّ ولدى المعنيين بالسّياسات الثقافيّة عموما.
ولا يفوتني أيضا التّنويه بتحويل الثقافة إلى شاغل يوميّ من خلال بعث الملاحق الثقافية ذات الحرفيّة العالية ووضوح الرّؤية. وأكثر من ذلك، لا يتمّ الاكتفاء بتعزيز الفعل الثقافيّ في دولة الإمارات فقط، وإنّما يجري بمواظبة موصولة تعزيز المبادرات الثقافيّة في كثير من البلاد العربيّة. فهناك، بالفعل، في الإمارات عقل سياسيّ ثقافيّ خلاّق.
أما نور الدين بالطيب، الشاعر والصحفي التونسي، فقال: أتابع منذ أكثر من عشر سنوات الحراك الثقافي في دولة الإمارات العربية المتحدة وما لاحظته هو تعدد المشاريع الثقافية ذات البعد العربي مثل مشروع كلمة المتخصص في الترجمة والهيئة العربية للمسرح التي أصبحت حاضرة في معظم التظاهرات المسرحية العربية ومعارض الكتب في أبوظبي والشارقة ومهرجانات المسرح مثل مهرجان المسرح الصحراوي في الشارقة ومهرجان دبي للسينما ومهرجان سينما الطفل وغير ذلك من المنصات الثقافية التي تحظى بإشعاع عربي ودولي.
ويضاف إلى هذا الحراك الفضائيات المتخصصة في الثقافة واحتضان جامعة السوربون وجائزة الشيخ زايد التي تعد واحدة من أرفع الجوائز العربية وجائزة البوكر العربية للرواية وغير ذلك.. لقد نجحت الإمارات العربية المتحدة في أن تكون واجهة لنشر ثقافة التنوير والتحديث في عالم عربي تتقاذفه رياح التشدد والعنف.

الثورة الثقافية الموجهة
الشاعر السوري علاء زريفة، أكد أنه من الطبيعي عندما نفكر بالثقافة أن نتجه أولاً نحو التربية ثم نحو رفع شأن الجماهير -أي الانعاش- ثم نحو إصلاح المؤسسات والحقوق وبالتالي تخطيط الحاجات المتماسك بهذا المنطق يمكننا فهم عمل، وفكر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وهو الفكر المتفوق والسابق لعصره في قراءة وتوقع الانتكاسات المحتملة في الاعتماد على النفط فحسب، لذلك تم استخدامه وتوظيفه في مشاريع إنتاجية وتنموية كفلت اليوم تحقيق ما لم تستطعه أي دولة أخرى اليوم عبر بناء الإنسان والعقل الإماراتي باعتباره الثروة التي لا تنضب.
وبالتالي كانت السياسة الثقافية التي أرسى دعائمها «حكيم العرب» ناظراً إلى التربية كاستثمار لسياسة التنمية الاقتصادية وتحفيز الإنسان الإماراتي كوسيلة أساسية لخلق مجموعات اجتماعية ثقافية ومجموعات متخصصة تستطيع وحدها أن تجلب الروح المبدعة التي تمنح الحد الأعلى من الحريات عبر إحياء التراث الجمعي والحفاظ على الهوية الوطنية، وبالتالي زيادة مساهمة الأفراد في جهود التنمية الذي هو بحد ذاته عمل ثقافي في مجالات الفنون والمسرح والآداب والموسيقى.
كان فكر المغفور له الشيخ زايد يقوم على تحقيق ثورة نمو معرفي بحيث يجعل التقنية مصدر ثقافة وأداة للمواطن الإماراتي ليناضل ضد الطبيعة القاسية ونفاذاً علميا للواقع، وكان مذهبه مذهباً إنسانياً مبدعاً. ومن هنا يمكننا أن ندرك أهمية مخرجات هذه الثورة الثقافية بطبيعتها المتفردة والتي يمكن اعتبارها نموذجاً حيَاً محرضاً عمقت القيم العربية الأصيلة، وجوهر الإنسان العربي الإماراتي النوعي من خلال الأنشطة ودور المؤسسات الثقافية الإماراتية ودعمها للمثقفين والكتاب العرب على اختلاف مشاربهم وتعزيز أهمية الكاتب كقيمة معرفية عبر التشجيع ورعاية المواهب والدعم اللامحدود.
يكفي في هذا السياق الحديث عن معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي يصنف الثالث عالمياً لنعي هذا الدور المحوري للإمارات العربية المتحدة في إثراء المشهد الثقافي العربي كونها قبلة المستقبل عربياً.

النهضة الثقافية الشاملة
محمد أبو عرب، الشاعر والإعلامي الأردني، أكد أن الإمارات أدركت على المستوى المجتمعي وعلى مستوى المؤسسة الرسمية، أن تجربة النهوض الحقيقة والراسخة تبدأ من النهضة الثقافية، القائمة على عدة ركائز منها المتعلق بالمؤسسات الأكاديمية والبحثية، والأخرى المتمثلة في الأديب والباحث والمثقف الذي يقود بنتاجه الإبداعي والفكري الحراك التنويري المجتمعي، ويضاف إلى تلك الركائز دور المؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية وما قدمته من جهد تظهر ملامحه في المعارض، والملتقيات والجوائز وغيرها. انطلاقاً من ذلك يمكن قراءة النهضة الثقافية للإمارات بالتوازي مع تجربة نهوضها التي بدأت منذ ظهور النفط وتشكل الاتحاد، حيث تلتقي اليوم على أرضها أبرز المنجزات المعرفية والإبداعية التي تعبر عن الحراك الثقافي العربي وليس الإماراتي وحسب، فهي التي تحتضن أحد أكبر ثلاثة معارض للكتاب في العالم (معرض الشارقة الدولي للكتاب)، وهي التي تفتح الباب كاملاً على تاريخ الفن الإنساني من خلال (لوفر أبوظبي)، وهي أيضاً الدولة التي تمنح أبرز وأهم الجوائز الأدبية والمعرفية العربية (جائزة البوكر للرواية العربية)، و(جائزة الشيخ زايد للكتاب). تدفع هذه النهضة التي لا تنعكس على راهن المثقف والمجتمع الإماراتي وحسب، وإنما تعيد تشكيل حضور الثقافة العربية أمام العالم، إلى النظر تجاه النهضة الاقتصادية باعتبارها تجربة انتقال حضاري شاملة، تتجاوز مرتبة الدولة في سلم الدول المصدرة للنفط، لتصل إلى قائمة الدول الراعية والداعمة لمختلف أشكال الفعل الثقافي الإنساني.
ويقول الكاتب الجزائري عبد الرزاق بوكبة، في نفس السياق: فاتنا كثيرا أن نحضر نحن العرب في الساحة العالمية من باب الاقتصاد والتكنولوجيا والصناعة وما إليها من الحقول الشبيهة، بالنظر إلى معطيات موضوعية كثيرة، وبقيت أمامنا فرص للحضور من باب الثقافة والآداب والفنون، من خلال الإنتاج والترجمة والتسويق والمعارض والمهرجانات والكتب والمجلات والتبادلات الثقافية بيننا وبين الشعوب الأخرى، ولقد لعب الفضاء الإماراتي، خاصة في العقد الأخير دورا بارزا وواعيا ومؤسسا في هذا الرهان. إن متابعة بسيطة لما يقوم به من خلال عشرات المبادرات الكبرى، خاصة من خلال تجربة الشارقة، تجعلنا نلمس هذه الحقيقة التي تبرمجنا على الفخر والاعتزاز والإحساس بأن هناك كيانا ثقافيا عربيا فاعلا وثريا. إننا مطالبون بالانخراط أكثر في المساعي الثقافية والفنية والحضارية الكبرى لإثبات الذات العربية وربطها بالحوار لا بالانغلاق والمشاركة لا الحياد والانفتاح لا التقوقع، فنعمل على تغيير صورتنا التي أريد لها ان ترتبط بالرايات السوداء.

دولة التنوير
الشاعر والباحث الجمالي المغربي عز الدين بوركة، يقول حول دور الإمارات التنويري: تلعب الثقافة دوراً حاسماً في البناء الحضاري لكل أمة، وذلك بكل ما تحمله كلمة الثقافة من أبعد إنسانية وأنتروبولوجية وسوسيولوجية وفكرية، من حيث إن الإنسان كائن بيو- ثقافي، لا يمكنه أن يتقدم ويتطور دونما ثقافة. ووعيا منها بهذا المعطى عملت دولة الإمارات المتحدة على الارتقاء بدور الثقافة في حياة المواطن العربي بشكل عام وحياة المواطن الإماراتي بشكل خاص، منذ تأسيسها.
ورفعت الإمارات راية التنوير عالية، وذلك لرسم خريطة جيو ثقافية تتسع لكل مدارج ومعارج وتيارات الفن والثقافة، لبناء أجيال تحمل في أعماقها حب الانتماء للبلد وثقافته وتدفعها رغبة الارتقاء به عاليا. ولا يمكن أن يقوم التنوير إلا على أرض خصبة، أرض لا بد من رعايتها والاهتمام بها، حيث يتم الاعتناء بنشر المعرفة والعلم والفن، باعتبارها أسلحة فتاكة لدحر الظلام والتخلص منه، إنها السبيل للخروج من الظلام إلى النور. ولا يعد التنوير غريبا عن الثقافة العربية والإسلامية، فهو دعوة قائمة منذ العصور الأولى. ولأن التنوير لا يمكن أن يقوم من دون نشر وانتشار، باعتبار الكتب والمجلات والجرائد والمنشورات والمتاحف ودور العرض والمكتبات... أرضه الخصبة، فقد ساهمت في ذلك مجلات وموسوعات وجرائد ومتاحف ومدارس معاصرة وغيرها، في العالم الغربي، وخاصة داخل الإمارات بكل ما تقدمه الدولة من دعم، وذلك لنشر أفكار الأنوار وتنوير.
لهذا فقد شكلت تجربة الإمارات المتحدة تجربة هامة وذات قيمة عالية لتأسيس مجتمع عربي، من الخليج إلى المحيط، يعتز بماضيه وتراثه وثقافته المتأصلة في الجذور العالمية، ساعيا إلى تطويرها وإنمائها متفاعلا مع المستجدات والمتغيرات.

التنوير مصعد النهضة
يؤكد باسل الترجمان، الكاتب والإعلامي التونسي، أنه منذ قيامها لعبت الإمارات دوراً كبيراً ومميزاً في دفع الثقافة العربية وتطوير آلياتها ومساندة كل الجهود العربية والعالمية من أجل أن تكون الثقافة التنويرية المصعد الفعلي لأي نهضة عربية.
لم تدع الإمارات مساحة ثقافية جادة لم تضعها في أولى اهتماماتها فكان للمسرح والأدب والشعر منصات كبيرة وفاعلة ساهمت وما تزال في النهوض بها ودفع إشعاعها لتصل إلى العالمية بكل تجرد وبعيدا عن أي رؤى فئوية أو محلية. لقد كان للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الدور العظيم والذي سجله التاريخ بأحرف من نور بأن اعتبر الثقافة مساحة للاستثمار الخير لخدمة الإنسانية وهذا الدور تواصل وتطور وتدعم ومازال يقدم الكثير للثقافة العربية التنويرية. ولا بد أن نحيي الجهد العظيم والصادق لدولة الإمارات في مواجهة الجهل والردة والتخلف الثقافي التي سعت أطراف ولا تزال تسعى لتمريره ليكون صانعاً للكراهية والحقد والعنف.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©