22 أكتوبر 2010 23:42
لم يدرك عبد الله . س (32 عاماً) إماراتي من القاطنين في الشارقة، أن صحبة رفقاء السوء وإطاعتهم في البدايات بتدخين السجائر فقط، ستكون بداية الطريق للإدمان بعد أكثر من عام وبعد أن تطور الأمر، لتضم مجالسهم كافة أنواع المخدرات من حشيش وحبوب مخدرة وخمور وغيرها.
هكذا وجد نفسه، كما يقول عبد الله، في حالة من الضياع وأن صحته تتدهور بصورة مستمرة وطاوع أهله في أن يلجأ لمركز التأهيل الخاص بشرطة الشارقة، ليبدأ “كورس” علاج يستمر لأشهر ومع شدة إصراره وعزمه على التخلص من الإدمان، تحقق له ذلك في أقل من عام ليبدأ بعدها حياة أخرى جديدة.
وأفاد بأنه كان شاهد عيان على حالات فردية يتوفى فيها مدمنون نتيجة تعاطي جرعات زائدة من المخدرات في جلسات خاصة، وكذلك كانت غالبية تصرفات المدمنين ممن تعرف إليهم تميل للانحراف وأنه ليس لديهم أي مانع من ارتكاب أي فعل مهما كان في سبيل الحصول على مزاجهم من المواد المخدرة.
علاج وتأهيل
ويؤكد العميد علي عبد الله علوان مدير عام شرطة عجمان أن عدد حالات المدمنين من مواطني الدولة الذين يخضعون للعلاج والتأهيل من الإدمان في الإمارة، يتراوح بين 25 و30 حالة وأن أعمارهم بين 20 وحتى 35 عاماً”، أما المدمنون من الوافدين فعندما يتم ضبطهم، يحاكمون ومن ثم يتم ترحيلهم لبلدانهم بعد قضاء فترة محكوميتهم”، ويخضعون لبرامج إعادة التأهيل والعلاج في مركز أبوظبي وأنهم جميعاً يخضعون لفحوص دورية وكذلك فجائية، للتأكد من عدم عودتهم للتعاطي مرة أخرى وأنهم ملتزمون ببرامج إعادة التأهيل.
وأضاف علوان أن المدمن أو متعاطي المخدرات يظل بعد السجن وأثناء العلاج، تحت المراقبة والملاحظة والمتابعة لقرابة عامين، يخضع خلالها للفحص باستمرار، سواء بشكل دوري أم مفاجئ، للتأكد من مدى وجود انتكاسة من عدمه أو إذا كان قد عاد من جديد للتعاطي.
وقال: “إن الإدمان وتعاطي المخدرات آفة تهدد المجتمعات بشكل عام وتعصف بشبابها، كونهم الكوادر الأساسية التي تعتمد علها المجتمعات في نهضتها وبنيانها”.
وتابع: “أن تعافي المدمن من إدمانه أمر يعتمد بصورة كبيرة بجانب البرامج العلاجية والتأهيلية، على إصرار وعزيمة الشخص نفسه وعدم انصياعه لرفقاء السوء ممن ساعدوه على الإدمان في السابق، وأن يتم شغله بأشياء مفيدة كونه كان يعاني من الفراغ في السابق”.
وطالب مدير عام شرطة عجمان، القائمين على العيادات النفسية وأصحاب الصيدليات، بأن ينتبهوا جيداً قبل منح المرضى حبوب الهلوسة والتي تضم في تركيبتها مواد مخدرة تجعل تلك الحالات من المدمنين، مؤكداً ضرورة الربط الإلكتروني بين الصيدليات والمراكز العلاجية لعدم منح المريض فرصة لصرف الوصفات الطبية المتعلقة بحبوب الصرع والهلوسة لأكثر من مرة وتحويله تدريجياً لمدمن.
وذكر أن الإدارة تركز دائماً مع بداية العام الدراسي في جهودها التوعوية على طلبة المدارس والجامعات، والعمل على خلق نوع من التواصل وفتح قنوات متنوعة مع الشباب، خصوصاً صغار السن كونهم الفئة التي من الممكن أن تتعرض للإدمان.
وفيات بسبب الإدمان
من جهة أخرى، صرح اللواء حميد محمد الهديدي مدير عام شرطة الشارقة، ورئيس اللجنة العليا لمكافحة المخدرات بوزارة الداخلية، بأن هناك 17 شخصاً توفوا العام الماضي بسبب تعاطي المخدرات، وأن 16 شخصاً منهم من مواطني الدولة، وأن أعمارهم تراوحت بين 23 و48 عاماً، كما أن هناك 11 مواطناً، من إجمالي العدد، لقوا حتفهم بسبب تعاطي الهيروين والبقية نتيجة تعاطيهم أنواعاً مختلفة من العقاقير والمواد المخدرة.
وأفاد بأن الدولة تتضامن مع كافة الجهود الدولية والإقليمية، الرامية إلى الحد من انتشار المخدرات، ومنع محاولات تهريبها عبر الدول، وتوسيع قاعدة التشريعات والقوانين، التي تحرم وتجرّم زراعة وصناعة وتجارة المخدرات والتداول غير المشروع للعقاقير والمواد المخدرة بأي صورة من الصور، وتشديد العقوبات المقررة بشأن التورط بقضايا جلب وتهريب وترويج وتجارة المخدرات.
وذكر أن الجهات المعنية في الدولة تعمل على رفع مستوى الوعي بخطر المخدرات والأضرار الناتجة عن تعاطي المخدرات بين كافة فئات المجتمع، واستنفار الجهود الوطنية والمجتمعية والأسرية في دعم هذه الجهود والعمل على حماية أفراد المجتمع وأبنائه من خطر انتشار المخدرات، إضافة إلى الجهود المبذولة في مجال علاج وتأهيل ضحايا المخدرات والإدمان.
وكشف الهديدي أن أجهزة مكافحة المخدرات بالدولة استطاعت ضبط عدد كبير من القضايا التي تتعلق بتعاطي المخدرات، والاتجار وحيازة واستنشاق واستيراد المواد المخدرة إلى جانب عدد كبير من المتهمين الذين تم ضبطهم في هذه القضايا ومن بينهم عدد كبير من مواطني الدولة، وأنه تم ضبط أنواع مختلفة من المخدرات من بينها الحشيش والحبوب المخدرة إضافة إلى الهيروين، والكوكايين، وغيرها من المواد المحظورة.
تفكك أسري
وقد أظهرت إحدى الدراسات الاجتماعية، قامت بها الدكتورة مديحة نصار أستاذة علم الاجتماع بإحدى الجامعات العربية، أن الأمر ينتهي بمدمني المخدرات إلى حال مروعة، والإقدام على ارتكاب ابشع الجرائم ويكون سبباً رئيسياً في تفكك الأسرة وانهيارها وفشل الأبناء. وبالنسبة للعلاقات الاجتماعية للمدمن، فهي تصل إلى الصفر، إذ لا تكون له أي علاقة عادية إلا ببعض المدمنين مثله والشلة التي يتعاطى في وسطها.
وأكدت أن المجتمع بكافة مؤسساته يجب أن يتكاتف في مواجهة المخدرات، لأنها عدو لا يرحم أو يتوقف مهما حاولت كافة الدول والحكومات والشعوب أن تحشد في مواجهته كافة الإمكانيات والوسائل، ذلك أن حجم الإغراء والعائد المنتظر من تجارة وتهريب وترويج المخدرات يجعل منها معركة حياة أو موت بالنسبة للمغامرين.
وأشارت الباحثة إلى أنه على الرغم من الجهود المبذولة في مكافحة المخدرات والقوانين والتشريعات والعقوبات الرادعة ضد تجارة وتهريب المخدرات، نجد أن زحف المخدرات في تصاعد مستمر، ومحاولات تهريبها وترويجها لا تتوقف. وعن الحالة الصحية للمدمن نوهت إلى أن المتعاطي يشعر بتوتر وقلق وصداع شديد إذا تأخر عن أخذ الجرعة، وكذلك عدم التركيز أو الرغبة الملحة في الخروج من شعور غريب يعتري الجسم في حاجة ماسة لذلك الشيء الذي تعوده.
كما يصاب بالكآبة وضيق النفس والتوتر العصبي إلى غير ذلك من الحالات غير العادية، إذ لا يستقر صاحبها على حال، ويؤثر الإدمان بالوظائف العقلية من حيث الإدراك والتذكر والتصور والتخيل والانتباه والتركيز والإرادة وسلامة التفكير بوجه عام، كما يؤثر على الجانب الانفعالي للشخصية من حيث الرضا والسرور والنشوة والاكتئاب.
من جهته، دعا صلاح مبروك المستشار القانوني بأحد مكاتب الاستشارات القانونية في دبي، إلى أهمية تفعيل التشريعات القانونية داخل الدولة تجاه تجار المخدرات، أو مروجيها وبائعيها، مشيراً إلى أن المشرع الإماراتي أصدر القانون الاتحادي رقم (14) لسنة 1995م في شأن مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، ورفع عقوبة تجار ومهربي المخدرات إلى الإعدام، كما نصت المادة (49) منه.
177 جريمة مخدرات
يذكر أن التقرير الأمني الأخير لشرطة الشارقة الصادر العام قبل الماضي، كان قد أفاد بأن الجرائم المتعلقة بالمخدرات في الإمارة عام 2008 وصلت إلى 177 جريمة متهماً فيها 357 شخصاً من بينهم 144 مواطناً، وأن هناك 293 فرداً في الفئة العمرية ما بين 18 وحتى 40 عاماً.
وأثبت التقرير أن الجرائم ارتفعت هذا العام بصورة تفوق كثيراً ما كانت عليه في السنوات الماضية، حيث لم تتعد الزيادة بين عامي 2007 و2006 نسبة الـ 10%، وأن هناك زيادة متسارعة عاماً بعد عام في الجرائم المرتبطة بالمخدرات حيث سجلت الأعوام ما بين 1998 و2006 على التوالي: 65، 78، 108، 147، 160، 123، 111، 104، 103 جرائم.
وأوضح التقرير أن عدد مرتكبي جرائم المخدرات بلغ 357 شخصاً من جنسيات مختلفة وفئات عمرية متباينة، وأن عدد المواطنين منهم وصل إلى 144 شخصاً وشكلوا 40.3% من إجمالي العدد وأن عددهم تضاعف مقارنة بعام 2007 (71 مواطناً).
وكشف التقرير المفصّل عن مرتكبي جرائم المخدرات أن هناك 133 شخصاً من إجمالي العدد (357) من بين الفئة العمرية بين 21 و30 عاماً أي فئة الشباب والذين يعدون العنصر الأساسي في نهضة الدول وتقدمها، إضافة إلى 44 فرداً في الفئة العمرية من 18 وحتى 21 عاماً و14 شخصاً أقل من ثمانية عشر عاماً، وهناك 39 شخصاً ينتمون للفئة ما بين 40 و50 عاماً وثلاثة أشخاص فقط من سن 50 إلى 60 عاماً، إضافة إلى ثمانية أشخاص أعمارهم غير مبينة.
عودة الوعي
يروي عبد العزيز . خ. ب. 37 عاماً مقيم بالشارقة، قصته مع الإدمان، حيث يوضح أنه ظل لأكثر من خمس سنوات يتعاطى العديد من المواد المخدرة وظل برفقة عدد من الشباب يحصلون في جلساتهم على كافة الأنواع الممنوعة إلى أن وصل لحالة من الإعياء الشديد، حيث عثرت عليه الشرطة ليلاً وهو في حالة إرهاق داخل سيارته وتم نقله للمستشفى وثبت إدمانه للهيروين في مراحل متأخرة.
ويتابع، أنه أفاق من غفوته بعد تلك الواقعة ولجأ إلى مركز التأهيل الخاص، بعد أن قاطع كل رفقائه في المرحلة السابقة وبمعاونة أسرته يشعر بأن حالته مستقرة بصورة كبيرة، وبات يشعر بأنه في طريقه للتخلص من الآثار السلبية للمخدرات في جسده وأنه أفضل مما كان عليه في السابق. وأوضح عبد العزيز أن معيشته في مرحلة الإدمان كانت مضطربة جداً سواء المادية أو المعنوية، فقد كان يدخل بصورة يومية مشادات قد تنتهي بالضرب، وكذلك اللجوء لاقتراض الأموال بصورة مستمرة لشراء المواد المخدرة، وغيرها من السلوكيات الخاطئة التي كان رتكبها دون وعي.
المصدر: الشارقة