26 يوليو 2011 20:12
ثمة منعطفات مؤلمة وتراجيدية في الحياة، قلة من الناس تستطيع تجاوزها، أو الانتصار عليها، ومواصلة المشوار. سيحتاج الأمر إلى إرادة صلبة وإيمان كبير وقدرة على الاستمرار بالتفاؤل رغم كل العقبات. الفنان السوري الرائع نضال سيجري الذي أمتعنا في كل أعماله الدرامية ولاسيما في آخر أدواره الناطقة “أسعد” في مسلسل “ضيعة ضايعة”، هو واحد من هؤلاء المحكومين بالأمل والإرادة والإيمان.
فقد نضال سيجري صوته، بعد عملية جراحية لاستئصال ورم سرطاني في الحنجرة، وانحاز إلى الصمت. لكنه بقي حاضراً بقوة في ساحة الفن، ومنذ الأيام الأولى بعد الخسارة الفادحة.
طعم الليمون
نضال عاد من بيروت، وقد فقد حنجرته ليفتتح عروض فيلمه التلفزيوني الأول كمخرج في صالة “الكندي” في حي دمر بدمشق، وسط إقبال جماهيري واسع، وقد حضر العرض الخاص حشد كبير من الفنانين والصحفيين والنقاد، لتنطلق بعد ذلك العروض الجماهيرية.
يروي فيلم “طعم الليمون” حكاية إنسانية مؤثرة، مستفيداً من حدث حقيقي جرى في صيف العام 2009 عندما زارت النجمة الأميركية العالمية إنجلينا جولي وصديقها براد بيت اللاجئين العراقيين في أحد أحياء مدينة دمشق، بصفتها سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة وشؤون اللاجئين، وعلى أرضية هذا الحدث، تبدأ الحكاية، بينما أهالي الحي من اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين والنازحين السوريين من الجولان المحتل يستعدون لاستقبال النجمين، وهم يرسمون أحلاماً وآمالاً عن هذه الزيارة، التي ستسلط الضوء على قضاياهم، وتوصل أصواتهم إلى العالم.
خيبة أمل
بطلا القصة هما الطفل “فارس”، وهو من أسرة نزحت عن الجولان المحتل، والطفلة “يافا”، وهي من أسرة فلسطينية لاجئة، يلتقيان في الحي ويتبادلان القصص والأحلام وسكاكر بطعم الليمون، ويرويان ذاكرة الوطن بوعيهما البريء. وتتطور صداقتهما إلى حالة من الحب الطفولي، ومن خلال هذه العلاقة تتشعب الحكايات، ليروي الفيلم قصة النكبة الفلسطينية ولجوء أكثر من مليوني عراقي إلى سوريا بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وكذلك نزوح أهالي الجولان بعد نكسة حزيران، بالإضافة إلى قصص كثيرة عن عائلات غادرت أوطانها بسبب ظروف سياسية لتجتمع معاً في الحي الدمشقي.
ويشكل حدث زيارة النجمة أنجلينا جولي والنجم براد بيت مناسبة استثنائية لاسترجاع ذاكرة أهالي الحي، وتبادل الحكايات عن سبب وجودهم في هذا المكان، وتتداخل الهموم الشخصية والخاصة مع الهموم العامة، لنتعرف عن قرب على واقع حياة هؤلاء اللاجئين.
المفارقة التي يسجلها الفيلم، هي في المناسبة نفسها، والتي تبدو مع تقدم الأحداث بلا معنى على الإطلاق، فبعد كل الاستعدادات التي قام بها الأهالي للاحتفال بقدوم السفيرة الأممية وما رافقها من تصورات عن أهمية هذه الزيارة، يحضر النجمان، يأخذان الصور التذكارية بابتسامات عريضة إلى جانب حشد من الرجال والنساء والأطفال، ويغادران دون أن يلتفتا إلى حالة البؤس في خلفية الصورة، وينتهي الحدث المنتظر بخيبة أمل كبيرة، وتتكشف الحالة الاستعراضية لهذه الزيارة، والتي بدت خالية في حقيقة الأمر من التعاطف الإنساني. كتب نص “طعم الليمون” الفنان رافي وهبي عن فكرة للمخرج حاتم علي، وشارك فيه المخرج الليث حجو كتعاون فني، وأنتجته المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، وجسد شخصياته الرئيسة على مدى خمس وسبعين دقيقة كل من أمل عرفة، محمد حداقي، ضحى الدبس، نادرة عمران، سيف الدين سبيعي، جواد الشكرجي، حسن عويتي، هاشم غزال، خالد القيش، إيمان جابر، عبد الرحمن أبو القاسم، الفرزدق ديوب، جمال العلي، والطفلين ريم ومحمد شنار.
«نعمان» الأبكم
سيجري الذي اكتشفه الجمهور في وقت سابق كمخرج مسرحي، وزع بياناً عن هذا العرض، اعتبر فيه أن إعجابه بالفكرة هو ما دفعه للإخراج التلفزيوني، وهو لن يتردد في تكرار التجربة عندما تحضر فكرة أخرى أو نص مناسب، يستجيب إلى هواجسه كفنان، شاكراً كل من شاركه في هذا الفيلم، الذي يعتبره حصيلة تعاون فني وجهد جماعي، وهي الحالة المثلى للعمل الفني كما يرى، والتي تتبدى في أفضل صورها على خشبة المسرح.
سيجري لن يغيب عن شاشة رمضان هذا العام، رغم فقدانه القدرة على النطق، فهو يشارك في المسلسل الكوميدي “الخربة” سيناريو الدكتور ممدوح حمادة وإخراج الليث حجو، وفي الدور نفسه الذي كان من المقرر أن يؤديه قبل إجرائه للعملية الجراحية، لكن الدور تحول من ناطق إلى صامت، يجسد سيجري من خلاله شخصية “نعمان” الأبكم، الذي يعود من المغترب إلى قريته بعد أن فشل هناك، ويدعي أمام الأهالي البسطاء أنه أصبح رجل أعمال ثريا، محاولاً خداعهم والاحتيال عليهم، لسلبهم أموالهم، ما يولد الكثير من المواقف الطريفة.
عزم وإرادة
نضال سيجري بما عرف عنه من دماثة وأخلاق وحب وغيرية، كانت له دائماً مكانة في قلوب أصدقائه وزملائه، لكنه اليوم يحصد الإعجاب والتقدير الكبيرين، وهو ينتصر على مرضه، ويواصل مشواره الفني بثبات وعزم كبيرين وإرادة قوية، فثمة هواجس وأفكار كثيرة تتشابك في داخله، وهو يبحث لها عن صيغ فنية جديدة ومبتكرة، ليواصل تألقه في ساحة الفن صامتاً، كما تألق فيها ناطقا.
المصدر: دمشق