أحمد السعداوي (أبوظبي)
تلعب المدارس دوراً رئيساً في الكشف عن مواهب الطلاب ورعايتهم بالشكل الأمثل، عبر الجهود التي تمارس خلال العام الدراسي وتخاطب الطلاب الموهوبين في الرسم، الموسيقى، التمثيل، والغناء، وغيرها من ألوان الفنون التي تمثل نوافذ حية أمام الأجيال الجديدة للتعبير عن ذواتها وتنمية قدراتها المختلفة، ما يظهر دور المدرسة كراعية لهذه المواهب والوصول بها إلى مشارف النجاح عبر أساليب تربوية وعملية على يد متخصصين.
يقول محمد العبيدلي، مساعد مدير مدرسة الرواد بأبوظبي، إن المدارس تلعب دوراً رئيساً في اكتشاف ودعم المواهب المختلفة، عبر الأنشطة الفنية التي تقام داخل المدرسة، ومنها الموسيقية، حيث تعمل على منح الطلاب الموهوبين في العزف الفرصة في ممارسة مهاراتهم وتهذيبها وصقلها من خلال مدرسي الموسيقى، وتزيد بذلك من ذائقتهم الفنية، كما يوفر الرسم للطلبة فرصة للتعبير عن دواخلهم ضمن قالب فني مدروس وقائم على أسس فنية في عدة أنواع من فنون الرسم، مع الاطلاع على أعمال محلية وعربية وعالمية.
ويؤكد أن الموهوبين داخل المدرسة ينالون اهتمام الإدارة والكادر التدريسي، فيتم حصرهم ومتابعتهم ودعمهم بعدة أساليب وفقاً لنوع الموهبة، فهناك مواهب علمية وأدبية وفنية، يتم التعرف عليها من خلال المدرسين الذين يقومون بدورهم على تبنيها، ومن ثم وضعهم ضمن مجموعات، خاصة المواهب الفنية في الموسيقى والمسرح.
وأشار العبيدلي، إلى عدة عقبات تواجه متابعة المواهب داخل المدرسة، ومنها التوقيت، حيث إنه لا يوجد وقت محدد للأنشطة ومتابعة الموهوبين، ويتم استثمار حصص الاحتياط والفسح لتوفير الوقت اللازم، وفي بعض الأنشطة، كالمسرح لا يوجد مسارح في بعض المدارس لكي يتسنى للطلاب خوض العملية في المكان المناسب، وكذلك التقنيات التابعة للمسرح مثل الإضاءة والديكور.
وفي كثير من الأحيان يقلق ذوو الطلاب من تدني درجات أبنائهم بسبب ممارسة مواهبهم، وهنا نود الإشارة إلى أهمية تفريغ طاقات الطلاب بأمور مهمة ونعمل على زيادة ثقتهم بأنفسهم مما يكون له الأثر الإيجابي في تحصيلهم العلمي، لأن الطالب الموهوب يسعى دائماً لأعلى المراتب والتميز.
شريف رخا، معلم التربية الفنية بذات المدرسة، يبين بدوره أن الرسم مادة تأملية تحليلية تسهم في التحليق في الخيال، لذا فإن ممارسة الطلاب للرسم يفتح الباب لاكتشاف مواهب الطلبة تمهيداً لرعايتها وصقلها من خلال عدة خطوات، ومنها إعطاء الطالب الموهوب فرصة الممارسة الفنية بشكل أعمق وفي وقت أطول داخل الحصص الدراسية، وتقديم توجيه فني فردي بما يطور كل طالب موهوب على حدة وفقاً لقدراته الخاصة، مع تنمية القدرة الابتكارية للطالب وإثراء خبراته فيما يتعلق بالخامات المختلفة، للتعبير الفني وفتح الباب أمامه لتجربة ما يراه مناسباً من خامات، من خلال إقامة المعسكرات سواء داخل المدرسة أو خارجها، لصقل مهاراته وخبراته.
ارتجال مسرحي
بلال الشرمان معلم المونودراما بمدرسة الرواد بأبوظبي، شدد على أن النشاط المسرحي، يمثل المتنفس الأكبر للتعبير عن الذات وصقل الشخصية وكسر الخجل والخوف، من خلال عدة تمارين تساعد على تمكين الطلاب من تقنيات الارتجال المسرحي، والذي له الأثر الأكبر في دفعهم نحو القدرة على التصرف وردة الفعل السريعة للمواقف التي يمكن أن يتعرضوا لها، كما أن النشاط المسرحي من أكثر الأنشطة إقبالاً عند الطلاب لما له من أثر على نفسيتهم خلال تقمص شخصيات متنوعة، وعبر الانخراط في هذه الأنشطة يتاح المجال لظهور مواهب واعدة يمكن ثقلها واحترافها لأحد جوانب العمل المسرحي لاحقاً.
ولفت الشرمان إلى وجود عقبات تواجه تطوير هذه المواهب ومنها عدم وضع ميزانية تخدم مشروع تنمية الموهوبين فنياً، أو وضع برامج لاكتشافهم، أو تخصيص وقت خارج الدوام المدرسي لممارسة بعض الأنشطة التي تناسب كل موهبة.
معارض فنية
باهر سمير رشوان، معلم الموسيقى بمدرسة عبدالجليل الفهيم في أبوظبي، أكد أن الموسيقى لا تقل أهمية عن باقي المواد الدراسية، حيث تثقل بعض اللغات من خلال دراستها النظرية بالمصطلحات الإنجليزية والفرنسية والألمانية، إضافة إلى اللغة العربية، كما أن الموسيقى تغرس الروح الوطنية لدى الطلاب من خلال غناء الأناشيد الوطنية، فضلاً عن دورها في تفريغ طاقات الطالب بشكل إيجابي.
ومن أجل دعم مواهب الطلاب تساهم المدرسة في المعارض الفنية والفعاليات المختلفة التي تتيح لهم التواصل مع المجتمع الخارجي، مثل الاحتفال بالمناسبات الوطنية، كما نعمل على زيادة الوقت المخصص في اليوم الدراسي حتى يتمكنوا من ثقل تلك المواهب، ومن أهم العقبات التي تواجه هذه المواهب عدم وجود الآلات الكافية التي تساعد المعلم والطالب على صقل هذه المواهب.
واعتبر رشوان أنه حث الطالب الموهوب على الموازنة بين تنمية موهبته والتحصيل الدراسي عبر تخصيص سويعات يومياً بعد أداء الواجبات المدرسية لتنمية موهبته، دون أن يتأثر مستواه الدراسي.
تجربة شخصية
إلهام المرزوقي، أول عازفة تشيللو محترفة إماراتية، أكدت أن المدارس تلعب دوراً مهماً في تنمية المواهب الموسيقية بين التلاميذ، لذا يجب أن يكون هناك تركيز أكبر على الموسيقى في المدارس، ويجب أن تكون جزءًا من المنهج الوطني، وأن تكون الموسيقى جزءًا من الحياة اليومية للمدرسة.
وأشارت إلى أنه من الحقائق العلمية المعروفة أن العزف على آلة موسيقية يجعل العقل يفكر بطريقة إيجابية، لذا يجب على المدارس أن تدعم أصحاب المواهب الموسيقية بمختلف السبل، ومنها المشاركة في الحفلات الموسيقية المدرسية بما يفيدهم أكاديمياً ويطور مواهبهم، كما يجب أن يكون هناك منهج وطني للموسيقى.
ومن تجربتها الشخصية أكدت المرزوقي أن المدرسة كان لها الدور الكبير في الكشف عن شغفها بالموسيقى، قائلة: «عندما كنت في المدرسة اكتشف مدرس الموسيقى أنه يمكنني قراءة النوتة الموسيقية، لذا شجعني على المشاركة في أوركسترا المدرسة، كما كنت محظوظة كون والدتي تملك مدرسة موسيقية في أبوظبي وكانت واحدة من أولى مدارس الموسيقى في الإمارات، فبدأت أتعلم العزف على البيانو في سن السابعة، ثم درست البيانو لسنوات عدة حتى تخصصت في التشيللو قبل 10 سنوات، واعتبرت أن وضع الموسيقى في المناهج الدراسية حتى الآن لم يؤخذ على محمل الجد، آملة أن يتغير ذلك في المستقبل، لما للموسيقى من أهمية على الصعيد التربوي والسلوكي، وكذلك الاكتشاف المبكر لأصحاب المواهب ودفعهم على طريق النجاح.
بيانو الطائي
عازف البيانو الإماراتي حمد الطائي، يوضح أن المدرسة هي أول من يكتشف موهبة الطالب كونها بيته الثاني، وهنا يجب على المدارس إدراك هذا الدور جيداً، كون بعضها لا يهتم بالموسيقى بشكل كاف، وحال وجدنا موهبة لأي طالب يجب دعمها إلى أن يتخرج من المدرسة ويعمل على تطويرها بشكل أكثر احترافية، لافتاً إلى أنه كثيراً ما وجد أشخاصاً لديهم مواهب موسيقية ولكنها اختفت بمرور الوقت لعدم وجود رعاية ودعم من المدرسة أو الأسرة.
وأكد الطائي، أن اهتمام مدرسته كان له فضل كبير في الارتقاء بموهبته، حيث كانوا يشجعونه على عزف النشيد الوطني، ودائماً ما يشيدون به فكان ذلك من أكبر العوامل التي جعلته ناجحاً في عالم الموسيقى، موضحاً أن الموسيقى غذاء للروح، كما تلعب دوراً كبيراً في نشر أجواء التسامح داخل المدارس عبر تعاون الطلاب من مختلف الجنسيات في عزف مقطوعات موسيقية بحفلات مدرسية أو مناسبات وطنية، وبالتالي يتأثرون إيجابياً من النواحي السلوكية والنفسية والتربوية.
مسابقات
الفنان التشكيلي الإماراتي عبد الرحيم سالم، أكد بدوره أن المدرسة بالفعل تلعب الدور الأهم في حياة أي موهوب، وهو ما لمسه خلال تجربته الشخصية، مشيراً إلى أن المدرس المتخصص يمنح الخطوة الأساسية لتطوير قدرات أي موهوب، لفهم الأساسيات المطلوبة في المجال الفني الذي يفضله، ما يشجع الطالب على الاستمرارية، وفي الوقت ذاته يقيّم مستواه عبر المسابقات المدرسية، ويعالج أوجه الخلل التي يعانيها.
وبين سالم أن المدرسة لها أثر كبير في توجيهه إلى الفن، حيث دعمه المدرسون لتطوير موهبته طوال مراحل التعليم سواء بالتوجيه أو توفير المواد والخامات، كما شجعوه على دراسة الفن عقب الانتهاء من المرحلة الثانوية، ليلتحق بكلية الفنون التطبيقية في القاهرة ويتخرج فيها عام 1981.
ودعا سالم القائمين على التعليم إلى إعطاء كافة الطلاب إمكانية المعرفة في مجال الفنون، حتى يستفيد الجميع من الفنون في حياتهم أياً كانت مهنتهم التي يعملون بها مستقبلاً، فهذا يزيد من المعرفة في مجال الفنون، مع إتاحة الفرصة للموهوبين للمشاركة في المسابقات المحلية والدولية لتطوير مهاراتهم.
عشق الموسيقى
علي حميد اليعربي، الطالب بالصف الثامن، قال إنه منذ 3 سنوات يدرس الموسيقى في المدرسة، حتى تعلم العزف على أكثر من آلة، مشيراً إلى أن ممارسته للموسيقى في هذا السن، جعله أكثر اقتراباً منها، خاصة وأن المدرسة توفر الدعم من حيث المعلمين والآلات وغيرها، مبيناً أن هذه الهواية سوف يطورها في المستقبل، على أن لا تؤثر على حلمه في الالتحاق بكلية الشرطة.
بدوره، كشف زميله عبدالله صالح الكعبي، أنه يعزف ببراعة متناهية على عدة آلات «المارمبا» (تشبه الاكسيلفون)، البيانو، وآلات الإيقاع بأنواعها، موضحاً أنه يحلم في العمل بهذا المجال حين يكبر، لافتاً إلى أن سر تمسكه بالموسيقى يرجع إلى تشجيع ودعم المدرسة ولولا هذه البيئة المدرسية المحفزة ما كان تمكن من إتقان العزف على هذه الآلات خلال 3 سنوات فقط.
حب الرسم
حنين (16 سنة) وأسيل (14 سنة)، شقيقتان جمعهما حب الرسم وتطوير موهبتهما الفنية من خلال إحدى مدارس أبوظبي، حيث بدأت كل منهما ممارسة هواية الرسم وهما في الصف الرابع الابتدائي، وعن ذلك قالتا، إن الأمر تطور شيئاً فشيئاً حتى لاحت في الأفق بوادر موهبة تنبه الأهل لها وعملوا على متابعتها وتنميتها ووضعها على الطريق الصحيح، مهيئين سبل الدعم المعنوي لهما، وهنا شعرت حنين وأسيل بأهمية ما تمتلكان من مواهب يجب الاهتمام بها ومنحها قدراً كافياً من الوقت.
وأوضحتا أن هذه الموهبة لم تكن لتنمو وتؤتي ثمارها من دون وجود دور فاعل ومؤثر للمدرسة، ولمعلمات التربية الفنية على وجه التحديد، اللاتي تنبهن لوجود موهبة تستحق الاهتمام والتوجيه، فعملن على إشراكهما في الكثير من الأنشطة الفنية وتشجيعهما على إطلاق العنان لمهاراتهما والثقة بالنفس، وكذلك تنفيذ اللوحات بألوان الشمع والزيت بدلاً من الألوان الخشبية، مع المشاركة في مسابقات تنظمها جهات ثقافية.
وتتطلع كل من حنين وأسيل مستقبلاً إلى أخذ دورات في الرسم على يد فنانين مختصين لتتعرفا إلى أسرار الرسم والتلوين الصحيحة وتطبيقها على كافة تفاصيل اللوحة، كما تتمنيان مستقبلاً بعد اكتمال نضجهما الفني وخلق هوية فنية لهما، المشاركة في معارض متخصصة كمحترفتين في عالم الفن التشكيلي.
غير مفيدة
على الجانب الآخر، أعرب عدد من طلاب بعض المدارس أنهم لا يهتمون بمواد الأنشطة ويعتبرونها غير مفيدة، ولا تضيف لهم شيئاً خارج سياق المواد العلمية المطلوبة منهم طوال العام الدراسي، كما أن المواد الفنية على اختلافها سواء رسما أو موسيقا أو مسرحا وغيرها من الأنشطة ليست بها نجاح ورسوب ولا تؤثر على المجموع العام في نهاية العام الدراسي، وبالتالي لا يفضلون الاشتراك بها لاعتبارها من جانب كثيرين منهم مضيعة للوقت، ليقتصر حضورهم فيها على الحصص المدرسية المفروضة عليهم مثل حصص الرسم والموسيقى والمسرح وحتى الرياضة، ويكتفون بالاستماع إلى معلميهم وممارسة الأنشطة والمهام المكلفين بها داخل تلك الحصص، كما لفت بعضهم إلى أنهم ليست لديهم مواهب موسيقية، لكن لا مانع لديهم من تعلم العزف لأن الموسيقى من الأشياء الجميلة التي يحبونها، لأنها تسمو بالمشاعر وتغذي الروح.
حصص للرسم والموسيقى
الفنان والمخرج المسرحي مرعي الحليان، يورد أن هناك اهتماماً لافتاً بالأنشطة الفنية للمدارس في الآونة الأخيرة، حيث تبنت وزارة التربية والتعليم وضع حصص عن المسرح واستقطاب أكثر من 50 متخصصا في فنون المسرح من أنحاء العالم العربي، لتوزيعهم على مدارس الدولة، منذ العام الدراسي الماضي.
كما تبنت الوزارة مهرجان المسرح المدرسي على مستوى الدولة، الذي تتنافس فيه مختلف المدارس ويفرز المواهب في كل ألوان الفنون، موضحاً أنه شارك قبل عامين في إحدى لجان تحكيم مهرجان المسرح المدرسي، وشاهد عدداً لافتاً من المواهب في الأداء المسرحي، الموسيقى، الغناء، ما يؤكد قيمة المجهود المبذول في هذا الاتجاه.
ولفت الحليان، إلى أن إمارتي الشارقة والفجيرة قطعتا شوطاً كبيراً في المسرح المدرسي، حيث يقام مهرجانات سنوية في كلتا الإمارتين خاصة بالمسرح المدرسي، ما يسهم في إفراز مواهب واعدة في كافة مراحل التعليم، وهذا يعكس الاهتمام بالمسرح المدرسي على مستوى الدولة.
ونوه الحليان إلى أن الفنون الأخرى تحتاج إلى اهتمام مواز للمسرح، سواء كانت موسيقى أو فنا تشكيليا أو رسما، مثلما كان في السبعينيات من القرن الماضي، حيث تم تخصيص حصص ثابتة للرسم والموسيقى، مشيراً إلى أنه استفاد كثيراً في الصغر من دعم المدرسة لموهبته، داعياً إلى الاهتمام بقطاع المدارس والطلبة على تليفزيونات الدولة ووسائل الإعلام الأخرى.
المسرح المدرسي بداية أحمد زكي
الممثل المصري الراحل أحمد زكي، قال في أحد لقاءاته التلفزيونية، إن المسرح المدرسي كان له الدور الأكبر في الارتقاء بموهبته، ليصبح واحدا من أبرز نجوم العالم العربي، مبيناً أنه كان محظوظاً كون مدير مدرسته الثانوية كان عاشقاً للمسرح، وبالفعل أقام مسرحاً على مستوى عال داخل المدرسة اعتماداً على جهود المعلمين والطلاب، وعبر ذلك تعلم أحمد زكي الكثير من فنون المسرح مثل الديكورات، الإضاءة، الإخراج، كما قام بتمثيل الكثير من المسرحيات العالمية على المسرح المدرسي، ما أهله لاحقاً للالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة، ليتم اختياره من بين مئات الطلاب المتقدمين، ليمضي حياته بتفوق بعد الإشادة الكبيرة من جانب أساتذة المعهد بموهبته العالية التي وصلت به في سن مبكرة إلى عالم النجومية، بفضل تكوينه الفني المبكر في المسرح المدرسي.