21 أكتوبر 2010 21:42
أيد أعضاء مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر فتوى أحد العلماء بالمملكة العربية السعودية بالنهي عن الدعاء بإهلاك وتدمير غير المسلمين، وطالبوا المسلمين بدعوة الآخرين إلى الاهتداء مما يحببهم في الإسلام ولا ينفرهم منه؛ لأن رسالة الإسلام هي هداية الناس والأمل في قبول غير المسلمين للإسلام. بينما عارض هذه الفتوى المفكر الإسلامي الدكتور عبدالمعطي بيومي. وأكد أنه يجوز الدعاء على من يحتل الأرض ويمنع الغذاء والدواء عن الناس بأن يهلكه الله.
يقول الدكتور سعد الدين هلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن الدعاء على غير المسلم بصفته غير مسلم لا يجوز بل المطلوب دعوته إلى الإسلام، ودعوة نوح عليه السلام كما جاء في القرآن الكريم: «وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا. إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا. رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تيارا» (سورة نوح الآيات من 26-28)، لم تكن دعاء على الكافرين وإنما كان نوح يدعو لهم بالهداية. وجاء الدعاء في الآية الكريمة على الظالمين؛ لأن الظالم هو الذي يسلب الحقوق، فالإنسان يجوز له أن يدعو على الظالم إذا لم يقدر عليه.
وأضاف أن الدعاء يكون على الظالم بصفته ظالماً وليس بصفته غير مسلم، والكافر له الإمهال إلى يوم الدين مثل الشيطان الذي له الإمهال، ولذلك لا يجوز الدعاء على غير المسلمين وإنما يجب الدعاء لهم بالهداية، والظالم لا بد أن يرد فإذا لم يرد ندعو عليه؛ لأن الدعاء سبب من أسباب رفع الظلم، وهو سبب متاح لكل إنسان سواء أكان مسلماً أو غير مسلم، فهو من الدعاء الاضطراري الذي يستجيب الله فيه للمسلم وغير المسلم: «أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض».
وتردد الدكتور مصطفى إمام، الأستاذ بجامعة الأزهر، في إبداء الرأي الشرعي في هذا الموضع نظراً لحساسيته؛ لأنه يجل ويحترم ويقدر العلماء العاملين في مجال الدعوة الإسلامية.
الملاذ الأخير
وأضاف: ومع تقديرنا للدكتور سليمان العودة الذي أفتى بذلك، فأنا مع دعوة المسلمين إلى الاتجاه إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء وتكرار الدعاء، حيث إن الدعاء هو الملاذ الأخير الذي يلتجئ إليه المسلمون، لذلك لا نرفض دعوة الدكتور سليمان العودة، ولكن نرجح أكثر دعوة المسلمين إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء. وأكد أن الله عز وجل أمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأن يحرض المسلمين على القتال. وقال: إذا لم نستطع أن نحارب أعداءنا بسلاحهم، وإذا منعنا من التعرض لهم، فكيف نقف أمام قضايانا التي غلبنا الأعداء فيها خاصة في فلسطين والشيشان وفي البلقان وأفغانستان والعراق؟ وكيف لا نلتجئ إلى وسيلة أخيرة وهي الاتجاه إلى الله والدعاء على هؤلاء الأعداء؟
وأوضح أن الجانب السياسي الآن يسيطر على الإفتاء في بعض القضايا، وأن محاولة الاندماج في المجتمع الدولي تخضع الآن لامتحان عصيب، وهو أن يتخلى المسلم عن موروثه الديني في تعامله مع أعداء الله، وإذا كان أعداء الله يوجهون لنا ولرسولنا الاتهامات ولا نملك في مواجهتهم استخدام أي سلاح، فإن الدعاء هو السلاح الفعال الذي لا نملك غيره في هذا الزمن.
وأضاف أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - دعا على أعداء الإسلام، وهناك مرويات تثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - دعا شهراً كاملاً في صلاته على الأعداء فكيف نُحرم نحن من الدعاء على أعدائنا؟ فلا بد أن تكون للمسلم شخصية واضحة يعرف بها في هذا المجتمع الذي يروج لما لا يليق بالمسلمين وبرسولهم الكريم -صلى الله عليه وسلم.
وأوضح أن الله عز وجل عندما قال: «إنا كفيناك المستهزئين» سورة الحجر الآية 95، أراد أن يقول لرسوله إذا سألتنا أن نكفيك هذا الأمر فسنكفيكه أي الدعاء، فلا بد أن ندعو الله أن يعاملهم بما يستحقونه؛ لأن المسلمين يتهمون الآن بالإرهاب ونحن نرفض الإرهاب ونرفض المواجهة الحربية ولا نملك إلا الدعاء فماذا نفعل؟ هل نسكت ونصمت أم نلتجئ إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء؟
واجب ديني
وقال الدكتور محمد الدسوقي، أستاذ الفقه بجامعة القاهرة، أن فتوى الشيخ سليمان العودة في النهي عن الدعاء لإهلاك ودمار غير المسلمين يجب ألا تؤخذ على إطلاقها، ويجب علينا أولاً أن نفرق بين غير المسلمين الذين يسالموننا وغير المسلمين الذين يعتدون علينا، وإذا كان أعضاء مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر قد أيدوا الفتوى ولم يفرقوا بين غير المسلم المعتدي وغير المعتدي فهم مخطئون.
وأضاف: الأصل عدم الدعاء على غير المسلمين المسالمين لنا، ولكن هناك من غير المسلمين من يعتدون علينا مثل الذين قدموا الرسوم الدنماركية المسيئة للرسول -صلى الله عليه وسلم- والذين يطعنون في القرآن الكريم، وما يحدث في فلسطين من انتهاك واعتداء على المسجد الأقصى من قبل متطرفين يهود، وأمثال هؤلاء يعتدون علينا ولا نملك القوة في مواجهتهم؛ ولذلك فالدعاء عليهم واجب.
وقال إن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالدعاء كما جاء في آخر سورة البقرة: «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين»، ولذلك فإن الدعاء على الذين يتخذون منا موقفاً عدائياً صريحاً مثل اليهود في فلسطين، واجب ديني، وقد قال تعالى: «لتجدن أشد الناس عداوة للذين أمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين أمنوا الذين قالوا إنا نصارى». (المائدة الآية 82).
وقال إن الذين يمكرون بنا ويخططون لجرائم متعددة من قتل وتشريد واغتصاب الأراضي ويدمرون المسجد الأقصى، لا بد من الدعاء عليهم؛ لأن القوة لا بد أن تواجه بالقوة، كما أمرنا الله سبحانه وتعالى: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم» (سورة الأنفال الآية 60)، وإذا تركنا هؤلاء المعتدين يخربون ويقتلون دون أن نفعل شيئاً، فهذا أمر مرفوض ولا يجوز السكوت عنه بل يجب على الأقل أن ندعو عليهم، أما غير المعتدين فهؤلاء إخواننا في الإنسانية والإسلام حثنا على حسن معاملتهم.
من معاني الرحمة
أشار د. محمد الدسوقي إلى أن من أبرز خصائص الرسول -صلى الله عليه وسلم- الرحمة «لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم»، ومن مفاهيم هذه الآية أنه يشق على النبي أن يرى الناس في عنت ومشقة، ومن معاني الرحمة العامة ألا يدعو الرسول -صلى الله عليه وسلم- على غير المسلمين من غير الظلمة المعتدين بالهلاك العام، وألا يطردهم من رحمة الله وأنه -صلى الله عليه وسلم- لما كسرت رباعيته وشج وجهه يوم أُحد شق ذلك على أصحابه وقالوا: لو دعوت عليهم -أي المشركين- فقال: «إني لم أبعث لعاناً ولكني بعثت داعياً ورحمة اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».
المصدر: القاهرة