21 أكتوبر 2010 21:38
تتخذ الحكومة الجزائرية سلسلة تدابير بينها “عقابية” لتضع حداً لمئات الحالات المأساوية التي تخلى فيها أبناءٌ عن رعاية آبائهم وأمهاتهم في سن الشيخوخة، حيث قاموا بـ”رميهم” في دور العجزة. وكانت الدولة فتحت العديد من هذه الدور في الثمانينيات بالمدن الكبرى بهدف إيجاد مأوى لائق للعجزة المشردين لأسباب مختلفة، ومنها الوحدة وعدم الإنجاب وعدم الحصول على سكن وغيرها من الظروف القاهرة، إلا أن العديد من الأبناء “العاقين” استغلوا الفرصة ونقلوا إليها آباءهم وأمهاتهم المسنين وهم في أرذل العمر.
أعلن وزير التضامن الجزائري السعيد بركات أن قانون المالية لسنة 2011 يتضمن جملة من المواد الرامية إلى حماية المسنين في الجزائر والحفاظ على كرامتهم ومكانتهم الاجتماعية ودفع الأبناء والأحفاد إلى الاهتمام أكثر برعايتهم، ويحظر التخلي عنهم من خلال “رميهم” في دور العجزة.
منحة المسنين
يتضمن قانون حماية المسنين جملة من المواد، أهمها مضاعفة منحة المسنين الذين ليس لديهم دخل أو منحة تقاعد ولا كفيل لهم لأكثر من ثلاثة أضعاف، حيث قفزت من 3 آلاف إلى 10 آلاف دينار جزائري “دج” شهرياً، أي ما يعادل 130 دولاراً تقريباً، وهي زيادة خلفت ارتياحاً كبيراً في أوساط المسنين الذين كانوا يعانون شظف العيش من قبل.
حيث أعربوا عن ارتياحهم للزيادة الجديدة التي ستسمح لهم بتلبية الحد الأدنى من ضروريات العيش عكس المنحة السابقة، ما يعني أنها ستخرجهم من دائرة الخصاصة، وتحفظ لهم كرامتهم وتجنبهم طلب المساعدة، وتجنبهم مشقة العمل، سواء في مؤسسات خاصة أو ببيع ما تيسر من سلع في الأسواق وهم في مثل هذه السن التي يحتاجون فيها إلى الراحة وقضاء ما تبقى من أعمارهم بهدوء.
ولضمان وضع أفضل لهذه الفئة، نصت أيضاً تدابير قانون المالية 2011 على استحداث هياكل صحية خاصة بطب الشيخوخة، بقصد توفير الرعاية الصحية الكاملة لهم وعدم تركهم عرضة لمختلف الأسقام والأمراض التي لم يكونوا يستطيعون معالجتها بانتظام لقلة ذات يدهم، إلى ذلك.
قال وزير التضامن الجزائري السعيد بركات إن هذه الإجراءات ترمي إلى حماية المسنين وتوفير الرعاية الاجتماعية والصحية والنفسية الكاملة لهم، وأنه يمكن استحداث منحة أخرى لكل ابن أو حفيد يتكفل بأب أو جد يفتقر إلى الإمكانات المالية الكافية لرعايته، مشيراً إلى أن عدد كبار السن بالجزائر يصل إلى 2,7 مليون من مجموع 36,1 مليون نسمة.
إجراءات تحفيزية
مقابل هذه الإجراءات التحفيزية الرامية إلى تشجيع الأبناء على رعاية والديهم والكف عن النظر إليهم كعالة وهم في أرذل العمر، نص قانون المالية لسنة 2011 على تدابير عقابية أخرى بحق كل الأبناء الذين قاموا بـ”رمي” والديهم، أو أحدهما، في دور العجزة، وذلك بالسجن النافذ من 6 إلى 18 شهراً وغرامة مالية كبيرة، وتؤكد هذه التدابير أن لكل مسنٍّ الحق في العيش بصفة طبيعية في الوسط الأسري، وأن الدولة ستلزم كل الأبناء بذلك.
وخلَّف عقوق بعض الأبناء أسوأ الآثار في نفوس الآباء والأمهات الذين حزَّ في نفوسهم كثيراً أن يتخلى عنهم فلذات أكبادهم الذين تعبوا كثيراً في تربيتهم وضحوا من أجلهم في شبابهم ليكون الجزاء العقوق والوضع في دور العجزة،
كما أغضب المجتمع الذي حمَّل السلطات المسؤولية بقبول هذه الحالات عوض إجبار الأبناء على الاستمرار في رعاية والديهم وكذا معاقبتهم بالسجن والغرامات المالية حتى يكونوا عبرة لمن يعتبر، وهو ما شجع على تفاقم الآفة عوض مكافحتها في بدايتها. وتفطنت السلطات إلى هذا الخطأ وقررت وضع حدٍّ لهذه الآفة وإصلاح الأمر من خلال القانون الجديد الذي يجرِّم التخلي عن الآباء والأمهات العجزة،
وجاء القانون الجديد ليضع حدا لهذه الآفة التي كانت تسيء إلى المجتمع الجزائري المسلم المحافظ وإن كان الأمر يتعلق بحالات معزولة لأبناء عاقين.
ويُجبر كل الأبناء على رعاية آبائهم ما داموا على قيد الحياة ولا يقبل في دور العجزة إلا المسنين الذين لا كفيل لهم، إلا أن جزائريين طالبوا باستثناءٍ في هذا القانون يتيح لأبناء هؤلاء العاقين أن يذيقوا والديهم مستقبلاً من الكأس نفسها التي سقوا منها أجدادهم من قبل، وأن يرموهم في دور العجزة بدورهم تحقيقاً لقاعدة “كما تدين تدان”.
المصدر: الجزائر