دبي (الاتحاد)
خاض الإنجليز أول مباراة دولية رسمية قبل ما يقرب من 150 عاماً، والأهم من ذلك أن كرة القدم ستظل إنجليزية الهوية للأبد، وتحديداً فيما يخص وضع قوانينها، وتنظيم بطولاتها، وتقديمها للعالم بشكلها الحالي، كما يعود الفضل للإنجليز في نشر اللعبة حول العالم عن طريق إمبراطوريتهم التي لم تكن تغرب عنها الشمس، وعلى الرغم من هذا التاريخ الكبير، والإرث العريق، فإن إنجلترا ليس في خزائنها سوى لقب مونديالي واحد، تحقق قبل أكثر من نصف قرن، والإنجاز الأفضل بعد لقب المونديال هو الحصول على المركز الرابع في مونديالي 1990 و 2018.
وعلى الرغم من المكانة الكبيرة التي يتمتع بها الإنجليز في عالم كرة القدم تاريخياً، وكذلك على مستوى الحاضر بتقديم الدوري الأقوى والأغنى على الساحة العالمية، فإن إنجازات المنتخب طوال نصف قرن لا تتناسب مع تلك المكانة، وطوال هذه الفترة ظلت الصحافة الإنجليزية تتغنى بمقولة «عائدون»، وكرة القدم سوف تعود إلى مهدها ووطنها، بل إن بلدية لندن نشرت في أكثر من مناسبة مسار الاحتفال بكأس العالم في شوارع عاصمة الضباب استباقاً لأكثر من نسخة مونديالية، لتترسخ عقدة الضجيج الإعلامي وأوهام الورق التي لا تتناسب مع الأداء المتواضع للإنجليز في البطولات الكبرى.
ومع قدوم جاريث ساوثجيت لقيادة الجيل الحالي الذي يعتمد على عناصر شابة، تملك المهارة والقدرة على تغيير نمط الأداء الإنجليزي التقليدي الذي تجاوزه الزمن، عاد الأمل من جديد، ولكنه أمل واقعي هذه المرة، يتجاوز ويحطم أوهام الورق، ومبالغات الصحافة الإنجليزية التي لم تكن تتناسب مع واقع الأداء، ولم تكن تهتم بموازين القوى في الكرة العالمية خلال السنوات الماضية، مما كان يتسبب في صدمة تلو الأخرى في البطولات الكبرى، وخاصة في كأس العالم، وبطولة أمم أوروبا.
وأخيراً تألق «الأسود الثلاثة» في مونديال روسيا الصيف الماضي، وحققوا المركز الرابع، مع أداء جيد تراجع الشعور ببهجته وقيمته، تحت وطأة ارتفاع سقف الطموح خلال البطولة، وبلوغه حداً لم يكن واقعياً، وهو الفوز باللقب، وها هم يواصلون رحلة العودة من جديد عبر بوابة المنتخب الإسباني، بالفوز عليه في عقر داره بثلاثية لهدفين في الجولة الرابعة لدوري أمم أوروبا، وهو حدث لم يتمكن جيل كامل من مشاهدته من قبل، فقد كان آخر فوز لإنجلترا على إسبانيا في مدريد قبل 31 عاماً.
واللافت في الفوز الإنجليزي الكبير على الإسبان أنه شهد ملامح الأداء الجذاب، الذي يؤشر إلى ثورة حقيقية يقودها ساوثجيت مع الجيل الشاب، فقد جاء الهدف الأول الذي سجله رحيم سترلينج بعد 17 تمريرة، والأهم أن هذه التمريرات شارك فيها 11 لاعباً، أي التشكيلة الكاملة للمنتخب الإنجليزي، مما يؤكد أن عصر الكرة الإنجليزية التقليدية التي يتم إرسالها من الخلف للأمام انتهى إلى غير رجعة، بل أصبح لـ «الأسود الثلاثة» طريقة أداء تعتمد على التحكم والسيطرة والاستحواذ والتمرير الدقيق في بعض فترات المباريات.
وتغنت الصحافة الإنجليزية بالفوز، لأنه تحقق على منتخب كبير في عقر داره، وكان لنجم مان سيتي رحيم سترلينج نصيب الأسد من الإشادة، فقد سجل ثنائية تاريخية في شباك دافيد دي خيا، وكسر عقدة 1100 يوم دون هدف واحد مع الأسود الثلاثة، ليؤكد أنه قادم بقوة ليكون إحدى الأوراق الرابحة في صفوف المنتخب مع هاري كين، وماركوس راشفورد، وغيرهما من العناصر الهجومية التي تملك القدرة على تهديد أي دفاع في العالم.
وأشارت صحيفة «التلجراف» إلى أن سترلينج يؤكد ربما للمرة الأولى، أنه يقدم الأداء المقنع الذي يظهر به مع مان سيتي، فقد كانت الانتقادات الدائمة له أنه يتألق في صفوف «البلو مون» ولا يظهر بالصورة ذاتها رفقة «الأسود الثلاثة»، ولكنه برهن على خطأ هذه النظرية أمام الإسبان، وربما يكون للخطة التي استخدمها ساوثجيت الفضل في ذلك، فقد دفع بـ3 مهاجمين في الأمام، واعتمد على طريقة 4-3-3 بدلاً من 3-5-2، مما منح سترلينج الفرصة للتألق والتعبير عن قدراته التهديفية بصورة واضحة.