حسونة الطيب (أبوظبي)
كل شيء فيها كان ينبض بالحياة والنشاط حيث تزدحم الشوارع بحركة المرور، وتتسارع خطى المشاة نحو مقرات أعمالهم، ليدق فجأة فيروس غريب، ناقوس الخطر لتخلو الشوارع من الحركة وتقفر مدينة ووهان من ساكنيها الذين هربوا بحثاً عن النجاة.
وفي عام 1926، وصلت البعثة الصينية منطقة ووهان حيث قررت دمج مدن، هانكو ووشانج وهانيانج، في مدينة واحدة لإنشاء عاصمة جديدة للصين الوطنية. وفي الأول من يناير 1927، كان ميلاد مدينة ووهان عاصمة إقليم هوبي.
ونجحت المدينة، في جذب استثمارات من نحو 80 بلداً حول العالم لتشكل نحو 5,9 ألف من المؤسسات الاستثمارية في المدينة تضخ ما يقدر بنحو 22,5 مليار دولار. وتأتي معظم هذه الاستثمارات من فرنسا بعدد شركاتها البالغ 50 شركة في المدينة، بحسب نيويورك تايمز.
وتعتبر المدينة مركزاً هاماً للصين في القطاعات المختلفة التي تتضمن، الاقتصاد والتجارة والمال والمواصلات وتقنية المعلومات والتعليم. ومن بين صناعاتها الرئيسة، الإلكترونيات الضوئية وصناعة السيارات والحديد والصلب والأدوية والهندسة الحيوية وحماية البيئة وغيرها.
وتُعد المدينة، واحدة من المدن التي تنافس المراكز التجارية الكبيرة في الصين، مثل شنجهاي وبكين وجوانزو. ومن بين المناطق الصناعية التي تضمها ووهان، منطقة تطوير التقنية الجديدة، التي تحتضن أكبر مركز لمنتجات الإلكترونيات الضوئية في الصين، من بينها الألياف الضوئية، ومنطقة التطوير التقني والاقتصادي، التي تم إنشاؤها في عام 1993، لتقوم بإنتاج وتجميع السيارات المتنقلة والتقنية الحيوية والأدوية والمواد الكيماوية.
كل ذلك تحول عندما تسلق مرض غريب أسوار المدينة ليصيب 7 أشخاص من سكانها، حيث قام دكتور لي وينليانج بتحذير زملائه في 30 يناير من هذا المرض الغريب، لتغلق المدينة أبوابها أمام الداخلين. وتسلل المرض من ووهان بسرعة لينتشر في أرجاء مختلفة من الصين، مخلفاً موجة ذعر وخوف على المحيطين المحلي والعالمي. ومن بين 11 مليون نسمة، يشكلون عدد سكان المدينة، غادرها 5 ملايين خوفاً من الإصابة بالمرض.
وأثارت حالة أول وفاة من المرض، حفيظة المسؤولين في بكين، الذين ضربوا سياجاً منيعاً من السرية حول المرض في بداية ظهوره، ليتم إرسال أحد خبراء علم الأوبئة لتقييم الوضع في ووهان. وبعد مرور أكثر من شهر على انتشار الأعراض الأولية، بدأت موجة القلق تنتشر بين عامة الناس، ليتم تحذيرهم من إمكانية انتقال الفيروس عن طريق اللعاب والملامسة، حيث انتقلت العدوى من مريض واحد لنحو 14 من الاختصاصيين الطبيين. وتقدر نسبة الموت إثر فيروس كورونا، بنحو 2% من جملة المصابين.
ويتوقع العديد من الاختصاصيين الطبيين، تراجع نسبة المرض مع انتهاء فصل الشتاء وارتفاع درجات الحرارة، حيث يصعب على الفيروسات العيش تحت درجات الحرارة العالية. ومن سوق هونان للمأكولات البحرية في ووهان، انطلق الفيروس القاتل، حيث كل شيء ينبض بالحياة هنا مأكول، سواء كان يمشي على أربع أو يزحف أو يطير أو يسبح في الماء.
ومن بين 41 حالة إصابة بالمرض في البداية، بلغت حصة هذه السوق 17 منها، بحسب «وول ستريت جورنال». ومن بين انعكاسات الفيروس على بعض الشركات الصينية، طلبت «شياومي» من موظفيها الذين سافروا لمدينة ووهان، الانتظار لمدة 14 يوماً في منازلهم قبل العودة لممارسة وظائفهم للتأكد من خلوهم من المرض، وعلى الذين يسكنون في الإقليم، العمل من منازلهم، حتى إخطارهم بالعودة للمكاتب.
وفي الوقت الذي تتسابق فيه الدول للتعامل مع تفشي الفيروس، الذي نشر الذعر وأحدث اضطرابا كبيرا في الاقتصاد العالمي، يعاني سكان ووهان بوتيرة يومية في سبيل مقاومة المرض القاتل، الذي أصاب منهم نحو 4 آلاف وقتل نحو 224، بحسب موقع «بيزنس إنسايدر».
وأعلنت السلطات الرسمية في المدينة، إغلاق المطار ومحطات المواصلات العامة، بجانب حظر السيارات الخصوصية من السير في وسط المدينة. ونتج عن انتشار هذا الوباء، تدافع الناس للمراكز التجارية، لشراء وتخزين المواد الغذائية والسلع الضرورية. كما تسبب المرض، في تراجع النمو الصيني بنسبة سنوية قدرها 2%، في أقل نسبة منذ عقود.
وعلى الصعيد العالمي، من المتوقع تعرض الاقتصاد العالمي لخسارة تصل لنحو 40 مليار دولار وتقلص الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 1%. ومن المؤكد، تأثر قطاع السياحة العالمي، في الوقت الذي شكل فيه السياح الصينيون البالغ عددهم 163 مليوناً في 2018، ما يزيد على 30% من قطاع تجزئة مبيعات السفر العالمية. وعلى سبيل المثال، خفضت تايلاند توقعاتها للناتج المحلي الإجمالي لعام 2020، بناء على خسائر متوقعة في عائداتها بنحو 1.6 مليار دولار، ناتجة عن تراجع عدد السياح الصينيين بنحو 2 مليون، بحسب موقع «سي إن بي سي». كما أخطرت شركة «مايك دانس» المالكة لتطبيق «تيك توك»، العاملين لديها في الصين، العمل من منازلهم، في حين أرسلت «تن سنت»، مذكرة لموظفيها بذات المضمون. وأعلنت شركة «آبل»، عن خطة ترمي لإغلاق كافة متاجرها ومكاتبها في الصين حتى 9 فبراير، بجانب توقف العمل في المصانع التي تقوم بإنتاج المكونات التي تبيعها الشركة حول أنحاء العالم المختلفة.
أما «ليفي ستراوس آند كومباني»، التي افتتحت أكبر متجر لها في الصين في مدينة ووهان، من بين العلامات التجارية العالمية التي أغلقت آلاف محالها في نواحي الصين المختلفة مثل، «ماكدونالدز» و«ستاربكس».
وفي ظل تراجع أسعار النفط بنحو 16% نتيجة لانتشار فيروس كورونا، ربما تدعو «أوبك» لاجتماع طارئ الأربعاء المقبل لمناقشة الأمر. وتعتبر ووهان، واحدة من بين المراكز الصينية الرئيسة للنفط والغاز.
وفي الوقت الذي تعمل فيه بعض الشركات، على نقل العاملين فيها لدول أخرى لفترات قد تتراوح بين 3 إلى 6 أشهر، ذهبت بعض الأسر أبعد من ذلك، بالبحث عن مدارس بديلة لأبنائهم، ما يعني احتمال عدم العودة للصين مرة أخرى. وفي خطوة أخرى، علقت شركات طيران مثل، «أميركان أيرلاينز» و«دلتا ويونايتد» رحلاتها مؤقتاً للصين.