21 يوليو 2011 21:43
قدمت القاصة والمترجمة الاماراتية عائشة الكعبي عن دار أزمنة للنشر والتوزيع، مؤخرا في العاصمة الأردنية، عمّان، مجموعتها القصصية الثانية التي حملت عنوان “لا عزاء لقطط البيوت” وهي المجموعة الفائزة بالمركز الأول في جائزة المرأة الإماراتية في الآداب والفنون لهذا العام وذلك في خمس وثمانين صفحة من القطع المتوسط مشتملة على سبع وخمسين قصة من النوع القصصي الذي يُعرف بالقصص القصيرة جدا.
وبداية، إذا كانت عائشة الكعبي في مجموعتها القصصية الأولى “غرفة القياس، وقصص أخرى”، الصادرة العام 2007 ضمن إصدارات دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، قد تحدثت عن النساء إجمالا وعن إحساسهن العالي بالعزلة التي تكون أحيانا مضاءة أو قاتمة في أحيان أخرى، بحيث بدون للقارئ بمفردهن، ووحيدات رغم كل ما حولهن من صخب العائلة أو حتى صخب الوحدة، لكن السرد هنا هو الذي يفضح تلك العزلة عبر مواقف تشير وتومئ ولا تقول الأمر صراحة، في الوقت ذاته الذي ليست العزلة وحدها هي مَنْ دفع بالمرأة باتجاه العيش في وضع كهذا بل هو المجتمع أيضا الذي يدفع، عبر تواطآته وتواضعاته والبعض من قيمه، بالمرأة بحيث تكون العزلة خيارا فرديا أحيانا، لكن المرأة بشكل عام معزولة في المجتمعات العربية كلها، رغم ما نشهده من انفتاح هنا أو هناك، على ما تشير إليه القصص في “غرفة القياس”.
إذا كانت الأمور كذلك في الكتاب الأول، فإن عائشة الكعبي في كتابها الثاني، رغم انها ظلت تدور في حكايا المرأة في مسعى منها إلى سرد مشاعر وأحاسيس هذه المرأة، لا تلتقط القصة من واقع اجتماعي ما لتعيد إنتاجه وفقا لانحرافات جمالية تجعل من كل قصة دلالة واسعة وكبرى لما يجري للمرأة في مجتمعاتنا العربية بل هي تقتنص المشهد القصصي من هذا الواقع تبعا لرؤية فنية ما وزاوية نظر في التحديق إلى أشياء المرأة كي تضيء هذا الواقع بمجمله جاعلة منه مجالا للسخرية التي لا تخلو من سواد يبعث على نوع من الضحك المؤلم، فضلا عن النزعة إلى الاختزال والتكثيف وتشذيب “الحكي” من كل ما هو فائض عن حاجة السرد، إلى حدّ انها تكاد تكون قصصا قصيرة جدا بلا توصيف تقريبا.
كانت قصتها “مشيخة” والتي فيها يلمس القارئ رَصْد الكاتبة أثر القدر بحتميته على مصائر الأفراد في الوقت نفسه الذي ترسم فيه المشهد كأنما التقطته من حكاية عابرة أو حديث على فنجان قهوة أو ربما من طرفة أو نكتة سمعتها لتقوم بتحويلها إلى قصة بقدر ما توحي وتومئ فإنها تصرِّح أيضا.
وهذا الحسّ التراجي – الكوميدي ينقلب في بعض القصص ليصير تراجيديا فحسب، بل كما لو أن المؤلفة نفسها تشعر بالحزن من التماعة فكرة – قصة في ذهنها ثم توقدها على الورق. وإذ لا يخلو الأمر من جرأة فإنه في الوقت ذاته أقرب ما يكون إلى تأمل في مصير الجسد البشري إذ تبدأ آثار الفصول التي تقلبت عليه سنوات العمر بأكمله تتضح للآخرين، كما في قصة “هبوط” حيث لا مجال لدفع “سخرية” القدر عن الجسد البشري الذي كما لو أنه يصنع فناءه الخاص.
وفي كلا الحالين، أي في كل من القصتين كما في القصص الأخرى، فإن “تطريز” القصة تتضمن من التفاصيل الإنسانية الصغيرة والمباشرة بما تنطوي عليه من مشاعر وأحاسيس وكذلك المواقف اليومية التي يمر بها الناس في حياتهم التي يخوضونها يوميا هي شاغل أساسي في الكتابة القصصية لدى عائشة الكعبي.
أما الأمر الآخر الجدير بالملاحظة فهو ارتفاع المستويات الفنية لتقنية القصّ، بالميل إلى الاختزال الشديد عبر بنى تركيبية ونحوية للغة لا تحتمل أي حذف أو إضافة أو حتى تقديم وتأخير في النماذج القصصية المتقدمة في “لا عزاء لقطط البيوت” فيصبح المعنى واضحا ومباشرا ولا لبس فيه.
المصدر: الشارقة