سامي عبد الرؤوف (دبي)
أكد معالي فضيلة الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، رئيس منتدى تعزيز السلم، أن البشرية الآن هي في سفينة واحدة على وشك الجنوح، فلا بد لأهل القيم أن يأخذوا على أيدي الذين يريدون خرق السفينة، مشدداً على أنه لا بديل عن التسامح والتعايش والتحالف بين الدول والهيئات الفكرية وعقلاء العالم لمواجهة خطاب الكراهية والتطرف.
وقال فضيلته، في تصريح لـ«الاتحاد»: إن «التسامح بالنسبة لنا في الإمارات ليس استراتيجية مرحلية، وإنما هو نهج ومنهج راسخ تأسست عليه دولة الإمارات العربية المتحدة منذ نشأتها على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي كان مضرب المثل في محبة الناس والهيبة والوقار والتواضع والسماحة والتسامح وعدم التعصب». وأضاف: إن «قيادتنا الرشيدة ما فتئت وسيراً على نهج زايد تعمل على ترسيخ قيم التسامح والتعايش بين الشعوب، وتعزيز الحوار بين الأديان بما يحقق الخير للبشرية جمعاء».
تجربة الإمارات
وأشار إلى أن تجربة دولة الإمارات تعتمد على مقاربة ترتكز على ثوابت الدين الإسلامي الذي يعتبر البشر جميعاً إخوة، فيسد الباب أمام الحروب الكثيرة التي عرفها التاريخ الإنساني بسبب الاختلاف العرقي ويعترف للآخرين بحقهم في ممارسة دينهم، ويسد الباب أمام الحروب الدينية التي كاد التاريخ البشري أن يكون مجرد سجل لها.
وأفاد بأن الإسلام يقدم بسمو الكرامة الإنسانية بوصفها أولَ مشترك إنساني، لأن البشر جميعاً على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم ومعتقداتهم كرّمهم الله عز وجل بنفخة من روحه في أبيهم آدم عليه السلام، (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)، «سورة الإسراء: الآية 70». وهذا التصور الإيجابي للعلاقة بين الذات والآخر أساس متين للتسامح.
وقال فضيلته: إن «قوام التجربة الإماراتية هو تقديم الرواية البديلة عن الرواية المتطرفة، باللجوء إلى التأويل المقارب والملائم للزمان والمكان ومصالح الإنسان».
وأضاف: «نحن نعلم يقينا أن الديانات المنتمية للعائلة الإبراهيمية وغيرها من الديانات والفلسفات الإنسانية تحمل في نصوصها الكثير من الأسس التي تدعو إلى التعايش والتي لا تخطئها العين، وأن تعاليمها الأساسية حول السلام والتعايش وحول عالمية الكرامة الإنسانية، واحترام الاختلافات الدينية هي مضادات قوية للتطرف الديني العنيف».
وحول المقومات والأسباب التي جعلت الإمارات النموذج الفريد في التسامح، أجاب فضيلته: «بالإضافة إلى أصالة التسامح ومبدئيته في رؤية الدولة، فإن ما تتسم به سياسة الإمارات من الواقعية في مراعاة خصوصية السياق المحلي وفي وضوح الهدف من خلال سن قانون لمكافحة التمييز وخطاب الكراهية وازدراء الأديان».
تحصين المجتمع
وأكد رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، رئيس منتدى تعزيز السلم، أن كل هذه المقومات تعمل على تحصين المجتمع وحمايته من خطابات الكراهية والتحريض على العنف، وجعله نموذجاً يحتذى به في العالم، منوهاً إلى أن رعاية دولة الإمارات للعديد من المبادرات الإنسانية جعلتها منصة للحوار الحضاري والثقافي والتعايش السلمي بين كل الثقافات.
وذكر فضيلته، أن إعلان الإمارات عن سنة 2019 عاماً للتسامح ينسجم تماماً مع الرؤية الثابتة لقيادة دولة الإمارات والتي تعتبر أن تفعيل القوانين والتوصيات التي تدعو إلى التسامح والعيش المشترك والقيم الإنسانية النبيلة، لا بد وأن يواكبه العمل الميداني.
وأفاد بأن العمل الميداني يعمل على غرس ثقافة هذه القيم ليرقى التعايش إلى مستوى القناعات النفسية التي تفرز ضوابط سلوكية من شأنها أن تشيع الأمن في النفوس، وتجافي الجنوح إلى العنف.
نتائج التسامح
وعن النتائج المترتبة على تغليب التسامح على التعصب في المجتمع وتأثير ذلك على الإنتاجية والتقدم، أفاد العلامة ابن بيه، أن التسامح يعلمنا التسامي عن السفاسف بما فيها التعصب، موضحاً أن التسامح هو عفة اللسان عن الأعراض، وسكون اليد عن الأذى.
وشدد على أن التسامح يتجسد في التجاوز عن الزلات والتجافي عن الهفوات.. التسامح هو «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم».. التسامح هو أن تعطي من منعك وتصل من قطعك. وقال فضيلته: «تاريخ البشرية والحضارات الإنسانية شاهد بأن التسامح قيمة إنسانية في ظلها تنهض الأمم وتزدهر الحضارات فلا تنمية ولا تقدم في غياب التسامح وفقدان السلم، فالفرصة التي يمنحها التسامح للمصالح الدينية والدنيوية أنجع من الفرص التي نبحث عنها والمصالح التي يتوهمها البعض في فضاء لا تسامح فيه».
منصة إماراتية
وتطرق رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، رئيس منتدى تعزيز السلم، إلى أن من أبرز الفعاليات التي تنظمها الإمارات لتعزيز التسامح العالمي، القمة التي تحظى برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، ويترأسها معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح، مؤكداً أنها حلقة من سلسلة المبادرات المباركة لدولة الإمارات، ويعد اختيار القمة العالمية للتسامح في دورتها الثانية لشعار «التسامح في ظل الثقافات المتعددة: تحقيق المنافع الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية وصولاً إلى عالم متسامح» تتويجاً نوعياً لما شهدته الإمارات من مبادرات وملتقيات في عام التسامح. وذكر فضيلته، أن هذه القمة شكلت منصة حوارية ونخبوية لتعزيز قيم التسامح ومنبراً دولياً لعرض جهود دولة الإمارات كعاصمة للتسامح العالمي في تعزيز مبادئ التعايش واحترام الآخر وحفظ الكرامة الإنسانية.
حقل ألغام
ورداً على سؤال حول حاجة العالم في الوقت الراهن للتسامح، قال فضيلة العلامة ابن بيه: إن «الإنسانية اليوم تعاني في مختلف مجالات حياتها التي تحولت إلى حقل ألغام بفعل تصرفات شاذة لأفراد تمردوا على كل القيم الإنسانية الكبرى كالحق في الحياة وكرامة الإنسان والحرية والمساواة والعدل».
وأضاف: «فالتسامح إذاً هو حاجة إنسانية ملحة وعلى الجميع أن يدرك أن الإيمان المطلق بالدين لا ينافي الاعتراف بالاختلاف وأن اعترافنا كمسلمين بالأديان الأخرى هو جزء من عقيدتنا الإسلامية التي لا نعتنقها لنرضي أحداً أو نخطب وده وإنما لأنها عقيدة».