السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

جسارات يوسف إدريس الإبداعية

جسارات يوسف إدريس الإبداعية
13 أكتوبر 2018 00:04

إيهاب الملاح (القاهرة)

لم يثر كاتبٌ مُعتبر من كتابنا المعاصرين ما أثاره المرحوم يوسف إدريس (1927 - 1991) من مناقشات وجدل صاخب، وهجوم ودفاع؛ هي الحياة بكل ما يعج فيها من ضجيج وحيوية واضطراب وحركة، تهدأ العواصف وتتبدد الزوابع ولا يبقى من الكاتب؛ أي كاتب، إلا كتابته ومنجزه الإبداعي الذي بقدر ما أجاد وأخلص فيه بقدر ما خلّد هذا الإبداع سيرة صاحبه وأعماله.
ليوسف إدريس (1927 - 1991)، مكانته وقيمته الكبرى في أدبنا المعاصر، فهو «صاحب طريقة مخصوصة في السرد»، بتعبير خيري دومة الذي قدّم لواحدة من أهم الدراسات النقدية المعتبرة عن إبداعه السردي؛ وهو كتاب المستعربة الروسية الراحلة فاليريا كيربتشنكو «يوسف إدريس.. خفايا الإبداع»، الذي صدرت ترجمته العربية أخيرًا عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة؛ بتوقيع الطبيب والأديب المصري إيمان يحيى.
الكتاب واحد من الدراسات الكلية ذات الشهرة العالية في مقاربة إنجاز يوسف إدريس القصصي والروائي على السواء، وهو في الأصل أطروحة الباحثة والمستعربة الروسية الأشهر التي تقدمت بها إلى معهد الاستشراق في موسكو لنيل درجة الدكتوراه في الأدب العربي سنة 1970.
يسير الكتاب، بحسب مقدمة خيري دومة، في خط تطوري يتتبع أعمال إدريس، بدءًا من مجموعته الأولى اللامعة «أرخص ليالي» التي تحتل عنوان الفصل الثالث من الكتاب، و«البيضاء» التي تحتل عنوان الفصل السادس، مرورًا بمراحل صعوده في النصف الثاني من الخمسينيات التي تسميها الباحثة «أعوام الأعمال الكبيرة»، حيث يبلغ إدريس الذروة في إدارته للصراع الجدلي بين الإنسان ومجتمعه، من دون أن يقع في فخ التبسيط أو التهويل، وحيث يرسم صورة لبطل شعبي من صنعه، يستخلصه من نماذج متكررة، وتضفي عليه السخرية المصرية طابع البهجة.
ثم في النصف الأول من الستينيات التي تطلق عليها الباحثة في الفصل الثامن «الطريق إلى أعماق اللا وعي»، حيث يبلغ إدريس الذروة أيضاً في القدرة على الغوص في نفوس شخصياتها وتحليلها، وتتبلور أدواته الجديدة في الكشف عن الجوانب الجوانية، وإن بدأت ملامح الشقاق بين الداخل والخارج ترتسم في أعماله، حيث تفقد الشخصيات الإنسانية جدليتها القديمة وتتحول إلى تخطيطات مجردة تحركها الفكرة أحيانًا، وتقهرها غرائز بيولوجية تبدو كالقدر.
وصولاً في الفصل الأخير إلى مقالاته الساخنة في سنوات السبعينيات التي اصطدم فيها بالواقع المصري المضطرب، وتراجعت موهبته بفعل الإحباط المتراكم بدءًا من هزيمة عام 1967، وافتقرت أعماله القصصية إلى ما كان يطبعها من توازن وهارمونية، كانت المؤشر الأول على صدق العمل وفاعليته.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©