15 يوليو 2012
“التواصل” إحدى أهم المهارات التي ينبغي أن يتعلمها الآباء والأمهات قبل أن يعلموها للطفل. فالطفل الصغير نجده يبتسم ويحدق في عيني الأم منذ الأيام الأولى لولادته، ويصغي إلى صوتها المنساب باهتمام، ومع مرور الأيام نراه يتابع تحركاتها أمام عينيه في تواصل صامت، وقد يعرب عن استيعابه لما يجري حوله في ابتسامة بريئة، أو صرخات أو هنات مكتومة، أو حتى بتحريك رجليه ويديه. مع تطور نموه الجسمي والعقلي والانفعالي والحركي واللغوي والوجداني، يصبح من السهولة أن يتواصل مع من حوله، ويعرب عن آلامه واحتياجاته وانفعالاته بحرية، وفي كلمات واضحة ومفهومة. ومن ثم يمكن القول بأن اللغة أولى عتبات التواصل المباشر بين الطفل والعالم من حوله.
خورشيد حرفوش (الاتحاد) ـ ما من شك أن اللغة، أو”الكلام” تعد أهم أدوات التواصل الإنساني، ولولا التواصل لا يمكن للإنسان أن يتفاعل مع المجتمع المحيط، ولا يمكنه أن يعبر عن أبسط احتياجاته أو أن ينبه أحداً ما إلى آلام معينة أو خطر ما يتعرض له. ويتمكن الأشخاص الطبيعيون من التواصل اللفظي “الكلام”، وتلعب عضلات الجسم المعنية بذلك دوراً هاماً في عملية النطق وخصوصاً عضلات الصدر وعضلات الوجه والعنق والحنجرة وعضلة اللسان.
يوضح الدكتور حمدان رضوان أبوعاصي، الباحث في علم اللغة أهمية التفاعل ويقول: “التواصل عملية التفاعل بين الأفراد بشتى الوسائل والأساليب مثل الإشارات والإيماءات وتعبيرات الوجه وحركات اليدين والتعبيرات الانفعالية واللغة بهدف تبادل المعلومات والأفكار والتعبير عن الحاجات والرغبات، ولكي يتم ذلك لابد من وجود مرسل للمعلومات ومستقبل لها، وهذا يكون بالنسبة للأفراد الذين لا يجدون صعوبة في فهم الآخرين أو في محاولة التعامل معهم من خلال اللغة، وذلك لأنهم ليست لديهم مشكلات مختلفة في مهارات التواصل اللفظي.
بعض الأطفال لا تنمو لديهم مهارات التواصل على النحو السليم بل تواجههم اضطرابات ذات طبيعة حادة والتي لها آثار شديدة على شخصية الطفل وفي مستقبله عرض مجالات التحصيل إن لم يجد العلاج المناسب وفي الوقت المناسب. ويصاب بعض الناس أحياناً كثيرة بضعف أو بطء في حركة تلك العضلات نتيجة للتعرض إلى جلطة دماغية أو نزيف دماغي، وتختلف شدة الضعف العضلي من حالة إلى أخرى باختلاف شدة تأثير الجلطة الدماغية والمنطقة المصابة من الجهاز العصبي المركزي. حيث تصل شدة الاضطراب في بعض الحالات إلى حد العجز الكلي عن تحريك بعض هذه العضلات.
وعُرف طبياً أن من المسببات الأخرى لاضطراب الكلام، أو ما يعرف بعسر الكلام:الشلل الدماغي والضمور العضلي والأورام الدماغية والتصلب اللويحي المتعدد، ومتلازمة غوليان باري، ومرض باركنسون، ومرض ويسلون ومرض هنتغتون، والوهن العضلي. كما أن بعض العقاقير تتسبب بالإصابة بالعسر الكلامي كالعقاقير المخدرة والمهدئات، كما يصيب هذا الاضطراب كلاً من الكبار والصغار.
عيوب الكلام
يحدد الدكتور أبوعاصي، الباحث في علم اللغة، أهم عيوب أو اضطرابات الكلام في: “العيوب الإبدالية الجزئية”: وفيها يستبدل المصاب حرفا واحدا من الكلمة بحرف آخر، مثل: استبدال حرف الغين بحرف الراء، فيقول “تمغين” بدلا من “تمرين”، أو حرف الثاء بحرف السين، فيقول “ثبورة” بدلا من “سبورة”. والعيوب الإبدالية الكلية: وفيها يستبدل المصاب الكلمة كلها بكلمة مغايرة، كأن يقول: “كوسة” ويقصد بها “جاموسة”.
كذلك اللجلجة في الكلام “الفأفأة أو التلعثم”: وهو تكرار حرف واحد مرات عدة دون مبرر لذلك، مثل قوله لكلمة “ فول” فيرددها “ ففففففول”، أو كلمة “وردة “ فيقولها: “وووردة”. وهناك أيضاً عسر الكلام أو “العي”: وفيه يستغرق المريض فترة صمت في بدء الكلام رغم ظهور محاولاته للنطق، ثم يعقب ذلك النطق الانفجاري السريع، وهو حالة يعجز فيها الفرد عن النطق بأي كلمة بسبب توتر العضلات الصوتية وجمودها، ولذلك نرى الفرد الذي يعاني من العي يبدو كأنه يبذل مجهوداً خارقاً حتى ينطق بأول كلمة في الجملة، فإذا تم له ذلك يندفع كالسيل حتى تنتهي الجملة، ثم يعود بعدها إلى نفس الصعوبة حتى يبدأ الجملة الثانية وهكذا. ومن الثابت علمياً أن أغلب حالات العي أو عسر الكلام تعود إلى أسباب نفسية، وإن كان بعضها تصاحبه علل جسمية كالتنفس من الفم، أو اضطرابات في الجهاز التنفسي أو تضخم اللوزتين أو لحمية في الأنف إلى غير ذلك.
كذلك ما يعرف بـ”الخمخمة “ في الكلام: وهو خروج الكلام من الأنف كما يقال. ثم هناك أيضاً السرعة الزائدة أثناء الكلام أو القراءة: وهو التحدث بسرعة، ونقص الزمن المستغرق في الكلام، أو في القراءة عن الزمن الطبيعي، وهذا ناتج غالباً عن اضطراب في التنفس. وأخيراً “التلعثم”، ويقصد به عدم قدرة الطفل على التكلم بسهولة فتراه يتهته، ويجد صعوبة في التعبير عن أفكاره. فتارة ينتظر لحظات حتى يتغلب على خجله، وأخرى يعجز تماماً عن النطق بما يجول في خاطره. والتلعثم ليس ناشئاً عن عدم القدرة على الكلام، فالمتلعثم يتكلم بطلاقة وسهولة في الظرف المناسب، أي إذا كان يعرف الشخص الذي يكلمه، أو إذا كان أصغر منه سناً”.
الأسباب
يشير الدكتور أبوعاصي إلى أسباب اضطرابات الكلام، ويقول:” هناك العديد من العوامل التي تتسبب في حدوث هذه الاضطرابات، منها: أسباب عضوية: كنقص أو اختلال الجهاز العصبي المركزي واضطراب الأعصاب المتحكمة في الكلام، أو إصابة المراكز الكلامية في المخ بتلف أو نزيف أو ورم أو مرض عضوي. وأسباب جسمية وعصبية: ومنها، تشوه الأسنان، والضعف الجسمي العام، وانشقاق الشفة العليا، ووجود زوائد أنفية، ونقص السمع الذي يجعل الطفل عاجزاً عن التقاط الأصوات الصحيحة للألفاظ، وتضخم اللوزتين. ويؤكد بعض العلماء، على أن هناك تلفاً في بعض أجزاء المخ، وبخاصة في مناطق الكلام، نتيجة لولادة متعسرة، أو الإصابة ببعض الأمراض. وأيضاً سوء التغذية، والضعف العقلي وتأخر النمو، إلى جانب الأسباب النفسية، وهي كثيرة ومتنوعة، منها: القلق، والخوف، والتوتر النفسي، والشعور بالنقص، والصراعات النفسية اللاشعورية بسبب التربية الخاطئة، وفقدان الثقة بالنفس نتيجة الفشل المتكرر، دون أن نهمل العوامل الوراثية، وهذه الاضطرابات أكثر شيوعاً بين الأفراد الذين عانى أحد والديهم أو أقاربهم عيوباً كلامية. وأحياناً تكون الوراثة عاملاً ممهداً للإصابة.
طرق العلاج
يشير الدكتور أبوعاصي إلى طرق وأساليب العلاج، ويقول” هناك العلاج النفسي، ويهدف إلى علاج مشكلات الطفل النفسية، من خجل وقلق وخوف، وصراعات لا شعورية، وذلك لتقليل الأثر الانفعالي والتوتر النفسي للطفل، ولتنمية شخصيته ووضع حد لخجله وشعوره بالنقص، بالإضافة إلى تدريبه على الأخذ والعطاء حتى نقلل من ارتباكه. والعلاج الكلامي: وهو علاج ضروري ومكمل للعلاج النفسي ويجب أن يلازمه في أغلب الحالات. ويتلخص في تدريب المريض ـ عن طريق الاسترخاء الكلامي والتمرينات الإيقاعية وتمرينات النطق ـ على التعليم الكلامي من جديد بالتدريج من الكلمات والمواقف السهلة إلى الكلمات والمواقف الصعبة، وتدريب جهاز النطق والسمع عن طريق استخدام المسجلات الصوتية. ثم يتم تدريب المصاب على تقوية عضلات النطق والجهاز الكلامي بوجه عام، والعلاج التقويمي، وذلك بوسائل خاصة تستخدم فيها آلات وأجهزة توضع تحت اللسان، والعلاج الاجتماعي، ويهدف إلى تصحيح أفكار المصاب الخاطئة، المتعلقة بمشكلته، كاتجاهه نحو والديه، ورفاقه، والبيئة المحيطة به، وتوفير الحاجات الخاصة به. والعلاج الجسمي، ويهدف إلى التأكد من أن المريض لا يعاني من أسباب عضوية خصوصاً النواحي التكوينية والجسمية في الجهاز العصبي، وكذلك أجهزة السمع والكلام، وعلاج ما قد يوجد من عيوب أو أمراض سواء كان علاجاً طبياً أو جراحياً. فضلاً عن العلاج البيئي، ويقصد به إدماج الطفل المريض في نشاطات اجتماعية تدريجياً حتى يتدرب على الأخذ والعطاء، وتتاح له فرصة التفاعل الاجتماعي وتنمو شخصيته على نحو سوي، كما يعالج من خجله وانزوائه وانسحابه الاجتماعي؛ ومما يساعد على تنمية الطفل اجتماعياً العلاج باللعب والاشتراك في الأنشطة الرياضية والفنية وغيرها. كما يتضمن العلاج البيئي إرشادات للآباء القلقين إلى أسلوب التعامل السوي مع الطفل؛ كي يتجنبوا إجباره على الكلام تحت ضغوط انفعالية أو في مواقف يهابها”.
الآثار السلبية
عن الآثار السلبية لاضطرابات الكلام، يقول الدكتور أبوعاصي:” هذه الأسباب تترك اضطرابات النطق والكلام آثاراً متنوعة وعديدة على المصاب، منها: تعرض الطفل للسخرية والاستهزاء من الآخرين؛ مما يزيد من ثورات غضبه وانفعاله. وحرمان المصاب من بعض الفرص الوظيفية والمهنية المرغوبة. والشعور بالنقص، والخجل والحرمان من فرص النجاح والزواج. كما يواجه المصاب مشكلات في أثناء تعليمه، بخاصة إذا ما كان المعلم غير مؤهل للتعامل مع طلاب لديهم مشكلات واضطرابات عيوب النطق والكلام. وفي بعض المواقف لا يستطيع أن يبدي رأيه بالشكل المطلوب، ولا يستطيع الدفاع عن حقوقه، وهذا قد يؤدي إلى ردود فعل عكسية”.