14 يوليو 2012
يتوجه في الوقت الحالي أسطول بحري عسكري روسي صغير نسبياً، يتألف من نحو اثنتي عشرة سفينة حربية تم انتقاؤها من ثلاثة أساطيل بحرية روسية، نحو منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، من أجل إجراء مناورات حربية هناك. ومن المنتظر أن يرسو أسطول السفن الروسية في ميناء طرطوس السوري الذي تدير فيه روسيا قاعدة بحرية خاصة بالإمدادات العسكرية واللوجستية.
المسؤولون الروس يشددون في تصريحاتهم خلال الأيام الأخيرة، على أن المناورات الحربية التي يزمع أن يشارك فيها أسطول السفن المذكور، إنما كانت مبرمجة ومخططاً لها منذ وقت طويل قبل الآن، وأنها مصممة أصلاً من أجل كل الأهداف المعتادة لمثل هذه المناورات، وفي مقدمتها إظهار العلم في مناطق بعيدة من الموكب.
لكن تفصيلاً واحداً لافتاً في هذا الخصوص، يخبرنا بقصة مختلفة تماماً عن كل الرويات الرسمية الروسية. ومفاد ذلك التفصيل أن نصف السفن المتوجهة نحو المتوسط، والتي تم انتقاؤها من الأساطيل البحرية الروسية في القطب الشمالي وبحر البلطيق والبحر الأسود، هي سفن برمائية هجومية عملاقة.
وهذا النوع من السفن يصلح لنقل أعداد كبيرة من الناس (والدبابات)، وإدخالهم وإخراجهم من أماكن ضيقة. ووفقاً لما يقوله الخبراء فإن هذا المعطى يمثل دليلاً دامغاً إلى حد كبير على أن الحكومة الروسية تعمل في الوقت الحالي على الاستعداد للتعامل مع ظروف أو ضرورات طارئة، وربما وشيكة في سوريا، ومن ذلك إجلاء عشرات الآلاف من المواطنين الروس وعائلاتهم من الأراضي السورية في وقت بدأ ينهار فيه نظام الرجل القوي، حليفهم في دمشق بشار الأسد.
وفي هذا السياق، يقول سيرجي ماركوف، نائب رئيس جامعة بليخانوف الاقتصادية في موسكو، والذي يقدم استشارات بين الحين والآخر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين: "إنني واثق جداً من أن روسيا تفكر حالياً في كيفية التعاطي مع حالة نكون فيها مضطرين إلى إخراج عشرات الآلاف من مواطنينا، وآخرين ربما من دول أخرى، من الوضع الخطير والمتقلب القائم في سوريا حالياً". ويضيف المحلل الروسي قائلاً: "هذه المناورات كانت مبرمجة منذ وقت قبل الآن، وهدفها هو إظهار دعم روسيا للأسد ونظامه، وكذلك التأكيد على دورها المهم في المنطقة، إلا أن خليط السفن المشاركة والموجودة ضمن الأسطول الصغير، ربما جاء على ذلك النحو من أجل هدف أكثر عملية وارتباطاً بتطورات متوقعة أو غير متوقعة".
والجدير بالذكر هنا أن سوريا ما فتئت الشريك السياسي والعسكري الرئيسي لموسكو في المنطقة منذ عام 1971، لذلك نلاحظ الموقف الروسي الرافض بشدة قبول أي عمل دولي من شأنه إعطاء الضوء الأخضر لتدخل عسكري أو عقوبات مشددة ضد نظام الأسد، كما حدث مع نظام القذافي.
غير أنه خلال الأسابيع الأخيرة، بدأت موسكو، التي أخذت تشعر ربما بالنهاية التي لا مفر منها للأسد، تغير مواقفها تدريجياً وتشير إلى أنها لن تتمسك بالأسد حين لا يتمسك به شعبه! فخلال الأسبوع المنقضي، على سبيل المثال، أعلنت روسيا عن اعتزامها إلغاء صفقات أسلحة جديدة مع سوريا. ويوم الثلاثاء الماضي، استضافت موسكو وفداً من قيادة "المجلس الوطني السوري"، الذي يمثل مجموعة المعارضة السورية الرئيسية في المنفى، وذلك في إطار جهود تروم إظهار نوع من المرونة والانفتاح على كل الأطراف.
وضمن هذا الإطار، يقول فيودور لوكيانوف، رئيس تحرير مطبوعة "راشا إن جلوبل أفيرز" (روسيا في الشؤون العالمية)، وهي دورية مرموقة متخصصة في السياسة الخارجية تصدر من موسكو، "هناك نوع من التحول في الموقف الروسي، والذي يمكن رؤيته في الموقف الدبلوماسي الأكثر نشاطاً الذي يتم اتخاذه حالياً"، مضيفاً قوله في هذا الصدد: "إن روسيا تتطلع إلى تنويع خياراتها".
وإلى ذلك، فقد أفادت وسائل الإعلام الروسية بأن الفرقاطة المضادة للغواصات،"الأدميرال شابانينكو"، إضافة إلى ثلاث سفن هجومية ضخمة هي: "ألكسندر أوتراكوفسكي"، و"جورجي بوبيدونوسيتس"، و"كوندوبوجا"، هي في طريقها حالياً إلى البحر الأبيض المتوسط برفقة سفينة إمدادات وزورق سحب من قاعدة الأسطول البحري الشمالي بالقرب من مورمانسك. ومن المرتقب أن تنضم إلى طرادات وسفينة صهريج من أسطول بحر البلطيق ترسو بميناء كالينينجراد. ومن المنتظر أن تلتحق بها في شرق المتوسط خمس سفن أخرى من أسطول البحر الأسود، مثل المدمرة سميتليفي وسفينتين هجوميتين برمائيتين -تسميان حسب بعض التقارير"قيصر كونيكوف" و"نيكولاي فيلشنكوف"- هذا إضافة إلى سفينتين أصغر حجماً.
وفيما يخص المواطنين الروس الذين يقيمون في سوريا، فإن التقديرات بشأن عددهم تصل إلى حوالي 100 ألف نسمة، وإن كان لا أحد على ما يبدو يمتلك رقماً واضحاً حول هذه الجالية الروسية. ويعزى أحد أسباب ذلك إلى حقيقة أن آلاف النساء الروسيات تزوجن من سوريين خلال الأربعين سنة الماضية، أي منذ أن أصبحت سوريا شريكاً رئيسياً للاتحاد السوفييتي، وبدأت أعداد كبيرة من الطلبة السوريين (الذكور في معظمهم) يتدفقون على الجامعات الروسية للدراسة وتلقي العلم.
وفي هذا السياق، يقول جورجي مرسكي، الخبير في"معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية" الرسمي في موسكو، إنه "لا أحد يعرف على نحو دقيق عدد المواطنين الروس في روسيا، لكن يمكن القول إن العدد عموماً ربما يتراوح بين 30 و40 ألف روسي وروسية، معظمهم من النساء الروسيات، زوجات الطلبة السوريين السابقين الذين عادوا للعيش في بلادهم مع زوجاتهم الروسيات خلال العقود الماضية". ثم يضيف مرسكي قائلاً: "إن هناك الأطفال وأقارب آخرين. وهناك أيضاً أعداد أصغر من المسؤولين الروس وعائلاتهم"، إضافة إلى موظفي الشركات الروسية العاملة في سوريا.
ويقول سيرجي ماركوف، الذي أشرنا إليه في بداية هذا المقال، إن روسيا يمكن أن تتكفل أيضاً بمواطني بلدان أعضاء في رابطة الدول المستقلة، إضافة إلى ما يقدر بنحو 30 ألف نسمة من الشركس، والذين ينحدرون من القوقاز وقد فروا من روسيا في القرن التاسع عشر، والذين يقال إن بعضهم تقدم بطلبات للحكومة الروسية من أجل إعادتهم إلى مناطقهم الأصلية في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق.
ويرى بعض الخبراء أن روسيا أخذت العبرة والدرس من الصين عندما قامت هذه الأخيرة بإجلاء أكثر من 30 ألفاً من مواطنيها بنجاح من ليبيا أثناء الحرب الأهلية هناك خلال العام الماضي، حيث استعملت سفينة للقوات البحرية الصينية من أجل إنجاز جزء من المهمة.
ويقول لوكيانوف في هذا الصدد: "إن الجميع انبهر بالعملية الصينية، التي مثلت حدثاً بارزاً"، مضيفاً القول: "وهذا يعني أننا لا يمكن أن نقوم بأقل من ذلك، إذا ما استدعت الضرورة القيام به فعلاً".
فريد وير
موسكو
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"