لستُ ساحرة، ولكن لو كنت كذلك، لكان أول شيء أقوم به هو تحويل زعيم الأقلية في مجلس النواب الأميركي "جون بونر" إلى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، وزعيم الأقلية في مجلس الشيوخ "ميتش ماكونل" إلى وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن.
هل كنتم تأملون في تحويلهم إلى ضفادع؟ هذه أيضاً فكرة مغرية، ولكن التغيير الذي أقترحه ربما يكون أفضل؛ ذلك أن الفرق بين الزعماء المحافظين البريطانيين وزعمائنا في الولايات المتحدة هو الفرق بين المحافظة التقليدية والمحافظة التي يعوزها السحر. والواقع أنني لست من حزب المحافظين، ولكن انبهاري كان كبيراً عندما استمعت إلى خطاب كاميرون في المؤتمر السنوي للحزب.
أولا، بدلاً من أن يَعد بتغيير دون ألم، يتعامل حزب المحافظين البريطاني مع الأزمة المالية بكثير من الجدية والصراحة؛ حيث يستعد "أوزبورن" لكشف النقاب عن مخطط تقشف يروم خفض العجز، ومن المرتقب أن يخفض ميزانيات معظم الوزارات بـ 25 في المئة على مدى سنوات. والأمر يتعلق هنا بتخفيضات حقيقية ومحسوسة.
ويمكن للمرء أن يجادل بشأن ما إن كانت هذه هي المقاربة الصحيحة في اقتصاد متضعضع، أو ما إن كانت هذه التخفيضات أكبر وأشد مما ينبغي، ولكن الأكيد أن الإعلان عنها يتطلب قدراً كبيراً من الجرأة والشجاعة السياسية. ولنقارن هذا مع تعهد جمهوريي مجلس النواب عندنا في الولايات المتحدة "تعهد لأميركا"، المثير للضحك، الذي تمكن من الإتيان بتخفيضين صغيرين فقط: خفض ميزانية الكونجرس (يذكر هنا أن كل إنفاق الفرع التشريعي يبلغ أقل من 4 مليارات دولار) وتجميد حجم الموظفين الفيدراليين (وهو أصغر اليوم مما كان عليه في 1967).
ثانيّاً، إن حزب المحافظين البريطاني يدعو إلى تضحية مشتركة، بدءاً بمكان يبدو أن الجمهوريين في أميركا لا ينظرون إليه أبداً: من القمة؛ حيث قال كاميرون: "من الإنصاف أن يتحمل الأشخاص الذين لديهم أكتاف عريضة حملاً أكبر".
ومع افتتاح المؤتمر، أعلن حزب المحافظين البريطاني أمام أعضائه أن الأشخاص الذين يتقاضون رواتب كبيرة -أولئك الذين يتقاضون أكثر من حوالي 70 ألف دولار سنويّاً- لن يعودوا مؤهلين للاستفادة من مزايا الأبناء بشكل تلقائي، التي تحصل بموجبها عائلة ذات ثلاثة أطفال على ما يقارب 4 آلاف دولار سنويّاً.
ومن جانبه، قال أوزبورن: "صدقوني، إنني أدرك أن معظم دافعي الضرائب الذين يدفعون ضرائب أعلى ليسوا هم أغنى الأغنياء"، مضيفاً "ولكن علينا حقاً هذه الأيام أن نركز الموارد على المجالات التي هي في أمسِّ الحاجة إليها". أما هنا في الولايات المتحدة، فعندما يتجرأ الديمقراطيون على اقتراح ضرائب أعلى بالنسبة للعائلات التي تتقاضى أكثر من 250 ألف دولار، فإن الجمهوريين يصيحون متحدثين عما يسمونه "الحرب الطبقية".
ثالثاً، إن حزب المحافظين لا يتبنى رؤية حركة "حفلة الشاي" للحكومة كقوة حاقدة؛ وفي هذا السياق، قال كام رون: "إنني لا أؤمن بسياسة عدم التدخل... لأن دور الحكومة ليس إلهاب الطموح فقط، وإنما المساعدة على جعله يطير"، مشيراً إلى عدد من الأمثلة: بنك استثماري أخضر، مشاريع البنى التحتية مثل خطوط السكك الحديدية للقطارات عالية السرعة، والإنترنت فائقة السرعة، وحتى "علاوة الشركات الجديدة التي تقدم المال والدعم للعاطلين عن العمل الذين يريدون إطلاق مشاريع خاصة بهم".
والواقع أنه من الصعب تخيل قيام الحزب الذي رفض تمديد مزايا البطالة في أميركا بشيء مثل هذا؛ ولكن إذا كان الجمهوريون يشتكون من نظام صحي اشتراكي ويتعهدون بتفكيك إصلاح نظام الرعاية الصحية، فإن نظراءهم في حزب المحافظين البريطاني يَعدون باستثناء نظام الرعاية الصحية الوطني من خفض الميزانية.
رابعاً، إن محافظي كاميرون لا يعانون من حساسية الجمهوريين الشديدة تجاه الضرائب؛ ذلك أنه بينما يشدد الجمهوريون على تمديد خفض الضرائب التي أقرها بوش لفائدة الأميركيين الأغنياء، فإن المحافظين البريطانيين يدعمون زيادة الضرائب. أجل، يدعمون زيادة الضرائب -على رغم أن عبء الضرائب هو أصلاً أثقل بكثير في المملكة المتحدة.
ذلك أن حزمة المحافظين البريطانيين الرامية لتقليص العجز تتوقع سد خمس العجز بواسطة رفع الضرائب.
وهكذا، من المنتظر أن ترتفع ضريبة القيمة المضافة من 17.5 في المئة إلى 20 في المئة. كما سترتفع الضريبة على أرباح الرأسمال من 18 في المئة إلى 28 في المئة بالنسبة لمن يجنون أعلى الأرباح، وذلك لأن الأغنياء، مثلما قال "أوزبورن" الذي بدا أقرب إلى الثري المحسن "وارن بافيت" منه إلى مارجريت تاتشر، "يدفعون ضرائب أقل من الأشخاص الذين يعملون لديهم في التنظيف".
خامساً، وقد يكون هذا نتيجة افتقارهم لأغلبية واضحة والتحالف الذي ترتب عن ذلك مع الديمقراطيين الأحرار، يبدو أن المحافظين يدركون أن السياسة يمكن أن تكون مسألة "نقاش عقلاني، وليس خطوط انقسام فئوية"، كما قال كاميرون.
وفي هذا الإطار، أشار رئيس الوزراء البريطاني إلى استفتاء من المزمع تنظيمه العام القادم حـول الإصـلاح الانتخابـي -وهي خطوة يعارضها المحافظون- قائلاً: "دعونا لا نضيع الوقت في محاولة تحطيم مشروع القانون.. دعونا نخرج إلى هناك لكي نفوز في هذا التصويت". يبدو هذا شبيهاً جدّاً بمقاربة جمهوريي الكونجرس، أليس كذلك؟
صحيح أن المملكة المتحدة والولايات المتحدة لديهما نظامان سياسيان مختلفان وثقافتان سياسيتان مختلفتان؛ ولكن ما أحوج الحزب الجمهوري إلى مثل هذه الحصافة والعقلانية. للأسف، إن الأمر سيتطلب أكثر من السحر لتحقيق هذا المطمح!
روث ماركوس
محللة سياسية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفيس»